Wednesday 18th August, 1999 G No. 9820جريدة الجزيرة الاربعاء 7 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9820


قراءة انطباعية لواقع الأمسيات الشعرية

في ليلة من ليالي الصيف الحالمة هاتفني احد الاصدقاء وبعد السلام والسؤال عن الحال قال لي بنبرة صوت مبحوحة يسرقها طابع الحزن وحرقة الأسى (مات) فقلت له وبكل دهشة ومن الذي مات؟!, قال (شعرنا العامي التقليدي الأصيل) فقلت له ولماذا هذه النظرة التشاؤمية البحتة، فما زال شعرنا بخير وما زال الشعراء اصحاب الطرح الهادف والكلمة المؤثرة والموضوع الشيق موجودين (وذلك لجذبه للحديث عن الموضوع بكل تفاصيله) فأجابني قائلاً واين هم اولئك الشعراء ولماذا تركوا الساحة في هذا الوقت وبدأ في طرح العديد من التساؤلات يحضرني بعضها وفاتني بعضها - فقلت له، بالله عليك وما الذي حدا بك لطرح مثل هذه التساؤلات؟! قال وباسترسال بالحرف الواحد:
كنت في لحظة ما في لهفة شديدة لأن احضر امسية شعرية لشخص ما ومع بداية الاعلان عنها قبل اسابيع بل شهور من اقامتها كانت اللهفة تزداد لدي مع اقتراب الموعد المحدد وكان الشوق يدفعني لان ارى فارس تلك الأمسية وان اتصل به كأحد المعجبين به - وضع به بين قوسين فالاعجاب ذهب الى ذات الشخص وليس لمادته وهذا الشيء ليس بغريب اذا ما عرف السبب - وعندما حان الوقت للأمسية ذهبت حسب الموعد والمكان المحدد، وبعد ان اخذ كل شخص مكانه في القاعة بما فيهم فارس الأمسية كان يقودني لسماع قصائد شاعرنا كما يقال (سلك الحرير) لما كان يكتب عنه ويثار حوله من آيات التبجيل والتعظيم وكأنه متنبىء زمانه - وهذا هو مربط الفرس - وحينما بدأ شاعرنا في القاء قصائده الواحدة تلو الاخرى بدأ ينتابني شعور كما هو دوران البحر من غثاء ما يلقيه من معان جوفاء ليس لها معنى ولا فائدة خالية كل الخلو من المضمون وكأني بها فقاعات صابون.
ومع تزايد عنصر المفاجأة لدي احتوتني الحيرة وسيطر علي الخجل الحيا من وعلى حال ذلك الشاعر الذي وكأنه لا يعلم شيئاً عن مضامين تلك القصائد ولا عن مستواها وبعد ان انتهت الأمسية ولا ادري ان كان انتهاؤها بالنسبة لي على خير ام لا، تضارب في فكري الكثير من الاسئلة والتي لم استطع الاجابة عليها,, اين عقل ذلك المسكين (الشاعر) وهو يلت ويعجن في هذه الخرابيط ؟ ولماذا تعطى له الفرصة ما دام ان هذا مستواه؟ واين شعراؤنا الفحول من هذه الأمسيات والذين هم احق بألف مرة منه؟! وحاولت ان ابرر لنفسي سبب اعجابي بذلك المسكين فلم اجد سوى سبب واحد وهو: ان اعطاء مثل هذا الشخص ومن شاكله اكبر من احجامهم بما هم ليسوا اهلا له من الاطراء والمديح في اعمدة الصحف والمجلات يجعل عند المتلقي احساساً بأن ذلك المسكين ومن شابهه هم المتسيدون للساحة وما اسرع ان يتكون لدى المتابع شعور مضاد ريثما تحصل المفاجأة وذلك عند ساعة المواجهة والامتحان الحقيقي وجهاً لوجه مع الجمهور - انتهى حديثه .
واخذ صاحبنا يسترسل في عرض ما واجه من احباط وشعور مر ليس بغريب ان ينتاب صاحبنا وينتابنا معه واذا لم نتعامل مع مثل تلك العينات من الشعراء بعين العقل لا بما ينقل ويصور لنا عنهم في اعمدة الصحف والمجلات بما هو خلاف للواقع وما حدث لصاحبنا هو نتاج حتمي لما هو عليه حال ساحتنا الشعبية من اساليب البهرجة والتزييف بانزال من لا يستحق مكان من يستحق، مما يسبب للمتابع والقارىء غير الملم بتفاصيل اللعبة في الساحة الحيرة وذلك نتيجة لما يسمى بتضاد المتضاد .
* من هنا يقودنا الحديث عن ساحتنا الشعبية في الوقت الحالي الى انه يشوبها الكثير من الأمور المزخرفة البراقة الخادعة التي تحتاج الى تنظيم وتشكيل وتوجيه من جديد نحو الطريق الصحيح لكي نعبر بساحتنا الى بر الامان ولكي نجني الفائدة المرجوة.
* ومن منطلق البحث عن الفائدة عن طريق الكتابة بقلم موضوعي جاد مبتعدين عن اقلام الذاتية المهزوزة الجافة كان الزاماً على كل غيور على ادبنا العامي الاصيل ذي التاريخ العريق (الشعر) ان يتساءل ويبحث في القضايا التي تدور في مجرة ساحتنا الشعبية بكل جدية ومثابرة تاركاً وراء ظهره ميوله واتجاهاته ورغباته والتي تمثل حجر العثرة في طريقه متى ما سيطرت على قلمه وحسه.
* ومن تلك الأمور التي تسيء الى ماضي وحاضر ادبنا العامي (الشعر) المنهجية التي يتم التعامل بها مع الامسيات الشعرية تلك المنهجية غير الناضجة والتي تعكس واقعاً مغلوطاً وهذا نتاج لعدم التعامل بطريقة منظمة مقننة بروح صادقة.
* ومن هنا كان من الواجب ان تقام الأمسيات الشعرية تحت ضوابط وشروط معينة تحدد من خلالها الكيفية التي عن طريقها يتم تعيين واختيار فارس الأمسية.
* فالملاحظ على الأمسيات الشعرية الحالية الا ما ندر منها انها صورة مخجلة لواقع شعرنا العامي التقليدي الاصيل وذلك لسبب بسيط الا وهو عدم تحديد الهدف من اقامة الأمسيات مسبقاً وتبعا لذلك لا تحدد المنهجية التي سوف تدار بها تلك الأمسية وغيرها من الأمسيات.
* فتحديد الأهداف في اي موضوع ينوي ان يقوم به اي فرد او اي جهة يجعل الموضوع يسير في طريقة بناءة تختصر الجهد والوقت وتنظم الأوراق مما ينتج عن ذلك التحديد عموم الفائدة على الموضوع والمتعاملين معه وبه.
* واهداف اقامة الأمسيات الشعرية في مجال ادبنا العامي التقليدي الاصيل الشعر تتجلى في سؤال يطرح نفسه بنفسه وهو: هل المنهجية التي تدار بها الأمسيات الحالية تخدم الشاعر ام الساحة الشعبية؟
* من خلال الوقوف عند هذا التساؤل فاننا متى ما نظرنا الى فرسان الأمسيات الحاليين نجد ان اغلب مايطرحونه لا يعود على الساحة بأي جديد بأي فائدة تدفع بأدبنا العامي التقليدي الاصيل الشعر نحو التقدم اختياراً وموضوعاً واصالة إن لم يكن بالرقي الى اصله الفصيح فبالمحافظة على قيمه وموروثاته الاصيلة التي هي قاعدته ونبذ ما استجد من هراء وجعجعة وقعقعة والتواء على الذاتية ونقنقة وضفدعة ودهمسة ورهمسة وعلامات استفهام وتعجب خالية جوفاء حداثية .
* ان عملية اختيار فرسان تلك الأمسيات وكما سلف تقوم على معايير غير واضحة واهداف غير محددة ومنهجية عشوائية تسيطر عليها نزوة الارتجال والمحسوبيات بعيدة كل البعد عن التركيز.
* فلو ان اختيار الشاعر يكون بعد دراسة وافية لما تتضمنه مادته من قيمة حقيقية لا قيمة وهمية لرأينا مدى العائد الكبير على الساحة بأقل وقت وجهد.
* فالأمسيات بهذا الواقع المشاهد المكهرب لا تخدم سوى الشاعر وقتياً اذ توفر له منبراً اعلامياً ما كان اهلاً له وقناة اتصالية ما كان من روادها ولا شك ان من دفعه لذلك وزين له هذا المنهج سيكون سبباً للقضاء عليه.
* ولو اننا كنا واقعيين في عملية اختيار فرسان الأمسيات لرأينا ان هناك من شعرائنا الكبار من هو الأحق باعتلاء تلك الأمسيات وذلك لما لهم من باع طويل وخبرة وافرة ومادة ثمينة تثري ثقافتنا وساحتنا وتكون مدرسة للمبتدىء.
* والمعيار الذي قد يساهم في تحديد هذه الامور هو النظر الى جودة المادة من عدمها.
فكثيرا ما نسمع ونشاهد امسيات شعرية تقام هنا وهناك ولكن وبعدما تنفض هذه الامسيات ونحاول استرجاع اي فائدة من حضورنا لها لا نجد ما نسترجعه لاننا لم نجد ما يستحق ان يختزل في الذاكرة الا كما يمسك من صوت الطنبور الطبل .
* وبهذا فان الأمسيات الشعرية الحالية - الا ما ندر - ما هي الا عبارة عن هيكلة تم تنظيمها وزخرفتها من شكلها الخارجي وترك داخلها مقلوباً رأساً على عقب.
* وبالتالي فوجود لجنة يتم اختيارها بكل دقة وموضوعية بناء على شروط معينة من الخبرة والالمام بأحداث الساعة في الساحة الشعبية والمعرفة التامة بشعرنا العامي الاصيل وضوابط مقننة، وتبعاً لذلك توكل اليهم عملية الاشراف على الأمسيات الشعرية، بما في ذلك تحديد مواعيدها وفرسانها ورسم المنهجية التي سوف تسير عليها تلك الأمسيات ووضع البرامج التي تساعد على ثراء الساحة الشعبية.
* ومن خلال تلك الهيكلة سوف يتبلور في ساحتنا الشعبية من الايجابيات ما يدفعها نحو الأمام.
* اما ان يترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب فسوف يبقى أدبنا آخذاً في طريقه الى مزالق ومنحدرات سحيقة.
* وقفة:
من تاه درب الخطا يتيه درب الصواب
حبل الهدى منعقد في جنب حبل الخطا
الشوق توقد لهيبه شعلة الاغتراب
ورد اللقاء ما يفوح الا بنسمة بطا
والحر وش يفرقه عن فرخ طير الغراب
الجنس واحد والى من هد كفه سطا
والبرق الى من شعق في عرض كبد السحاب
لا تحسبن,, كل براق جواد العطا
عبد الله بن عبد العزيز آل غزي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved