(مستويات الإبداع لا تنفصل بعضها عن بعض، ويتضح فيها التداخل، واعتقد ان الموروث يبقى قوياً وحاضراً في ذهن الكثيرين ومصدرا للابداع، ومن المؤكد ان محاولة الفصل التام بين القصيدة الفصيحة واللهجات العامية لا يمكن ان تكون مفيدة أبداً,,) رأي للدكتور سعد البازعي وأتصوره رأيا موضوعيا واقعيا، واطلاع الدكتور سعد على مستويات الابداع في لغة اخرى يزيد في علمية وموضوعية هذا الكلام، دون الجنوح في اتهام التجارب الشعبية بالسقوط والضدية والمناقضة للفصحى وآدابها، فالساحة تتسع للاثنين.
وهو أولا يؤكد ان مستويات الابداع متداخلة، فما يمر به الشاعر الفصيح اثناء التجربة الشعرية والشعورية واللاشعورية كذلك يتحقق عند الشاعر الشعبي، والاختلاف فقط في جانب الاعراب في الانجاز الاخير من الرحلة الابداعية، أما ما يسبق ذلك من عمليات فواحد في التجربتين.
وهو ثانيا في إيراده للتداخل بين المستويين يؤكد فكرة التناص التي اشرت إليها في مقال سابق، والتي ربما وصلت للسرقة التامة كما كان يفعل احد الشعراء الشعبيين باغارته على ابيات فصيحة واخضاعها لقوانين اللهجة، اعتمادا على جهل معاصريه بالادب والشعر الفصيح، ويكرس لهذا التداخل البيئتان الجغرافية والاجتماعية، وهما في الاعم الاغلب متقاربتان وربما متطابقتان برغم ما قد يدعيه اصحاب الاتجاه الفصيح من تميز وتفرد.
وعلى هذا فلابد ان يمتزج الاتجاهان موروثا واحداً ينتظمه سياق واحد وإن اختلف اسلوب التعبير، ونحن كما نجد من يتذوق الاتجاهين معا قد نجد من يبدع او ينظم على الطريقتين كذلك، هذا بالاضافة إلى ان المعايير والنُظم النقدية التي يمكن ان يمارسها القارئ الناقد متقاربة هي الاخرى رغم ما يطغى من مجاملات وانعدام في المنهجية في الساحة الشعبية الحالية تحديداً.
وأخيراً ورغم قناعتي بعدم جدوى الفصل التام بين التجارب الشعرية إلا انني اتحفظ على عبارة (,,, ومن المؤكد ,,,) إذ العصر الحديث والعلم السائد فيه قائم على النسبية دون اندفاع في ادعاء الحقائق المطلقة ومحاولة التقليل من قيمة الافكار المخالفة من خلال تلك المزاعم الفضفاضة.
أحمد المطرودي