والكتابة عن الشيب سواء كانت نثرا أم شعرا لا تأتي بالوصف الواقعي لحقيقة تأثير الشيب إلا أن تكون بقلم متقاعد قد ضرب في عمق السنين، بصحبة غراب ثم عاد بصحبة قرنوق ابيض مهيص الجناح.
والشيب في الاسلام يعطي صاحبه وقارا يؤهله بين ذويه وأهله مكانة تقديرية لا يستهان بها.
أما الذي يكتب عن الشيب وهو لم يشخ بعد فإنه مهما تحذلق في الكتابة وأرخى العنان لقلمه فانه لا يترجم الأثر الحقيقي للشيب.
قيل ان أحد الشيوخ المسنين الذين تقوست ظهورهم وانحنت من الكبر كان سائرا في الطريق فأراد أحد الشبان ان يداعبه فقال له: بكم تبيع هذا القوس واشار الى ظهره فقال له الشيخ: غدا أو بعد غد يأتيك القوس بلا ثمن,, فراحت هذه العبارة مثلا.
ورأى أحد الشباب شيخا يدب دبيبا من الكبر فقال له مداعبا: ان الذي فتل قيدك قد مهر في فتله وزاد في تقصيره, فرد عليه الشيخ: لا تقل هذا فهو نفسه يتجهز الآن لفتل قيدك.
حكاية: قيل ان شابا وشيخا ذهبا معا الى الجزار ليشريا لحما فرأى الشاب لحما عضلا متراكما على عظم ضخم فراق له شكله فاشتراه غير آبه بسن صاحبه,, أما الشيخ فقد أخذ يقلب اللحم ويسأل الجزار عن سن كل ذبيحة معلقة عنده فلما تبين له الشابة منها اشترى من لحمها, ثم عادا من عند الجزار: الشاب بلحم شاة مسنة والشيخ بلحم شاة شابة صغيرة فقال الشاب للشيخ: لحمي أحسن من لحمك وأكثر, فقال الشيخ: يشتري المسن من لا أسن - أي أنك لم تدرك بعد فعل السنين في المسن, وان العبرة ليست في كثرة اللحم وانما في نوعه ومدى نفعه.
أما الشعراء فلهم مواقف من الشيب لا تعد ولا تحصى من أولئك محمود سامي البارودي الذي يقول:
كيف لا أندب الشباب وقد أص بحت كهلا في محنة واغتراب أخلق الشيب جدتي وكساني خلعة منه رثة الجلباب ولوى شعر حاجبيّ على عي نيّ حتى أطل كالهداب لا أرى الشيء حين يسنح إلا كخيال كأنني في ضباب واذا دعيت صرت كأني اسمع الصوت من وراء حجاب كلما رمت نهضة أقعدتني ونية لا تُقلها اعصابي لم تدع صولة الحوادث مني غير أشلاء همة في ثياب |
ويقول مواصلا وصف الشيب:
إنما المرء صورة سوف تبلى وانتهاء العمران بدء الخراب |
أحمد عبدالله الدامغ