الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
روى البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: حق المسلم على المسلم خمس، رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس .
وفي رواية لمسلم: حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، واذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، واذا عطس فحمد الله فشمته، واذا مرض فعده، واذا مات فاتبعه .
وروى البخاري ومسلم ايضا من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بسبع، أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، واجابة الداعي، وإفشاء السلام.
ففي هذه الأحاديث ثمانية حقوق للمسلم على أخيه المسلم، ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم- وبينها لتكون بين المسلمين وسيلة ارتباط ودعامة صلة وطريق ألفة ومودة، وهي كالتالي:
أولا: رد السلام قال-صلى الله عليه وسلم-:واذا لقيته فسلم عليه فالسلام ردا وابتداء حق من حقوق المسلم على أخيه، ولما سُئل الرسول - صلى الله عليه وسلم- أي الإسلام خير؟ قال - صلى الله عليه وسلم-:تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف .
وإفشاء السلام سبب للمحبة بين المسلمين التي لا ينال أحدهم الايمان إلا بها, ففي الحديث يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-:لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا، حتى تحابوا, الا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم .
وللسلام فضل عظيم، فقد روى أبوداود والترمذي من حديث عمران -رضي الله عنه- قال: جاء رجل الى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- :عشر ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله, فرد عليه فجلس فقال: عشرون ثم جاء آخر, فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, فرد عليه فجلس فقال: ثلاثون , أي للأول عشر حسنات، والثاني عشرون حسنة، وللثالث ثلاثون حسنة.
وللسلام آداب بينها النبي صلى الله عليه وسلم، منها ان الراكب يسلم على الماشي، والماشي يسلم على القائم، والقليل يسلم على الكثير، والصغير يسلم على الكبير.
ثانيا: عيادته إذا مرض، قال- صلى الله عليه وسلم- :وإذا مرض فعده ؛ لأن المسلم إذا مرض وقعد في بيته أو في مستشفى فإنه يحتاج الى من يواسيه، والى من يسأل عن حاله، والى من يسليه، والى من يدعو له بالشفاء, ففي الحديث الذي رواه أبوداود والترمذي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:من عاد مريضا لم يحضره أجله- فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض والحديث صحيح على شرط البخاري.
وقد حث الاسلام على عيادة المريض، ففي صحيح مسلم من حديث ثوبان - رضي الله عنه- ان النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:ان المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع , وفي الترمذي بسند حسن من حديث علي -رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول:ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وان عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة .
ثالثا: اتباع جنازته بعد موته، فإن ذلك حق من حقوق المسلم على أخيه، وله على ذلك الأجر العظيم من الله عزوجل, ففي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان يا رسول الله؟ قال: مثل الجبلين العظيمين , وفي رواية: كل قيراط مثل أحد .
ولما بلغ هذا الحديث الصحابي الجليل، عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة, ثم صار بعد ذلك لا يرى جنازة إلا تبعها -رضي الله عنه-.
رابعا: إجابة دعوته، فمن حق أخيك عليك ان تستجيب لدعوته إذا دعاك اللهم- إلا إذا كان يترتب على الاستجابة إثم - وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم- أهمية الاستجابة للدعوة في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه - صلى الله عليه وسلم- قال:لو دعيت الى كراع أو ذراع لأجبت، ولو أهدي الى ذراع أو كراع لقبلت .
خامسا: تشميته إذا عطس وحمد الله، بأن تقول له يرحمك الله، ففي الحديث الذي رواه مسلم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- :إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، واذا لم يحمد الله فلا تشمتوه .
سادسا: النصيحة له، وحب الخير، فإن ذلك حق من حقوقه، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- :إذا استنصحك فانصحه ويقول ايضا : الدين النصيحة , وحقه في النصيحة يتأكد عند الاستشارة، فإذا استشارك أخوك لأمر ما فاجتهد بالنصح له, ولأهمية النصيحة كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- يبايعونه عليها، يقول جرير بن عبدالله رضي الله عنه: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم.
سابعا: إبرار قسم أخيك، فإذا أقسم عليك أخوك بره وأطعه بما أقسم عليك من أجله مالم يكن في طاعته إثم أو أمر محرم.
ثامنا: نصرة أخيك المظلوم، ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه- ان النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل: يا رسول الله: أنصره إذا كان مظلوما, أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره .
هذه حقوق المسلم على أخيه، ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث السابقة، وقد ذكر بعضهم أكثر من خمسة وعشرين حقا للمسلم على اخوانه فقال: للمسلم على المسلم: ان يستر عورته، ويغفر زلته، ويرحم عبرته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافىء صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويشمت عطسته، ويرد ضالته، ويواليه ولا يعاديه، ولينصره على ظالمه، ويكفه عن ظلمه غيره، ولا يسلمه، ولا يخذله، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.
نسأل الله ان يوفقنا للقيام بحقوق إخواننا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
*إمام وخطيب جامع موقق الثاني في حي المرامشة- بمدينة موقق