هل نحن بحاجة الى تنظيم جديد لتربية النشء الاسلامي في المهجر؟ وهل نحن بحاجة ايضا الى مواكبة التقنية الحديثة والتكيف مع ما باتت تتيحه من وسائط اتصالات متطورة وفي طليعتها شبكة الانترنيت للرد على تحديات التربية الاسلامية في الغرب؟
لا يمكن الرد بالدقة والسرعة الضروريتين عن هذين السؤالين الخطيرين ولكن فاعليات ملتقى بروكسل حول التربية في الاسلام ومجالاتها في الغرب تفتح دون شك المجال للتفكير في افضل السبل والوسائل لمواكبة حاجيات النشء الاسلامي في الغرب عامة والاستجابة لضروريات التربية الاسلامية لديه بصفة خاصة.
ونحن بحاجة الى اساليب ووسائط جديدة في الواقع ليس بهدف التجديد والتغيير ولكن لان الوسائط القديمة والسابقة لم تعد تلبي حاجيات العصر حيث ان الاساليب القديمة في التربية ركزت على مجالات تقليدية وتجاهلت النقلة النوعية الحاصلة في عالمي التقنية والاتصالات.
وبما ان الطفل او الطالب او المهاجر بصفة عامة والمقيم في ديار الغرب لا يمكنه تجاهل البيئية التي تحيط به والتي يعيش ضمنها وبينها فانه من البديهي اللجوء الى الوسائل المتوفرة في هذه البيئة لتمكين النشء المهاجر من التربية الضرورية وبالوسائل المتاحة والاكثر نفعا.
وتمثل التربية الاسلامية في الغرب تحديا رئيسا بالفعل ليس للمسلم المقيم في الغرب فحسب بل حتى للمجتمع الذي يقيم فيه باتت المجتمعات الغربية نفسها وبعد فترات وحقبات من التصدي المتعمد والمبيت لتربية النشء الاسلامي المهاجر تربية اسلامية تلح الان على ضرورة تمكين المسلمين من تربية دينية واخلاقية لائقة تعود بالنفع ليس فقط على المسلمين انفسهم ولكن على المجتمعات التي يعيشون فيها باعتبار ان التربية الاسلامية الصحيحة هي عامل مساعد على اندماج الافراد والمجموعات والطوائف واقامة وضمان السلم الاجتماعي ومنع الاستلاب الثقافي والتغرب الاجتماعي والذي يمثل السبب الاول في حالات الجنوح والانفصام الاخلاقي والنفسي والركون الى الجريمة ورفض اساليب السلوك التي يحددها القانون.
وتمثل المجتمعات الغربية اليوم في نفس الوقت سببا من اسباب الجنوح والاستلاب للشباب المسلم بقدر ما تحتوي على وسائط وسائل تقنية وعلمية ومعلوماتية يمكنها ان تخدم عامل التربية الاسلامية وتساعد في اقلمة المسلم مع المجتمع الذي يعيش فيه وفق قواعد سليمة واسس صحيحة واطر ثابتة وصحية.
وهنا يكمن الاهتمام المتصاعد بهذه الوسائط ومن بينها الوسائل الاعلامية المكتوبة والمسموعة والمختبرات العلمية والجمعيات الثقافية والحركات الخيرية والمنظمات غير الحقوقية وخلايا المجتمع المدني واليوم شبكة الانترنيت الزاحفة على البيوت والمدارس والمؤسسات والهيئات المختلفة.
وقد اتضح مؤخرا من دراسة اجريت في الولايات المتحدة ان الشرائح المستضعفة من السود الامريكان هي الاكثر ركونا للانترنيت من البيض وانها توظفها لتتبوأ مكانة اجتماعية افضل وتأمين فرص اندماج حقيقي في مجتمع امريكي صناعي متطور لا يرحم.
ولا يبدو هذا الاستنتاج لما تشهده اوروبا وما ستشهده في المستقبل بحكم سيرها على درب الوتيرة الامريكية في النمو المادي والتغيرات الفكرية وحتى الروحية، وحيث ان وسائل التحصيل العلمي والثقافي الحديث تتغير بتغير العصر وهو ما ينطبق على التربية الاسلامية في الغرب اسوة بالمواد والقطاعات الاخرى, ومن البديهي ان تحديث وسائط الاتصال سيزيد من رغبة التحصيل لدى الطفل والشاب والكهل على حد سواء وسيعطيه الانطباع انه غير منقطع عن البيئة التي يعيش فيها اولا وانه مرتبط ببيئته ومنشئه الاصلي بوسائل حديثة لا تقل عن حداثة المجتمع الغربي الذي يعيش فيه مما يقلل من حالات التساؤل العائدة الى شعور الاستلاب او الخشية من الانفصام وتعطي التربية الاسلامية في ثوبها المتكيف مع مستجدات العصر الدليل على ان التركيز في الاسلام يجري على العبادات وعلى مجمل ما يهم الانسان من تحصيل ومعرفة وسلوك اخلاقي وانه توجد دوما حلول مناسبة ومتماشية مع العصر والمكان والاقلاع من حالة الشك الى حالة الثقة المستديمة في النفس والصمود في مجتمع الغرب بالشكل الايجابي والمثمر وليس عبر الانزواء وتجاهل الواقع ورفض التخصص والتميز, ومن البديهي ان اقامة وتكييف عنصر تمكين المسلمين في الغرب من التربية الاسلامية الضرورية وبالطرق والوسائل الحديثة سيساهم في اظهار ان التربية والتعليم هما المحور الاساسي للتنمية والنهوض الحضاري وسيؤكد على ارتباط الابعاد الاعلامية والاجتماعية والتقنية بمادة التربية الاسلامية بوصفها العمود الفقري لتكوين شخصية الانسان.
بقلم الدكتور علي اوحيدة*
* صحفي بلجيكي