Wednesday 18th August, 1999 G No. 9820جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9820


جماع الشر ومفتاحه
دعوة للتخلص من الغضب المذموم

عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
قرأت ماكتبه الاخ سعود بن مناحي في صفحة (عزيزتي الجزيرة) في العدد رقم (9817) بعنوان (المتنرفزون والدم الحار: لو علموا ضعفهم لانتهوا عن انفعالاتهم) وقد تحدث الاخ عن الغضب والانفعال السريع مبيناً ان من يتصف بهذه الصفة لا يمكن ان يكسب تعاطف المتابعين ان كان محاوراً اضافة الى ما يلحقه من المتاعب الصحية نتيجة لهذه الانفعالات، وانا بدوري استأذن الأخ سعود وقراء (عزيزتي الجزيرة) باقتطاع جزء من صفحتهم الغالية لالقاء اطلالة عاجلة على هذا الموضوع المهم وذلك من خلال النوافذ التالية:
اولا: الغضب من الغرائز التي جبل عليها الانسان، وهو من الغرائز الخفية الكامنة التي تظهر اذا توفرت الاسباب الداعية لظهورها كالاعتداء على حق او التقصير في واجب، او الاستهتار والسخرية وعدم المبالاة بمطالب ومشاعر الناس ونحو ذلك فإذا حصل واحد من هذه الاسباب ثارت ثائرة الشخص وغلى دمه وزاد خفقان قلبه، وارتفع صوته، ووجد في نفسه رغبة شديدة في الانتقام ممن أثار غضبه، والناس في تعاملهم مع هذه المتغيرات يختلفون اختلافا جذريا، فمنهم العاقل الثابت الشجاع الرزين الذي يتمالك نفسه عند الغضب ويجاهدها بالصبر والثبات ويكبح جموحها ورغبتها في الانتقام وهؤلاء هم الحكماء والابطال الذين يشار اليهم بالبنان، ومن الناس من يستجيب لدواعي الغضب، ويركب صهوة جواده، ولايهدأ له بال او يقرّ له قرار حتى ينتقم ممن أثار غضبه إما سباً وشتماً او ضربا وركلا بل وربما اوصله طيشه وحنقه الى القتل عياذاً بالله، وهذا الصنف من الناس لديه ضعف في الارادة وانهزام في النفس ونقص في الحكمة والادراك وحسن التصرف.
ثانياً: الغضب والانفعال من الغرائز الخفية التي تظهر اذا توفرت الأسباب الداعية لظهورها، فيا ترى ما هذه الاسباب؟ وجواباً عن هذا التساؤل نورد الاسباب التي تخرج الانسان عن طوره بشيء من الايضاح:
أ - التكبر والتعالي على الناس، فالمتكبر المغرور لا يتحمل من الناس شيئاً مهما صغر حجمه، لذا تراه يغضب لأسباب تافهة، لأنه يرى أنه فوق الجميع وعليهم ألا يعاملوه كبقية البشر، وإلا سيتكدر خاطره وتشين نفسه، فآه من هذه الآفة (الكبر والغرور) وأهلها اولئك الممقوتين دنيا واخرى.
ب - الإفراط في الانانية وحب الذات، فمن اتصف بهذه الصفة الممقوتة يغضب لنجاحات غيره وتفوقه عليه، لانه حسود لا يريد الخير الا له ويتمنى زوال النعم عن اقرانه.
ج - المزاح الثقيل فهو من اكبر الاسباب التي تخرج العاقل عن طوره، وذلك لما يتضمنه من الايذاء الشديد والتلذذ والضحك على اذية الآخرين واحراجهم فالمزاح الثقيل يورث العداوة.
د- الاستهزاء بالآخرين وتنقصهم، وذلك لان الله قد كرمّ الانسان وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، فكل إنسان لديه عزة وأنفة لا يرضى لكائن من كان ان يقلل منها او يتعرض لها، فإن حصل ذلك خرج عن طوره وثارت ثائرته لرد اعتباره، وإيقاف من انتقصه عند حده.
ه - المناقشات الكلامية الحادة التي لا هدف يُرجى من ورائها سوى الانتصار للنفس وافحام الآخرين والجدال بهذه الصورة مذموم في امور الدين وأحكامه فضلاً عن امور الدنيا التافهة.
و - الوراثة فبعض الناس يغضب لاتفه الأسباب فطرة وجبلّة توارثها عن آبائه واجداده.
ز - قلة اليقين وعدم الصبر على اقدار الله المؤلمة، فمن الناس من اذا تعرّض لمصيبة دنيوية قضى يومه كئيبا غاضبا لا يريد ان يكلمه أحد، وربما جعل من الامر التافه قضية كبرى لا لشيء الا ليفرّغ شحنات القهر والغضب الكامنة في نفسه، والضحية زوجة مسكينة أو طفل بريء او ضعيف مغلوب على أمره!!
ثالثاً: للغضب اذا استحكم وسيطر على صاحبه وهيمن عليه اضرار وخيمة لانه يُفقد العاقل صوابه ويجعله يتصرف كالمجنون فيسب ويشتم ويضرب ويكّسر ما امامه من ممتلكات، وربما طلّق أو قتل نفسا معصومة، وبعد ان يهدأ ويرجع لعقله وصوابه يعض أصابع الندم على هذه التصرفات ولكن متى؟ بعد فوات الاوان!! فالغضب بهذا الشكل يجر صاحبه لارتكاب كثير من المخالفات الشرعية كما انه ينفّر الناس من صاحبه ويجعلهم يتحاشون الجلوس معه او مكالمته، وقد ينتج عن ذلك تفكك المجتمع وعدم ترابطه، هذا فضلاً عما يجره الغضب من اضرار صحية كارتفاع ضغط الدم والانهيار العصبي والتأثير على أعصاب المخ وغير ذلك من الاضرار التي لا حصر لها.
رابعا: الغضب الخارج عن المعقول مرض، ولكل مرض علاج ودواء، وعلاج هذا الغضب متوفر في ديننا الاسلامي السمح من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة، فتعالوا بنا نتجول في رياض النبوة لنرى ما العلاجات التي وصفها لنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه:
1- الحرص على ذكر الله تعالى في كل حال، لان ذكر الله يطمئن القلب ويورث انشراح الصدر قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد 28.
2- الوضوء، فمن غضب فليبادر الى الوضوء لانه يطفىء لهيب الغضب كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (إن الغضب من الشيطان، وان الشيطان خلق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) رواه احمد 4/226 وابوداود (4784).
3- التعوذ بالله من الشيطان الرجيم فعن سليمان بن صُرد قال: استّبا رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسّبُ صاحبه مغضباً قد احمّر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم,,) الحديث رواه البخاري (6115) ومسلم (2610).
4- تغيير الحالة التي عليها الإنسان فإذا كان قائما جلس فإن ذهب الغضب وإلا فليضطجع وهكذا فعن أبي ذر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإذا ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) رواه احمد 5/152 وابو داود (4782).
5- السكوت، لان الاسترسال في المشاجرة الكلامية وزيادة التأنيب يزيدان حدّة الغضب بخلاف السكوت فإنه يئد المشكلة في مهدها قال صلوات الله وسلامه عليه: (إذا غضب أحدكم فليسكت) رواه أحمد 1/239.
6- أن يتذكر المسلم الثواب العظيم المترتب على كبح جماح الغضب وكظم الغيظ كما قال تعالى: (وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) آل عمران (133 - 134) وقال صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظاً وهو يستطيع ان ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُخيّره في أي الحور شاء) رواه احمد 3/440 والترمذي (2021) وابو داود (4777).
7- الابتعاد عن اسباب الغضب، ومفارقة المكان الذي غضب فيه، وعليه ان يستحضر صورته حال غضبه وكيف انه يتصرف كالمجنون، وعليه ان يدرك ان امتلاك النفس عند الغضب هو القوة العظمى قال صلوات الله وسلامه عليه: (ليس الشديد بالصُّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه البخاري (6114) ومسلم (2609).
خامساً: هناك غضب محمود يُمدح صاحبه وهو الغضب لله تعالى ولدينه، فإذا انتهكت محارم الله تعالى تلّون وجهه وغضب، وهذا الغضب يؤجر صاحبه عليه لانه يدل على تمكن محبة الله في قلبه، وهذا هو ديدن المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث لم يكن يغضب لنفسه ما توفر الداعي لغضبه وإنما كان يغضب لله ولدينه، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يعرفون غضبه من خلال قسمات وجهه فعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه, رواه البخاري, (6102) ومسلم (2320) وغضب وتلون وجهه لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه تصاوير وغضب من الإمام الذي يطيل الصلاة حتى تأخر بعض الناس عنها.
وختاماً أخي الحبيب هذه دعوة للتخلص من الغضب المذموم لأنه جماع الشر ومفتاحه وقد افلح وفاز من عُصم منه والله المستعان.
أحمد بن محمد البدر
الزلفي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved