Saturday 18th September, 1999 G No. 9851جريدة الجزيرة السبت 8 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9851


عادت غيمة العطر
فيروز,, امرأة تقف على مرافىء الحب

عادت فيروز، عادت غيمة العطر، عادت جارة القمر وسيدة الحب، عادت لتمتلك زمام الفن من جديد وتروي القلوب الظامئة بفنها الندي، عادت لتسكن القلوب وتبلل الأحداق بدموع اللقاء المنتظر، عادت لتمتشق الفن ولتصنع الابداع، عادت لتصلح ما أفسده البعض وما بعثرته الأيام.
عادت فيروز بالأعمال الجديدة فقط، لأن فيروز اصلا لم تفارقنا في يوم من الأيام، رومنسيتها تملأ جميع الأماكن، ارتبط صوتها بالصبح والفال الطيب ، صوتها معلق بالمذياع يخالط نسمات الصباح العليلة بينما نرتشف نحن قهوة الصباح، نملأ رئتينا بالهواء النقي ونشنف اسماعنا بصوتها الساحر, ولعل الكتابة عن فيروز ليس بالأمر السهل فهو موضوع في قمة الخطورة وفكرة للتهور القاتل.
ماذا نقول عن فيروز أو ماذا باستطاعتنا ان نقول، أنحكي عن رسائل الحب الطاهر؟! أم ذكريات وآلام الحروب ونوازع الشر؟! لعلنا سوف نذكرها لنرتق ذلك الواقع المخزي ونخفف بصوتها سواحل الدماء الأبية، وقبل فترة طرحت فيروز آخر ابداعاتها الرائعة والجميلة والمذهلة.
ومجموعة مش كاين هيك تكون ، ساهم في صنع ابداعاتها رفاق الرحلة الجميلة ومنهم زياد الرحباني نجلها الموسيقار الرائع والملحن الكبير محمد محسن والقصائد الشهيرة لمجنون ليلى قيس بن الملوح بالاضافة الى أهازيج صنعها زياد الرحباني لتتناسب مع امكانيات فيروز ومنها:
سلملي عليه,, وقله إني بسلم عليه
بوسلي عينيه,, وقله اني بوس عينيه.
,, إنته ياللي بتفهم عليه,, سلم
أجمل ما في فيروز انها تتحدث بلغة القلوب، تغني ليفهمها جميع الناس، تغني لتفتح الجراح وتطهرها من عفن الحقيقة المر، يقولون أنها لا تضحك إلا نادرا، وتكتفي بابتسامة عذبة ترسلها مع تصفيق المعجبين لها في كل الاتجاهات، تقول فيروز: وقوفي قدام جمهوري بيسعدني، أكثر ما هما بيتصوروا، بغنيلهم بقلبي وعقلي وما بفرق وأنا على المسرح بين حدا من الاثنين ، وعندما تستمع الى كلمة اطراء من أي معجب تنكسر حياء وخجلا، يقال انها حريصة دائما على ان تهتم بترتيب بيتها بنفسها من طهو الطعام الى غسيل الأطباق ومن أجرة الكهرباء حتى صنع فطيرة التفاح، لا تحب الصخب ولا الضوضاء وهذا ما يتجلى في أعمالها العظيمة، تكره الفوضى وتمقتها، الأمر الطريف في حياة فيروز أنها تحب مشاهدة أفلام العنف والمطاردات، غنت لويلات الحروب لتشغل وقت فراغها بابداع أكثر، غنت لتراب الجنون وأيام الحرب، تقول فيروز: كل قنبلة كانت تسقط عى جنوب لبنان تسقط على مراتع طفولتي وايمانا منها بضرورة الوحدة العربية غنت لكل الأقطار العربية، ولمكة وللقدس الجريح، تقول في احدى اغنياتها عن القدس:
مريت بالشوارع,, شوارع القدس العتيقة.
خلي الغنية تطير,, عواصف وهدير
يا صوتي ظلك طاير,, زوبع بها الضماير
خبرهن عاللي صاير,, بلكي بيوعا الضمير.
شملت اغانيها كل ما هو موجود على هذه الأرض، وعندما اغتالتها الصحافة في إحدى المرات لم ترد على ما يقال واكتفت بصمت قاتل اطاح بجميع من هاجموها,, ويقولون ان الصحافة المصرية قارنتها ذات مرة بصوت الراحلة أم كلثوم فهاج الشارع المصري، ترى ما هو رأي ذلك الشارع في هذا الوقت.
هاهي فيروز تعود الآن، تعود بعد خمسة اعوام من الجهد المتواصل لترسم الابتسامة على محيا الفن ولنقول لها:
نورتنا يا خير زائرة,, أما خشيتي من الحراس في الطرق.
وعن هذه الأعمال يقول الموسيقار محمد محسن: لقد قمت بتلحين الأعمال منذ أكثر من خمسة عشر عاما وظلت في ادراج السيدة فيروز حتى هذه اللحظة,, الأمر الذي جعل الموسيقار محمد يبكي عند سماعه لهذه الألحان في ألبومها الجديد، ويقول أيضا لقد تعاونت مع السيدة فيروز في عمل قديم عمره أكثر من خمسة وعشرين عاما ألا وهو سيد الهوى قمري:
سيد الهوى قمري,, مورق الوجد طري
,, سيد الهوى قمري,.
وعن هذا التعاون يقول الموسيقار المحسني، عندما التقيت بالفنان الراحل عاصي الرحباني زوج السيدة فيروز قال لي ألا توجد لديك أمان تود تحقيقها فقلت له كيف؟ فقال لي ألا توجد لديك أمنية؟ فقلت له الأماني كثيرة واعتقد أنها صعبة المنال، فأخرج لي من أدراج مكتبه قصيدة سيد الهوى قمري وقمت بتلحينها على لون مختلف عما تقدمه فيروز، ولم يكتب لهذا العمل الانتشار لأنه سجل بنظام الاسطوانات وعندما بدأت الاذاعات العربية ببث هذه الأغنية حققت نجاحا منقطع النظير وأنا بهذا الصدد ممتن للموسيقار الراحل عاصي الرحباني، حتى أنني قمت بوضع صوته عند القائه لقصيدة جاءت معذبتي قبل الأغنية وأظن ان المستمع الجيد لفيروز سوف يعرف من هوملقى هذه القصيدة, أما عن أعمال زياد الرحباني في هذا الألبوم فله من الرصيد خمسة أعمال احدها سيمفونية جديدة له اسمها القمح ولم تستطع فيروز ان تعبر عن القمح في هذه الأغنية فاكتفت بالهمهمة العذبة التي صاحبت العمل.
الأمر الرائع في هذا الصدد ايضا انه يحوي الوانا مختلفة تتناسب مع أذواق المستمعين أيا كانت اعمارهم تماما وكمنزل فخم تتجول به سيدة، تدخل في غرفة لها طراز معماري قديم وبه أشخاص يحفظون الشعر العربي الفصيح ويتذاكرونه فيما بينهم، وتلج الى غرفة اخرى لتجد شبابا صغارا يلصقون على جدار الغرفة صورا لنجوم الروك ويتراقصون على أنغام الموسيقى الغربية.
كان غير شكل الزيتون,, كان غير شكل الصابون
وحتى إنته يا حبيبي,, مش كاين هيك تكون
كان غير شكل الليمون,, كان غير شكل الينسون
وكاين انته يا حبيبي,, مش كاين هيك تكون
يضيعانون راحوا,, شو ما صار لكن راحوا
مش سامع غنية راحوا
كان اوسع هالصالون,, كان اشرح هالبلكون
وطبعا انته يا حبيبي,, حبك كان قد الكون
كل شي تغير في نظر فيروز، الزيتون الليمون الينسون وحتى الصابون الشيء الذي لم يتغير في نظرها هو مقدار الحب للحبيب، ما أسعده بها وما أسعدنا بصوت فيروز، هذا الصوت الذي باستطاعته ان يبدد أحزان الأرض
أحمد الله أنني ما زلت أعيش في زمن ما زالت فيه فيروز تتنفس نفس الهواء,, فيروز امرأة تقف على مرافىء الحب.
حسن النجمي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved