لا أعرف لماذا الناس في جميع أقاليم العالم لا تحترم في أحاديثها اليومية أو نصائحها شبه الدورية كلمة الفشل والأكثر من هذا لا تريد من أطفالها الاقتراب من رائحة الفشل او لمس حتى أطراف قميصه المزيّن بالفراغات المفتوحة على نداءات الهواء.
الجميع بدون استثناء يكرهون تصفح أوراق قواميس الفشل ويعتبرونه العدو الرئيسي لأغلب مشاكل العالم وعلى من يملك شيئا من رجاحة العقل او قليلا من الرغبة في تخطي ما هو عليه أن يقوم بتدمير هذا الفشل وأبعاد بقاياه من الأرض عن عيون البشر.
حقيقة لا أعرف سر هذه العداوة التاريخية غير المقنعة ضد الكلمة المسكينة التي لا تطلب شيئا غير ان تترك في حالها لتمارس آلية آمالها الفاعلة.
الفشل كما تعرفت عليه جيدا، في تجوالي المستمر من محطات الولادة الى محطات الموت، رأيت فيه خصالاً لم أجدها في النجاح الذي عنه يتكلمون واليه يخضعون وله يقدمون الهدايا والولائم.
اللعب في ساحة النجاح، في كل النشاطات الإنسانية، دائما ما يقود الى نهاية اللعبة حيث يشعر اللاعب انه وصل الى القمة التي يحلم وبالتالي ليس هناك قمة اخرى يسعى للوصول اليها.
اللعب في ساحة الفشل يدعو اللاعب الى التأمل في الأخطاء التي وقع فيها هذا او ذاك من اللاعبين وبالتالي العودة الى أبجديات الفشل والأسس التي تكون منها وكيفية تجاوزها للدخول في مرحلة النجاح.
الفشل في الدراسة على سبيل المثال هو الذي قاد الصبي الغبي اديسون كما كان يراه بعض مدرسيه الى كراهية المدرسة والاعتماد على تدريس أمه في البيت وجلوسه الطويل في مختبره الصغير والتفكير في اختراع المصباح الكهربائي الذي اضاء ليل الكرة الأرضية.
فشل الشاعر الإسباني الكبير جارثيا لوركا في مادة اللغة الأسبانية وهي لغته الأم ادى به الى الغوص في لغة الإنسان الأسباني الدارجة والمحكية والتي يعرف نبضاتها وحرارتها ليتحول في يوم ما الى أحد الشعراء القلائل الذين ساهموا في إغناء وإثراء اللغة الاسبانية.
فشل الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر في مادة الفلسفة هو البروتين المحفز للطاقة الكامنة في خلايا هذا الإنسان ليكون احد كبار الفلسفة الوجودية في عالمنا المعاصر.
إذن الناجح الحقيقي كما اتصوره ليس ذاك الذي وصل للقمة فقط إنما ذاك الذي وهو في القمة يشعر بالفشل وبالتالي يدفعه هذا الشعور الطاغي الى البحث عن مزيد من القمم او التعرف على طرق جديدة تعطيه إمكانية المحافظة على القمة التي وصل اليها.
علي الشرقاوي