عزيزتي الجزيرة
الحمد لله الذي حمّل الانسان الامانة وأصلي واسلم على اشرف الانبياء والمرسلين القائل: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وعلى آله وصحبه اجمعين.
اما بعد:
فان مجال التعليم بمراحله واقسامه وشروطه وقيوده واحواله مجال واسع وكبير، المنتسب اليه يحمل امانة عظيمة، ومسؤولية كبيرة، ان حفظ الامانة واداها نال شرفاً ورفعة، وان ضيعها واهملها اصبح وصمة وعاراً على نفسه وغيره ودينه وامته.
وفي نظري ان المدرس يمثل اكبر حيز من ذلك المجال الكبير الواسع.
كيف لا وهو الذي يقود الناس بإذن الله من ظلمات التيه الى نور البصيرة، يأمرهم بالارفع ويرشدهم الى الانفع، للخير يحبب ويجمع، وعن الشر يحذر ويدفع.
والسؤال المطروح:
لماذا يتهجم بعض الكتاب على المدرس ويوجهون اليه التهم؟ هل السبب الجهل ام السبب العناد والحسد؟!!
* اخي العزيز: المدرس يقف من شروق الشمس الى زوالها، مزاولاً اغلب الفنون المتعلقة بعمله، فهو في اليوم الواحد يعمل عمل المربي، ويمارس جهد المرشد، ويتطرق الى علم النفس، ويحتاج الى علم الاجتماع، ويجمع بين المتناقضات، وينقض بعض المجتمعات، ويحدث ابن السبع ويمازحه ويسليه ويربيه، ويسمع لابن السبعين ويسمع منه ويسمعه ويدنيه.
وعن البين حدث ولا حرج فهو يتعامل مع المراهق والاحمق والمنافس والاسبق، والبارد والحار، والكبار والصغار.
المدرس: يكتب حتى ينفد حبره، ويتكلم حتى يختفي صوته، ويقف حتى تتفطر قدماه، عمله اليومي يعدل اياما، فاحسب كم في الشهر وان شئت الاعوام.
* في يوم واحد: يحضر والتحضير لاكثر من مادة، والمادة لاكثر من مستوى، والمستوى يحوي اكثر من تلميذ، والتلميذ تظله اكثر من مشكلة، وهكذا,.
* في يوم واحد: يناوب بين الحصص، ويملأ حصة الاحتياط بالقصص، يراقب التلاميذ في الفسحة، وليس له من وقت فسحة، يدور في الساحة ويسأل عن مساحة.
* نصابه فوق النصاب، في شرحها يصاب، وما له نصاب، فأكثرهم نصّاب.
* يكافىء المؤدب، ويساعد المهذب، ويؤدب غير المؤدب، فان ابى ضرب، وان ضرب انّبه ضميره، وان سكت حاسبه مديره.
* يدعو تلاميذه دائماً للسلامة فان لقي منهم استقامة، داهمته الابتسامة.
* يدعوهم للاتفاق، فان احس بافتراق، ذابت الاحداق، واحس بالاختناق.
* يقتطع من مرتبه جزءا يكافىء التلاميذ المتفوقين، ويطعم الآخرين المعدمين مبتغياً وجه رب العالمين.
اخي العزيز:
ما قرأت قليل من كثير وماهو الا اشارة وحسبي بك حراً، ولكن:
هل هذا يعني ان يكون جميع موظفي الدولة الى اليمين والمدرس الى اليسار، المدرس كغيره من الموظفين يعمل ويكدح ويسعى ويجاهد لخدمة دينه وامته ووطنه.
فكل واحد منهم لا يستغني عن الآخر، ونحن معشر المعلمين نحب غيرنا من الموظفين وندعو لهم ونقدرهم وندعو الله عز وجل ان يجازيهم عنا خير ما جازى محسناً على احسانه.
فلماذا علينا فقط تكون الاعين غمّازة، والالسن لمازة، والايدي همّازة، لماذا يتجرأ بعض الكتاب المبتدئين ممن ملكوا امراً غير محمود، ورأياً غير حازم، وعقلاً غافلا، لماذا التجرؤ على المعلمين والمطالبة بسلبهم بعض حقوقهم وما يتمتعون به من بعض المميزات؟!!
اخوتي الموظفين: التعليم سر دفين، المدرس فيه رغم الخفض مرفوع الجبين منذ ان انتسبت اليه بكيت بكاء الفرحين، بينما بكى غيري بكاء الثاكلين.
واخيراً اخي العزيز: اعلم ان المدرس في الواقع رجل واقع؟؟؟
لكنه في نفس الواقع، ان اختلف الرائي والسامع، نجم لامع، بل قمر ساطع.
مساعد بن حميدان الحميدان
مدرسة عبدالرحمن الداخل - حفر الباطن