Friday 17th September, 1999 G No. 9850جريدة الجزيرة الجمعة 7 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9850


ضمن سلسلة فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 1 الرسالة تسلط الضوء على الفرق بين الدعوة إلى الله والاحتساب
الدعوة منهج والاحتساب وسيلة
الشيخ الخليف,, مدير عام فرع الجوف: الحكمة تعني معرفة الحق والعمل به وتقوم على العلم والحلم والأناة
الشيخ الزهراني,, مدير عام فرع نجران المكلف: يمتنع القيام بالأمر والنهي إذا ترتب على ذلك مفسدة أعظم من المنكر

* استطلاع: بكر بن علي البكر
لاشك ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة بها تتحقق خيرية الامة,, ويعم الأمن والاستقرار في المجتمع,, ولأهميته في الاسلام عده بعض العلماء الركن السادس من اركان الاسلام.
لذلك على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ان يدعو الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة,, وتكون المجادلة بالتي هي احسن,, ويمتنع عن القيام به اذا ترتب على انكاره مفسدة اعظم من المنكر المراد انكاره,ولاهمية هذه الشعيرة ارتأينا ان نلقي الضوء على بعض من جوانبها,, حيث يقوم المشايخ بعرض تصوراتهم الى هذه الجوانب منها طرق الدعوة اليها والفروق بين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى الله والاحتساب.
الدعوة بالحكمة
في البداية يرى فضيلة الشيخ صالح بن عبدالله الخليف مدير عام فرع الرئاسة العامة بمنطقة الجوف ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد ان يكون بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال جل وعلا: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن اي ليكن دعاؤك للخلق بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كما امر الله جل وعلا موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما الى فرعون في قوله: فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى , ومن الحكمة كذلك مراعاة الاحوال في المدعوين كل على حسب حاله وفهمه وقبوله وانقياده، ومن الحكمة كذلك الدعوة بالعلم لا بالجهل، وبالاقرب الى الاذهان والفهم، والبدء بالاهم فالاهم.
الحكمة وضع الشيء في موضعه
ثم يقول فضيلته معرفاً الحكمة بانها تعني معرفة الحق والعمل به وتقوم على العلم والحلم والأناة، ولايقصد بالحكمة الكلام اللين او العفو او الحلم فقط، بل هي اتقان الامور واحكامها وانزالها منازلها، فيوضع القول الحكيم في موضعه والموعظة الحسنة في موضعها والمجادلة بالتي هي احسن في موضعها ومجادلة الظالم المعاند في موضعها والشدة والغلظة في موضعها، قال تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين فقد امر الله رسوله ان يخبر الناس ان هذه سنته وطريقته ومن اتبعه وهي الدعوة الى الله على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي، والتدرج في الامر والنهي لا شك انه من الحكمة لانه يحقق المراد من الامر والنهي في الاحسان الى عباد الله وهدايتهم وصلاحهم وتلافي الإساءة اليهم او ايذائهم واختلافهم فيعرف صاحب المنكر بمنكره بلطف ولين،ويوعظ من يحتاج الى وعظ وارشاد بشفقة وتذكير بالله واليوم الآخر من غير تعال وترفع على صاحب المنكر، فإن لم يجد ذلك انتقل معه الى القوة والشدة ثم ان عجز المسلم عن الانكار بكل ما سبق فعليه الانكار بقلبه ومقاطعة اهل المنكر واجتناب مجالستهم إذا يئس من الاصلاح.
ثم يحمد الشيخ الخليف الله ويشكره على نعمة قيام هذه الشعيرة في بلادنا وعلى ماتوليه القيادة المباركة من عناية كبيرة بجهاز الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث كلفوا بقيادته رجالاً وعلماء مخلصين يحرصون اشد الحرص على قيام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق المنهج الشرعي, نسأل الله جل وعلا ان يوفق العاملين بهذ الجهاز الى تحقيق رسالته المطلوبة لاسقاط الحرج والإثم عن انفسهم وعن مجتمعهم، وان يوفق ولاة امرنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا.
الفرق بين الدعوة والاحتساب
وحول الفرق بين الامر والنهي والاحتساب والدعوة يقول الشيخ محمد بن مرضي الشهراني مدير التوعية والتوجيه بهيئة خميس مشيط: وجب على كل مسلم ان يعرف الفرق بين الاوامر والنواهي والاحتساب والدعوة حتى يكون المسلم على علم بالحلال والحرام والمباح والمكروه وتقديم المصالح ودرء المفاسد التي هي من ادق امور الشريعة وقد تعرض اهل اللغة واهل الاصول وغيرهم من الباحثين الى الكلام والاطالة حول الفروق وتوسعوا في ذلك حتى تكلموا في دقائق امورها.
ويتوقف الشيخ الشهراني بوقفات حول الفروق بين الامر والنهي والدعوة الى الله والاحتساب.
الوقفة الأولى: الأمر
تعريفه: للأمر صيغة مبينة له في اللغة تدل بمجرده، كونه امراً اذا تعرت عن القرائن وهي قول القائل لمن دونه افعل كذا وكذا , وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: وامر الله ورسوله اذا اطلق كان مقتضاه الوجوب، والدليل على ذلك قوله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم والفتنة والعذاب الأليم لا يحصلان إلا على ترك واجب.
الوقفة الثانية: النهي
تعريفه: للنهي صيغة مبينة تدل بمجردها عليه وهو قول القائل لمن دونه: لاتفعل كالأمر سواء , مثاله مانهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه, فمنه اشياء حرام مثل نهيه أن تنكح المرأة على عمتها وعلى خالتها رواه البخاري, ونهى عن جلود السباع ان تفترش فهذا حرام, والامر يقتضي الوجوب والنهي يقتضي التحريم وإذا علم هذا عرف الفرق بين الامر والنهي.
الوقفة الثالثة: الدعوة
والقصد بالدعوة: الدعوة الى الله تعالى, قال تعالى : قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني والمقصود بالدعوة الدعوة الى دينه وهو الاسلام إن الدين عند الله الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه وتعالى، فالاسلام هو موضوع الدعوة وحقيقتها، وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الاسلام العظيم احسن تبليغ واكمله وظل يدعو الى الله منذ أن اكرمه الله بالرسالة الى حين انتقاله الى جوار ربه الكريم.
ويشير الشيخ الشهراني في هذا الصدد الى ان للدعوة اصولاً اربعة وهي:
الاصل الاول: الاسلام وهو الذي ورد تعريفه في حديث جبريل.
الاصل الثاني: الداعي وهو محمد صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه في الدعوة الى الله تعالى.
الاصل الثالث: المدعو الى الاسلام وهم الذين دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم للاسلام.
الاصل الرابع: الوسائل والاساليب والمناهج التي اوحى الله الى نبيه, الثابتة بالقرآن والسنة.
الوقفة الرابعة: الاحتساب:
ومعنى الاحتساب يراد به القيام بالحسبة, كأن يأمر المحتسب بفعل معين بكيفية معينة او يزيل منكراًمعيناً، كأن يكسره او يمزقه او يتلفه, ويتم الاحتساب الكامل بازالة المنكر تماماً ومحوه فعلاً ولو بالقوة مشيراً الى ان مراتب الاحتساب ثلاث كما في الحديث الشريف:
عن ابي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم.
المرتبة الأولى: تغيير المنكر باليد فعلاً ولو بالقوة والاستعانة بالاعوان كما يدفع الصائل لتخليص النفس البريئة من الموت وتخليص العرض المصون من الهتك ويدخل في نطاق التغيير باليد ضرب المحتسب عليه او حبسه او دفعه لمنعه عن مباشرة المنكر.
المرتبة الثانية: الاحتساب بالقول وهو أنواع:
- تعريف المحتسب بالحكم لفعله او تركه.
- الوعظ والنصح والارشاد والتخويف من الله تعالى.
- التقريع والتعنيف بالقول الغليظ مع عدم جواز استخدام الالفاظ الممنوعة شرعاً.
المرتبة الثالثة: الاحتساب بالقلب وهذا اذا عجز عن المرتبتين السابقتين فهذه المرتبة لا يجوز ان يخلو منها أي مسلم يسمع بمنكر او يراه، اذ لا ضرر فيه، ثم يتبع ذلك الاحتساب القولي والفعلي, ثم يعرج الشيخ الشهراني الى الفروق بين الدعوة والاحتساب ويجملها في النقاط التالية:
اولاً: ان الاحتساب لا بد فيه من توافر القدرة وهي مدى سلطان صاحب الانكار على مقترف المنكر حسب درجات انكار المنكر, والدعوة لا يستخدم فيها السلطان كما في الاحتساب.
ثانياً: الدعوة والوعظ تكون خطوة في الاحتساب كما في الدرجة الثانية من درجات انكار المنكر.
ثالثاً: يجوز في الاحتساب التعنيف بالقول الغليظ الخشن من غير فحشٍ او كذب لمن له سلطة كالأب مع ابنائه, بخلاف الدعوة فلايجوز ذلك.
رابعاً: من خطوات الاحتساب التهديد والتخويف من صاحب السلطة، كقوله: دع عنك هذا وإلا فعلت بك كذا وكذا, والدعوة لايجوز فيها التهديد ولا التخويف، بل الواجب التلطف والدعوة بالقول الحسن.
خامساً: والاحتساب هو الامر بكل مايحسن في الشرع، قال القارىء:
ثم العلماء انما ينكرون ما اجمع على انكاره الائمة، واما المختلف فيه فلا انكار فيه لانه على احد المذاهب وكل مجتهد مصيب, والدعوة هي الرسالة والتعاليم والنظم والقوانين واسلوب الحياة التي نزلت من عند الله تعالى بالوحي على محمد صلى الله عليه وسلم.
والدعوة تبلغ كافة باللفظ والقول، او بالكتابة والقراءة، او بهما معاً، ومع ذكر هذه الفوارق فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة عظيمة من وسائل الدعوة الى الله تعالى تأمر الناس وترشدهم الى مايجب عمله، او يحسن فعله، وتنهاهم عن ماينبغي للمسلم ان يبتعد عنه او يجتنبه من قول او عمل.
متى ينكر المنكر
الى ذلك يتطرق الشيخ سعيد ين يحيى الزهراني مدير عام فرع الرئاسة العامة بمنطقة نجران المكلف الى الامتناع عن قيام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اذا ترتب عليه مفسدة اعظم من المنكر المراد انكاره, ففي هذه الحالة يجب على المحتسب ان يمتنع عن هذا الانكار، يقول ابن تيمية - رحمه الله- في ذلك ان كان الذي يفوت من المصالح او يحصل من المفاسد اكثر لم يكن مأموراً به بل يكون محرماً اذا كانت مفسدته اكثر , وعلى ذلك لايكون هم الآمر والناهي ازالة المنكر فقط فعليه ان ينظر ماذا يحدث بعد ذلك فقد يحصل من المفاسد اكثر من زوال ذلك المنكر, ويستدل الشيخ الزهراني كذلك في هذا الصدد بما ورد عن ابن القيم رحمه الله, فانكار المنكر له اربع درجات:
- ان يزول ويخلفه ضده
- ان يقل وان لم يزل بجملته.
- ان يخلفه ماهو مثله
- ان يخلفه ماهو شر منه.
فالدرجتان الاوليان مشروعتان والثالثة موضع اجتهادي والرابعة محرمة.
ولذلك عندما مر ابن تيمية مع تلاميذه على قوم من التتار يشربون الخمر فأراد بعض تلاميذه الانكار عليهم فمنعهم من ذلك مبيناً انه لو انكر عليهم لتفرغوا في إيذا المسلمين ولكن بقاءهم على هذه الحالة يكفي المسلمين من شرهم.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved