Saturday 18th September, 1999 G No. 9851جريدة الجزيرة السبت 8 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9851


يارا
عبدالله بن بخيت
نظرية الدنفسة والانتدابات خارج المملكة

سأتحدث عن لندن ولكن ما سأقوله ينطبق على باريس وواشنطن وطوكيو والحديدة وغيرها من المدن في شتى انحاء العالم,, ففي لندن اذا اردت ان تلتقي مسؤولاً سعودياً رفيع المستوى من فئة (ما دون وزير بشوي) فعليك البحث عنه في شارع يعرف ب(سسكس قاردن) في منطقة بادنغتون, ولا يجتذب هذا الشارع المسؤولين السعوديين لأنه يتوفر على الحياة العربية او العادات السعودية ولكن هذا الشارع اللندني يعبر عن الفكر الاداري السعودي القائم على نظرية الدنفسة، والدنفسة هي خليط من الشح والتوفير والبخل وهي في النهاية ان يدفع المرء ثمن البضاعة مرتين، مرة يشتري البضاعة الرديئة لأنه يتراخصها ثم يضطر ان يشتري البضاعة الجيدة مرة اخرى مرغما,, هذا هو نظام الدنفسة الذي صنّف بموجبه مخصصات الانتدابات, عندما تسير في سسكس قاردن سترى في كل لحظة مسؤولاً سعودياً مهماً: وكيل وزارة، مدير عام، مندوب هيئة رسمية الخ, ستراه يخرج ويدخل في الجحور الفندقية الرخيصة المنتشرة على طول الشارع,, وكيل الوزارة او المدير العام لا يتعدى انتدابه ألف ريال سعودي (شامل كل شيء ما عدا التذكرة) كيف يستطيع ان يوزع هذا المبلغ في المدن العالمية التي يضطره عمله للسفر اليها، فالفندق المعتدل المناسب ليسكنه إنسان يمثل بلاده لا يمكن ان يقل عن مائة جنيه استرليني، اي ستمائة وخمسين ريالا تقريبا واذا تناول قطعة كيكة مع كوب شاي في الفندق الذي يعقد فيه الاجتماع او المؤتمر طارت مائة ريال على الفور وإذا اضطر ان يستضيف زميلاً له في المؤتمر طارت مائة اخرى ونحن نعرف جميعا ان سعادة وكيل الوزارة او سعادة المدير العام لا بد ان يأكل حتى يعيش,, ونعرف في الوقت نفسه ان الشاورما في لندن بثلاثة جنيهات والببسي بحوالي اربعة ريالات (طبعا لن نتكلم عن الأكل الصحيح) وسعادته لا بد ان يأكل ثلاث وجبات يوميا, واذا حسبناها جيدا فلا شك ان سعادته سيضطر في النهاية ان يستدين من زميله مندوب افريقيا الوسطى، لأن كل الدول مهما كانت صغيرة وفقيرة تعمل بجدٍّ على صيانة هيبتها، فكيف يكون الامر مع دولة مثل المملكة لها نفوذ عالمي في شتى المجالات ولها ثقلها في الهيئات الدولية,.
تصور مندوب المملكة العربية السعودية بعظمته وجلال قدره بعد نهاية المؤتمر يلملم أوراقه ويركب الاندرغراوند (النفق الارضي) (يدرعم) الى شارع سسكس قاردن الى حيث جحره الفندقي, بينما معظم مندوبي الدول من ايران وباكستان ودول افريقية يصعدون الى غرفهم في نفس الفندق لأن انتداباتهم تؤمن لهم الإمكانية لتمثيل دولهم التمثيل اللائق، فالعلاقات السياسية والدولية نصفها قائم على الهيبة وعلى المظاهر وليس على الدنفسة التي فرضها الذين قاموا بتصنيف مخصصات الانتدابات ووضعوا قواعدها وكأنهم يصرفون من جيوبهم دون اي اعتبار لسمعة وهيبة بلادهم.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved