Friday 17th September, 1999 G No. 9850جريدة الجزيرة الجمعة 7 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9850


بيوتكنولوجية اقتصادية خرافية

البيوتكنولوجية، كلمة ولدت منذ حوالي خمسة عشر عاما، بيد أنها اصبحت اليوم من الألفاظ الشائعة خاصة في أوساط العلم والتجريب.
انها أبعد ما تكون من فراغها من كل مضمون عاطفي انها تحمل مشاعر متنوعة تتراوح بين التعجب أمام الامكانات الهائلة التي فتح ابوابها الاستخدام غير المحدود تقريبا لما هو حي، والأمل في أن يتم التوصل قريبا الى تطبيقات اقتصادية خرافية.
انها تنطوي أيضا على مخاوف عديدة!! فالى أين تسير بنا البيوتكنولوجيات التي تسهم في كشف النقاب عن أسرار الحياة؟!.
ان أول الأمثلة التطبيقية التي تعتبر انعكاسا لهذه الآمال ولتلك المخاوف، والتي تقدم البيوتكنولوجيات وكأنها قبعة ساحر خرافية تخرج بقرات ضخمة بحجم الفيلة، وأطفالا حسب الطلب، ونباتات تتفتح وسط الصحراء، والانتصار الساحق في مكافحة بعض الأمراض الكبرى الايدز، والسرطان .
البيولوجيا علم الأحياء التي اصبحت في مصاف العلوم الكبرى مثل الفيزياء، تشكل القاسم المشترك لكل هذه الانتصارات العلمية.
ومن ثم، ستعرف البيوتكنولوجيات سريعا على أنها مجمل التقنيات والمعارف المرتبطة باستخدام ما هو حيّ في عمليات الانتاج المنبثقة من أوجه التقدم الحديثة التي حققتها البيولوجيا الجزئية.
ان تفتح البيوتكنولوجيات يحدث في سياق اقتصادي يشكو من أزمة عالمية باقية.
لذا، يرى العديد من المراقبين في هذه التكنولوجيات الجديدة وسيلة متميزة لتجدد بعض النشاط.
فكيف إذن، لا نتساءل عن العلاقات بين العلم والتقنية والاقتصاد والبيوتكنولوجيات؟!.
عادة ما تقدم نظريات مختلفة لتفسير نشأة البيوتكنولوجيات من وجهة نظر اقتصادية, ومن بينها ربما كان تناقص الموارد الطبيعية غير المتجددة الذي كشفت عنه أزمة النفط، أكثر ارتباطا بالوضع الاقتصادي.
يقول بيير جولي في كتاب البيوتكنولوجيات انه من اللازم تجاوز التفسيرات الجزئية باعادة ادراج التغير التقني في اطار نظريات الدورات الطويلة.
ان مقومات البيوتكنولوجيات تظهر عندئذ بكامل حجمها فهي إذ تهيىء الاحلال التدريجي لقوانين البيولوجيا محل المبادىء الفيزيائية الكيميائية التي تستند اليها الوسائل الصناعية التقليدية، تسهم في التحول الحالي للنظام الاقتصادي.
تبدو البيوتكنولوجيات باعتبارها وسيلة للتحرر من القيود المرتبطة بالموارد الطبيعية, او سوف تساعد الاستعمال المطرد للموارد المتجددة, وهكذا، فإن الكتلة الحيوية لن تحل محل النفط كمصدر للطاقة فحسب، وانما ايضا كمادة أولية لانتاج المواد الوسيطة الكبرى للكيمياء العضوية.
ومن ثم، تحل البيوتكنولوجيات والوسائل الانزيمية في الصناعة الكيميائية محل الأساليب الحفزية فتسهم في الاقتصاد في الطاقة.
كما أن البيوتكنولوجيات تستطيع ان تسهم في صيانة البيئة والحفاظ عليها، إذ من المنتظر تكوين سلالات مجهرية جديدة لاستخدامها في وسائل ازالة التلوث مثل: المد والجزر الأسود، معالجة القمامة المنزلية والمياه المستهلكة.
عليه، فالبيوتكنولوجيات تندرج في اطار تحول أساسي لمجمعاتنا، يصعب اليوم تصور آثاره ومقوماته.
ويمكن الاعتقاد بناء على ذلك بأن قوانين البيولوجيا ستحل تدريجيا محل المبادىء الفيزيائية الكيميائية التي هيمنت حتى الآن على الحياة الاقتصادية والفكرية والاجتماعية واحلال التفاعلات الأنزيمية محل أساليب الحفز ليشكل مثالا ملموسا ولو بشكل جزئي.
كما ان انتشار المفاهيم الحيوية في العلوم الاجتماعية ملموس جدا.
ودون الذهاب الى تطرف البيولوجيا الاجتاعية التي تقترح تنظيم المجتمع على أساس اعتبارات الهندسة الوراثية والقوانين الحيوية، نستطيع ان نلحظ نشأة تيار تحولي في الاقتصاد.
يقول شانتال ديكو في كتاب البيوتكنولوجيات ان البيوتكنولوجيات في مجملها تشكل طريقة جديدة لتصور وحل مشاكل محددة.
انها لن تشكل قطاعا جديدا، بيد أنها ستنشر في كافة الأنشطة الانتاجية القائمة.
وسوف تشكل البيوتكنولوجيات أداة ستدعم اتجاهات النظام الانتاجي الجديد، خاصة ازالة السمة المادية والانتقال التدريجي من صناعة المنتجات الى صناعة الوظيفة.
ان خصائص البيوتكنولوجيات ثلاث، لها أهمية أساسية بالنسبة للكيفية التي ستتطور بها الأنشطة الاقتصادية, فالبيوتكنولوجيات عرضية ومتراكبة ومتكاملة.
فالسمة العرضية للبيوتكنولوجيات في كون الهندسة الوراثية لن تتمكن من تحقيق ابتكار تجاري، إلا اذا تم اقرانها بتقنيات اضافية, وبسبب هذه السمة سوف تستطيع مؤسسة لها استثمار مهم في تقنية أساسية من ان تستهدف عدة قطاعات تطبيقية.
أما السمة التركيبة فتعنى ان الابتكار يستند الى تآلف تقنيات أولية، وبسب هذه السمة كثيرا ما تصادف مؤسسة صعوبات في السيطرة على كل التقنيات اللازمة.
ومن جهة ثالثة، غالبا ما تكون البيوتكنولوجيات مكملة للتكنولوجيات التقليدية.
ان القيمة الصناعية للبيوتكنولوجيات ستتوقف على الاستراتيجيات التي يأخذ بها العملاء الاقتصاديون المؤسسات والدول .
بيد ان المؤسسات الصغيرة هل ستكون أكثر ابتكارا من المؤسسات الكبيرة؟ وهل المنافسة مؤاتية للابتكارات؟.
ونظرا للسمات البناءة للبيوتكنولوجيات، هل تساعد على ظهور أشكال جديدة من التنظيم المنتج في ظل علاقات التقنية والتنظيم؟!.
ان براءة الاختراع هي عنصر سياسة صناعية وايضا تشكل في حد ذاتها مرحلة جديدة في تملك السلع ومن ثم في العلاقة الفلسفية والأخلاقية للانسان بهذه السلع.
ولهذا أهمية خاصة في حالة المنتجات والأساليب المتعلقة بمجال ما هو حي وبحالة البيوتكنولوجيات.
فمن وجهة النظر الاقتصادية، يمكن تلخيص تبرير نظام البراءات على النحو التالي: انه حل وسط بين الكفاءة الساكنة والحوافز الدينامية وعلى أقصى تقدير.
ومن ثم، تعتبر البراءة، في التحليلات الاقتصادية، إما كمخرج للبحث يستخدم لاجراء مقارنات بين بلدان أو مؤسسات، أو لتكوين ثروة في المؤسسة أو تشكيل اجمالي لرأسمال ثابت.
ومشكلة حماية البيوتكنولوجيات بواسطة البراءة اصبحت مؤخرا في محور المجالات على الساحة الدولية, ذلك لأن البيوتكنولوجيات تزدهر اليوم تلقائيا على النطاق الدولي.
فالبيوتكنولوجيات ترد ضمن تحول عالمي للنظام التقني بالاتصال الوثيق مع تطور العالم الاقتصادي، كماأنها بقدرتها الاشعاعية والإنمائية الهائلة تشكل عاملا صناعيا ضخما, كما أنها تدخل في نطاق العلاقات الاجتماعية وتثير مسائل ذات طابع أخلاقي وفلسفي.
إذن، كيف تترابط العلاقات بين البيوتكنولوجيات والأزمة الاقتصادية، وكيف تندمج في العالم التجاري؟ وأي دور ذلك الذي تلعبه حاليا ومستقبلا شركات التكنولوجيا في النسيج الاقتصادي؟.
وكيف ستدمج المجموعات الاقتصادية هذه التكنولوجيات في معظم استراتيجياتها؟!, ختاما أقول: في ظل ما سبق، فينبغي تحديد وضع تطوير البيوتكنولوجيات في لعبة التفاعلات المعقدة بين العلم والاقتصاد والتقنية والمجتمع سواء على مستوى العلماء والباحثين أو المؤسسات والدول!!.
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved