 *كتب - المحرر
يواصل وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب وامين عام الاتحاد العربي الأستاذ عثمان السعد سرد ذكرياته مع فقيد الأمة الراحل الكبير فيصل بن فهد يرحمه الله,, في حلقة اليوم توقف الحديث كثيراً بسبب التأثر الواضح الذي كان عليه ابو وليد فالذكريات الاخيرة له مع سمو المغفور له كانت مؤثرة جداً وكادت أن تتسبب في تأجيل الحديث إلا أن السعد تماسك واكمل حديثه وذكرياته.
الثقة لاتجزأ
مازلت أتذكر أنه في إحدى المرات جاءني خطاب من الأمير فيصل وهو موجود عندي حتى الان غضب عليّ فيه كثيراً من خلال هذا الخطاب وأنا كنت مخطئا لدرجة أني أحسست بأني لابد أن أنقطع عن العمل كان الخطأ هذا على المستوى العربي وليس على المستوى الوطني فالمستوى الوطني مقدور عليه لكن كان على المستوى العربي لكن كان عندي أسباب مقنعة جداً والاجراء الذي اتخذته كان إجراء في محله لأنه لايجوز أن نترك واحدا يتطاول على الاتحاد العربي بدون وجه حق في قضية مسلّم بها ويجب علينا أن نقول أين الصح وأين الغلط لكن الأمير فيصل كان يتمنى أن نحتوي هذه المشكلة وألا نصعدها فغضب مني يومها وأنا في الحقيقة تألمت وجاءني منه خطاب: يا عثمان ثقتنا فيك غالية فطرحت سؤالا على سموه إما تثقون في وتتركوني أتصرف وإما مافيه ثقة فكان رده يرحمه الله أن أنبني وكان هناك طرف ثالث وجاءني مباشرة خطاب منه قال لي فيه وهذه كلمة مشهورة للأمير فيصل رحمه الله الثقة لاتجزأ
إما هناك ثقة أو مافيه ثقة ثقتنا فيك يا عثمان كبيرة نحن نثق فيك ولكن المطلوب منك أن تحتوي مثل هذه المواضيع ولا تأزمها والتصرف الذي عملته صح ولكن الأصح منه هو أن تحتوي هذه المشكلة لكن هذا لن يقلل مكانتك عندنا وتقديرنا للعمل الذي تقوم به ونيتك من وراء هذا العمل انظر يااخي محمد إلى رسالة كهذه وماذا تفعل بك بالتأكيد تجعلك تثق بنفسك وتجعلك أكثر إقبالا على العمل وأكثر نشاطا وحيوية وأكثر تبعية لهذا الرجل.
وأنا لاأنسى في يوم من الأيام كنت في تايلند كنا نعمل بتوجيه الأمير فيصل بدعم الدورة الاسيوية التي كادت أن تفشل يتصل بي هو شخصيا ويقول لي عثمان مبروك قلت على ماذا قال حصلت لك على المرتبة الثالثة عشرة وكان قبلها بسنتين فقط حصل لي على الحادية عشرة هذا يدلك على ماذا؟ يدلك على أن هذا الرجل لاينسى العمل الذي نعمله وأنا لم أطلب المرتبة الثالثة عشرة وأقسم بالله لم أكن طالبا تلك المرتبة ولكنه يتصل بعد ما عمل ترتيبات وحصل لي على المرتبة ويبلغني كأول شخص قبل أي جهة أخرى وهذا دليل ماذا؟ دليل أنه من يعمل يجد جزاء عمله ولاتفكر أنك بعيد عنا ثلاثة آلاف لم ننسك ولانبلغك اولا نشتغل حتى تأخذ مكانتك فله مواقف لايمكن أن ينساها الانسان أبداً.
لم أشاهد الأمير غاضباً
كما في هذا الموقف
كنا في حفل عشاء رسمي وكان أحد كبار الشخصيات يمارس نوعا من السخرية على أحد (أخويا) الأمير ولم أشعر ابدأ بغضب الأمير كما شعرت في تلك الليلة على هذا الرجل الذي سخر من أحد الخويا وبذلك تشعر بالأمان لأن هذا الرجل لايقبل بأي شكل من الأشكال أن يحط من قيمتك أو قدرك او أن أحدا يمارس معك أشياء المفروض ما يمارسها على الأقل يحترم إنسانيتك بغض النظر عن مكانته في المجتمع هذا الذي يجب أن نبحث عنه لم يبحث عنها هذا الشخص ولكن الذي بحث عنها الأمير نفسه ويغضب ويترك العشاء ويأخذ بشته ويطلع رغم قيمة ومكانة هذه الشخصية التي صدرت منها هذه الاهانة فهذه القيمة التي لك لاتعني أن تمارس إقلالا من إنسانية رجل آخر وهذا له دلالة عظيمة وكبيرة.
لايظهر انفعاله في حالة الخسارة احتراماً وتكريماً للخصم
*القضية التي ينزعج منها؟!
-هو ضد الاقليمية والعنصرية بشكل عام وليس هذا لكونه عضوا في اللجنة الأولمبية الدولية بل أعتقد أنه هو الذي أضاف إليها أكثر مما اخذ منها من مبادىء فهو ضد العنصرية بكل أشكالها وضد التحيز, لاحظ مثلاً حينما يخسر منتخبنا في أي رياضة عالمية أو محلية في اي لعبة من الألعاب تجده محتفظا بوقاره ولايظهر عليه أي انفعال احتراما للخصم في المباراة في إباء وشمم وعزة وكبرياء ولم يشعر من حوله في حالة الخسارة بأن تحيزه قد يوصله الى مرحلة ان يشيح بوجهه عمن بجانبه بل العكس كان أول المهنئين والمباركين لخصمه, لكن له تصرفات مع المنتخب إذا كان قصر فهذا موضوع آخر.
وما من أحد يستطيع ألا يتحيز لبلده ولكن المقدرة على ضبط النفس من اكبر مميزات الراحل الكبير.
إقليميا عنده كثير من الأشياء التي عملها لكي يلغي هذه الظاهرة لكن عربيا هناك مثال واحد فقط وهو موقفه من مشاركة العراق في الدورة العربية وسعيه برقة مع الاخوة في الكويت القبول بالمشاركة للعراق رغم الموقف من القيادة العراقية وما يشعر به من مرارة كبيرة لترويع أهل الكويت والأهل هنا بالسعودية بصواريخ الإسكود ولكن هذا شيء والموقف من الشعب العراقي والرياضة العراقية شيء آخر وهذا يؤكد أنه يكره التحيز.
^ هل شعرت في الأيام الأخيرة أن هناك شيئا مختلف بالنسبة للأمير عن ذي قبل؟
- ابداً,, ابداً لم اشعر بشيء بل كان حريصا على الحضور والمشاركة حتى في سفره الأخير للأردن والكلمة التي ألقاها كانت من أروع مايمكن واللقاءات التي أقامها أثناء وجوده على المستوى الرياضي والأسري والثقافي وعلى المستوى الاجتماعي والخيري لاتشعر بأن هذا الرجل تعبان أو فيه ما يعكر صحته أذكر له موقفا وهو خارج من قصر الضيافة بعمان هذا لاأنساه أيضا في حياتي مشى الجميع وركبوا في سياراتهم والأمير جاء ليركب السيارة ويقف امام باب القصر في الظهر في الأردن استغربنا أنه وقف ونادى على أحد الأشخاص وطلب منه أن ينادي على المسؤول عن إدارة القصر وقف حوالي (5 دقائق) ينتظر حتى أتى شخصان ومد يده لكي يشكرهم على الرعاية وحسن الأداء اثناء الزيارة وبلغني هذان الشخصان أن هذه هي أول مرة يطلبنا أحد شخصيا لكي يشكرنا وهذا موقف إنساني.
وكان آخر موقف قبيل مغادرته الأردن وأنا أسلم عليه وأودعه كالعادة قال لي لا: أصعد للطائرة صعدت في الطائرة ليوصيني بالأشياء التي قام بها لمركز المكفوفات السعودي والأيتام ولآخر لحظة كان يضحك.
آخر مكالمة منه كانت ليلة وفاته رحمه الله طلب مني أن أذهب للاعبات الاسكواش المصريات اللاتي حدث لهن حادث سير لكي أقدم الورود وأبلغهن استعداده لعلاجهن في أي مكان يرغبن وسألني عن أعمارهن فقلت له طال عمرك بين 13 و14 سنة قال احرص أن تشتري لهن لعبا وعرائس والدببة والأرانب ففي هذه السن يحبون ذلك أحسن من الورود وهذه لفتة نحن لانفكر فيها ولكنه الإنسان الكبير فيصل والذي يحز في نفسي للآن أني كنت في المستشفى يوم السبت بعد الظهر انفذ طلب سموه والحادث حصل يوم الجمعة بعد الظهر وفي اللحظة التي كنت فيها في المستشفى أعود الفريق هذا الذي أصيب في الحادث وأقدم الورود واللعب ووصاية الأمير فيصل بعلاجهن في اي مكان يرغبن في هذا الوقت كان هو قد فارق الحياة قالها عثمان وهو يبكي حد النشيج وقال ولانني ذهلت من الخبر وعلى أمل لعل وعسى اتصلت بسمو الأمير وليد بن بدر فقال لي أين انت قلت له في الفندق وصلت حالاً من المستشفى قال لي خليك أنا سآتي إليك عرفت أن الخبر صحيح وسال الدمع واحتضنت الأمير وليد بن بدر واحتضني وبكيت كما لم ابك من قبل وهو يحاول تهدئتي فكانت لحظات مريرة لايمكن أن توصف بأي شكل من الاشكال تاريخ بكامله يمر في ذهنك بدون أن تشده أو توقفه أو تفرمله.
*في خلال 27 سنة صحبت فيها الأمير ماهي الانتصارات التي حققتها معه؟
-حياتي كلها معاه كانت انتصارات ومكتسبات الفخر والاعتزاز الذي تحسه بالموقع الذي يكون فيه هذا لوحده كبني آدم كإنسانية تشعر بها لاتقدر بمال وكان مصدر فخر واعتزاز لكل من حوله.
دخلنا في مؤتمرات ولقاءات كثيرة جداً كان فيها مواضيع شائكة تخرج من هذه الاجتماعات وأنت مرفوع الرأس لإدارته كانت رئاسة الاجتماعات تأتية بدون أن يكون رئيسا وكان يحاول أن يبتعد عن ذلك, بعض الزملاء حاول أن يقنعه أن يكون رئيس مجلس وزراء الشباب العرب رفض وقال يمكنني أن أخدم من موقعي فإذا كنت رئيسا سأستمع للجميع أما إذا كنت عضوا فسيكون لي الحق أن أبدي رأيي من موقعي كعضو لتحسين الوضع.
رجل استفدنا منه واكتسبنا من ورائه عطفه علينا ولاانسى له ونحن في فرنسا في كأس العالم وأنا عارف أنه مشغول بقضية الانتخابات لذلك لما جاء موعد زفاف ولدي خالد كان يوم 18 وكان يلزمني تأجيل الزواج فاستأذنته وقلت له سأحضر الزواج واعود لمدة يوم واحد قال لي طيب روح ولاتتأخر قبل أن اذهب هاتفني بالتليفون وقال لي اذهب لفلان لأجد شيكا ويحرصني هذه لاتأخذها فهذه لخالد ابنك وليست لك, رجل عظيم لاتفوته هذه الأمور لم يتركني احمل الهم كيف أعمل وكيف أدبر أموري بل جعلني أكمل مشوار المهمة التي كنا فيها وأنا مرتاح الضمير ومرتاح البال, هذه واحدة من كثير من حالات العطف على من حوله ومن معه ومن يحتاج ايضا كما لاانسى عندما أرسلني الى مستشفى مايوكلينك للعلاج كنت في حالة مرضية صعبة القلب والضغط والسكر زارني وقال لي هنا مستشفياتنا ممتازة ولكن الناس اللي ستزورك ستزيدك مرضا سافر أحسن وأرسلني الى مايوكلينك طبعا تحمل التكاليف والنفقات وزيادة,.
هذه أين تلاقيها,, أشياء كثيرة جداً لاتعد ولاتحصى,.
بالنسبة للعرب فعندما تحدث أزمة مالية بين الاتحاد العربي والاتحادات الأوروبية نلجأ إليه ولايقصر وهذا ساهم الى حد كبير في ترسيخ قواعد العمل في الاتحاد العربي وإذا استمررنا بهذه النسبة من العطاء فهذا يرجع الى دعم الأمير فيصل بن فهد المادي والمعنوي وإذا أسبقت المادي لأنه هوالذي يمكنك من ان تظهر الدعم المعنوي,, رحمه الله وأسكنه الله فسيح جناته كان رمز عطاء لايمكن نسيانه فكان صاحب بعد نظر ورجل موقف رائع في هذا الزمن لايعوض.
يتبع غداً
|