كثر في الآونة الأخيرة الحديث والقلق المتزايد في الاوساط الاعلامية وبين عامة الناس عن ماورد في الصحف ووسائل الأخبار بشأن الأغذية المعدلة وراثيا وما مدى تأثيرها السلبي على صحة المستهلك لها.
لقد ادى نقص الغذاء المتزايد في اشباع بطون جياع العالم إلى البحث والتنقيب في جميع الامكانات العلمية والتطبيقية في سبيل توفير الطعام لسكان الارض الذين هم في تزايد مستمر ومن بين تلك الإمكانات العلمية التي بحثها العلماء علم التقنية الحيوية الذي يشمل الهندسة الوراثية والهندسة الإنزيمية والتخمرات الصناعية والإكثار بزراعة الأنسجة.
تقنية الهندسة الوراثية هو علم جديد يتفرع منه العديد من التقنيات التي ادت الى طفرات في نوعية وجودة وتركيب معظم الأغذية المتاحة، وبالتأكيد فإن مصادر الطعام الحيواني والنباتي سوف لن تسلم من تدخل التقنية الحيوية وخاصة الهندسة الوراثية المسؤولة عن التحويرات في تراكيب أساسية في بنية هذه المصادر والتي يتخوف كثير من المستهلكين من مدى تأثيراتها السلبية اذا وجدت على صحتهم وعلى صحة الأجيال القادمة في المستقبل نتيجة الأثر التراكمي, إلا ان احتمال ظهور عوارض جانبية أو تأثيرات سلبية من جراء استهلاك أغذية معدلة وراثيا هو على مايبدو ضعيف جدا حسبما تبديه نتائج الأبحاث التي اجريت على حيوانات التجارب, والأغذية المعدلة وراثيا لامناص منها في وقتنا الحالي فلابد ان نجد على الأقل نوعا واحدا من الغذاء الذي نتناوله قد دخلت فيه التقنية الحيوية, فمثلا اللحوم أو الحليب المستورد أو المنتج طازجا من مزارعنا نجد انه ينتج من قبل ابقار قد يكون تم بعض افرادها مولّدا بواسطة احدى التقنيات الحيوية المذكورة سابقا او ان العليقة التي تتغذى عليها الابقار قد دخل في تركيبتها ذرة او فول الصويا معدلا وراثيا او اي مكوناتها الأخرى العديدة, أو أن تكون الأبقار قد حقنت بهرمون لزيادة إدرار الحليب والذي هو الآخر قد تم إنتاجه بواسطة التقنية الحيوية, وينطبق نفس الشيء على حبوب القمح المستوردة المطورة بالتقنية الحيوية لمقاومة الأمراض والجفاف والأملاح فضلا عن إعطائه إنتاجا وفيرا وحسن المواصفات، وكذلك الحال بالنسبة للأغذية المعلبة التي لابد وأن يدخل في بعض مكوناتها الغذائية منتج قد تم تعديله وراثيا.
ومع ذلك فإن الصورة مضيئة في جميع الحالات، فهناك نوعية من الحبوب المعدلة وراثيا تعطي محصولا ذا مواصفات عالية جدا ولكن حبوب الجيل الأول المنتجة من هذا المحصول تكون عقيمة لاتنبت عند زراعتها مرة أخرى وتتعاظم المشكلة عندما يكون هذا المحصول المعدل وراثيا قد زرع بجوار حقول مزروعة بحبوب تقليدية لم تعدل وراثيا وعند حصاد المحصول وزراعته مرة أخرى فإن نسبة عالية من حبوبه لن تنبت لكونها عقيمة وذلك نتيجة انتقال بعض حبوب اللقاح العقيمة من المحصول المعدل وراثيا الى ازهار المحصول التقليدي في المزرعة المجاورة بالتالي ينجم عن ذلك خسارة في الغلة وبمرور السنوات تندثر الأصول النباتية المحلية، ويصبح إنتاج البذور حكرا على الشركات الكبرى المنتجة للبذور المعدلة وراثيا, ولذا وجب تنبيه المؤسسات الحكومية المسؤولة نحو اتخاذ اللازم حيال منع دخول هذه النوعية من الحبوب إلاتحت ظروف بيئة زراعية متحكم بها.
وعلم التقنية الحيوية قدم الشيء الكثير في مجال تطوير الزراعة والأغذية كما هو الحال في مجالات أخرى وما زال يقدم ومازالت الإنسانية بحاجة الى المزيد من نتاج هذا العلم.
إن أهداف استخدام التقنية الحيوية في الزراعة وإنتاج الأغذية كثيرة ومن بينها الحصول على منتج ذي مواصفات عالية الجودة ومقاوم للفساد ويمتلك المظهر والشكل الجذاب والذي يستحوذ على اهتمام المستهلك، وكذلك الحصول على منتج وفير وغير مصاب بالأمراض والآفات ومقاوم للجفاف نسبيا وذي قيمة غذايئة عالية مقارنة بمنتج النباتات التقليدية غير المعدلة وراثيا، والذي قد تكون نوعيته رديئة ويحتاج الى الرش الدوري بمبيدات الآفات لقابليته العالية للإصابة وما تحرضه المبيدات من آثار متبقية تضر بالمستهلك ضررا مباشرا ولاسيما اذا كان المحصول من الخضراوات سريعة الاستهلاك وهي طازجة إننا بحق حيارى حيال مجموعة من الخيارات ما بين التقليدي الموروث بكل عيوبه ونقائصه والجديد المعدل وراثيا بإضافة أو حذف أو تغيير موقع حمض أو عدة أحماض أمينية في جديلة ال د,ن,آ (DNA) الداخلة في تركيب نواة الخلية بما يخدم إنتاج محصول عالي الجودة ومنيع تجاه الاصابة بالآفات وتجاه الظروف البيئية الحرجة.
خلاصة القول، أن بعض المهتمين بقضايا التنمية الزراعية والاجتماعية يثير العديد من المخاوف بخصوص الآثار الجانبية للتقنيات الحيوية وبغض النظر عن مدى صحة أو عدم صحة هذه المخاوف فإن هذه التقنيات تحمل في طياتها إمكانيات هائلة لمصلحة الإنسانية وقد أضحت على مايبدو قدرا لامفر منه, لذا فإنه من الحكمة الاستفادة من قدرات التقنية الحيوية الحديثة مع ضرورة أخذ الحيطة والحذر لتلافي آثارها الجانبية إن وجدت، أو تقليلها إلى أدنى حد ممكن, كما أنه لابد من تطوير تقنيات جديدة لتصنيع وتسويق الكميات الضخمة من المنتجات الغذائية والسلع الزراعية الأخرى التي سوف تشتد الحاجة اليها في المستقبل.
د, إبراهيم بن محمد الرقيعي
أستاذ بحث الغذاء والتغذية المساعد
مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية