Friday 17th September, 1999 G No. 9850جريدة الجزيرة الجمعة 7 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9850


شخصيات قلقة
سافو,.
أول شاعرة في تاريخ الأدب الإنساني

سافو (610 - 560 ق, م) أول شاعرة عرفها التاريخ الإنساني، لم يعرف الأدب العالمي شاعرة أخرى قبلها ولم تلحق بها شاعرة إلا بعد وفاتها بمئات السنين لتظل سافو أول رائدة وألمع اسم في تاريخ الأدب النسائي حتى الآن وسافو شاعرة يونانية عاشت منذ ألفين وخمسمائة عام على وجه التقريب أما مكان ميلادها فهو جزيرة لسبوس اليونانية، وكانت سافو في عصرها والعصور التالية لها أشهر امرأة في اليونان كلها وكانت أشعارها وأغانيها تدور على كل الألسنة وكان سقراط أعظم فلاسفة العالم القديم يسميها سافو الجميلة.
نضجت سافو في سن مبكرة وأصبحت معروفة بقدرتها الفنية العالية قبل أن تبلغ العشرين، من عمرها وكان لها نشاط سياسي مؤثر أدى لتعرضها للنفي من مدينتها لسبوس مرتين، كانت الأولى وهي في سن التاسعة عشرة وكانت الثانية وهي في سن الحادية والعشرين، فكان حكام مدينتها يخافون من تأثيرها على الرأي العام، والتفاف الناس حولها، وجرأتها الدائمة في إعلان أفكارها السياسية، ومعارضتها لكل ما ترى فيه شراً وخطراً على أهلها وشعبها.
وهكذا لم يمنعها اهتمامها بعاطفة الحب، وما يدور حولها من مشاعر وأحاسيس من أن تكون صاحبة رأي، وأن تشارك في الحياة العامة مشاركة جدية وإيجابية وبذلك ضربت سافو مثلا تاريخيا مبكرا للفنان الذي يرفض أن يسجن نفسه في مشاعره الخاصة وعواطفه الذاتية, وأن يعيش في عزلة عما يدور حوله من أحداث، وما يعانيه الناس من هموم ومشاكل.
وقد عادت سافو من منفاها بعد خمس سنوات، وذلك بعد أن أصبح اسمها على كل لسان في مدينتها لسبوس، وبعد عودتها أصبحت من القوة بحيث لم يعد أحد قادرا على أن يمسها بسوء أو ينفيها مرة أخرى فقد تحولت إلى شخصية بارزة في المدينة، وأصبحت زعيمة للفن والذوق والتأثير الوجداني على الجميع، وقد تزوجت من تاجر ثري في مدينتها اسمه (أندروس)، وأنجبت منه ابنتها الوحيدة كلايس ، وكانت تقول عنها إنها تشبه الزهرة الذهبية وانها لا يمكن أن تفرط فيها ولو أعطيت بدلاً منها تاج مدينتها الغالية.
وقد توفي زوجها بعد سنوات قليلة من الزواج، وورثت عنه ثروة ضخمة أتاحت لها أن تقضي بقية حياتها في رخاء كبير.
وقامت سافو بعد ذلك بفتح أول مدرسة معروفة في التاريخ لتعليم الفتيات فنون الشعر والموسيقى والسلوك المهذب، وكانت سافو في هذه المدرسة هي الأستاذة الأولى والوحيدة، ذلك لأنها لم تكن فقط شاعرة، بل كانت ذات موهبة موسيقية كبيرة، وكانت صاحبة صوت جميل وعذب، ولذلك كانت تكتب قصائدها وتلحنها وتغنيها، ومن المعروف أنها أضافت وزناً جديداً إلى الأوزان الشعرية التي كانت شائعة في عصرها، وقد أصبح معروفاً حتى الآن باسمها وهو الوزن السافوني في الشعر اليوناني.
وكانت علاقة سافو بتلميذات مدرستها علاقة حميمة مليئة بالعاطفة الإنسانية، لكنها للأسف كانت منطلقا لإشاعات الخبثاء بأنها كانت علاقة يشوبها بعض الريبة.
وكذا امتلأ شعر سافو بالعاطفة الحارة، ومن شعرها الذي صنع لها هذه المكانة الكبيرة,, جاءت أيضا المزيد من الشائعات المريبة، فبسبب هذه اللغة العاطفية الحارة في قصائد سافو التي تحدثت فيها عن علاقتها بتلميذاتها نشأت تلك الشائعات عن الشاعرة، لكنّ الباحثين المعتدلين المحايدين يرون رأياً آخر، فقد كانت الشاعرة حقا محبة لتلميذاتها وفية لهن تأخذ عملها في تدريبهن على الغناء والموسيقى والشعر والرقص مأخذ الجد وكانت أشعارها العاطفية حول تلميذاتها صادقة في التعبير عن العواطف الطبيعية والتي تنشأ عن عمق الألفة والتفاهم والمشاركة في الاحساس بجمال الطبيعة وجمال المشاعر الإنسانية المختلفة، وكان هذا مصدر النغمة العاطفية العالية في قصائدها.
فقد كانت شاعرة تهتز نفسها دائما للحب والجمال, وكان شعرها كله يدور حول هذا المحور الخالد، ومن هنا استطاع هذا الشعر أن يحفظ اسم الشاعرة على مر الزمان، رغم أن الكثير من هذا الشعر قد ضاع ولم يبق منه إلا القليل، ومع ذلك فهذا القليل قد جعل منها أول وأعظم شاعرة عاطفية في تاريخ الأدب العالمي.
والمعروف أن ما بقي من شعرها لا يزيد عن ستمائة بيت، وهذا القليل الباقي من شعرها تعرض لحروب متصلة ودائمة، فقد بلغ من قوة أعدائها والذين أساءوا فهمها أن الكنيسة أمرت سنة 1073م بإحراق أشعارها جميعا, ورغم هذا الحريق فقد احتفظ الناس في وجدانهم بما بقي من هذا الشعر وحرصوا عليه أشد الحرص.
رغم ذلك شاءت الأقدار أن تبقى هذه الأشعار بطريقة أخرى,, عندما اكتشف الباحثون عن الآثار في مصر عددا من قصائد (سافو) في التوابيت وأصبحت هذه القصائد جزءاً من تراثها المعروف الآن.
وقد قيل إن (سافو) ماتت منتحرة بسبب أزمة عاطفية تعرضت لها, وقصة هذا الانتحار غير ثابتة، رغم ترددها على أقلام الكثيرين من الكتّاب والمؤرخين، ويدفعنا إلى عدم تصديقها ما كانت تتصف به (سافو) من واقعية فيما وصل إلينا من كتاباتها, فقد رفضت الزواج من رجل أحبها وطلب يدها، وقالت له في تبرير رفضها إن العمر قد تقدم بها وقد خط الزمن على جسدي خطوطاً كثيرة، ولم يعد الحب يسرع إلي بما يحمله من هدايا ، وطلبت (سافو) بعد ذلك من الرجل الذي تقدم إليها أن يختار له زوجة أكثر شباباً وأصغر سناً .
هذه الواقعية في التصرف والسلوك والتفكير تدل على أن (سافو) لم تكن من النوع (الانتحاري) بل كانت - على حرارة عواطفها - صاحبة نفس طيبة راضية بما تأتي الأيام به وبقيت هكذا حتى رحلت.
ترنيمة ياسين

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved