لعل القارئ لهذا العنوان يستغرب أن يصف الانسان نفسه بأنه كرسي، أي جماد لا فائدة منه سوى المنظر.
ولكن ما اعنيه هنا مختلف نوعاً ما: إنه التمسك بالمناصب في إدارة الشركات ومجالس إدارتها بالقوة, فتجد أن المدير العام في هذه الشركات يتمسك -بقوة- بمنصبه ويقاتل من أجله وتصبح الشركة في نظره ملكا خاصا ولا يحق لأحد أن يخرج عن طاعته أو يخالفه في الرأي ويزداد البلاء عندما تكون المنشأة شركة مساهمة.
ولعلنا دائماً نسمع في هذا النوع من الشركات المقولة بنكنا، شركتنا وعلينا أن نأخذ الجانب الايجابي من هذا وهو الانتماء,, ولكن ان يتجاوز الأمر ذلك فهو ما نرفضه.
وعند ما يطرح رأي أو تتم المساءلة يكون هناك الاستهجان والغضب من السائل ويتم وصفه بالمتدخل في غير شؤونه أو الجاهل,.
وتُشن ضده الحملات في الجمعية العمومية بالرغم من أن البعض يفضل الصمت ويترك الزمن يدفن الحقيقة ويرى عدم الرد حتى يصاب السائل بالملل ويسعى لبيع ما لديه من اسهم والخروج بأقل خسارة ممكنة.
إن الشفافية أمر هام جداً ومن حق المساهمين أن يعلموا بما يدور داخل شركاتهم، نعم شركاتهم التي يعتبر المدير العام فيها ضيفاً عليها والمؤتمن العام على حقوقها.
والغريب دائماً ان الاخبار تتسرب عن عزم شركة ما طرح اسهمها لرفع رأس المال أو تخفيضه ويبقى الأمر سراً بين الادارة والمجلس حتى يتنسى لهم، أي المجلس الكسب الفاحش وذلك برفع السعر والمضاربة عليه في السوق أو خفضه الى مستويات دنيا حتى يتملكوا الاسهم الاضافية دون تكاليف إضافية, ويصل الأمر عند تسرب الخبر الى قاعات الاسهم وبالتالي الاعلام الى تكذيب ما قيل وبعد فترة من دوخان سعر السهم وارتباك المساهمين تخرج الشركة الى الملأ وتعلن أنها سوف تمنح أو تخفض في الاسهم ورأس المال.
ومايثير الحفيظة فعلاً هو بقاء الادارات السيئة على رأس الشركات المساهمة وتكوين اتحاد تحكمه المصلحة المشتركة مع كبار المساهمين من مجلس الادارة وأحد أوجه هذه المصلحة هو شراء الشركة لما تحتاج إليه من مواد من هذا العضو أو ذاك ولا يهم إن ربحت الشركة أم لا، أو الاكتفاء بثبات الربح عند حد معين لسنوات والوقوف في وجه كل من حاول الوصول الى الحقيقة.
ولو أردنا أن نحصي عدد الشركات الرابحة في قطاع الشركات المساهمة لوجدنا أنه محدود ويقتصر على البنوك وبعض الشركات الصناعية والخدمية ويأتي ما يقارب النصف في مؤخرة الرابحين ويبقى مجرد اسم على شاشات الاسهم، وإن تحرك فإن الهدف يكون هو محاولة هروب غير ناجحة من احد المتورطين.
وعندما يأتي مدير جديد، كما حدث لشركة كبرى، يقوم بوضع لمساته فيبدأ بإزاحة الموجودين حتى لو كانوا ناجحين ويأتي بمن يراهم أكثر وفاءً له أو لمجرد التغيير ويصعب الأمر عندما يكون التغيير بغرض إعادة التشكيل بين المناصب فيكون الطبيب في موقع مهندس والكهربائي في موقع سباك,, وهكذا، فإن النتيجة بالطبع سوف تكون كارثة لن تظهر للعيان إلى بعد عام من التطبيق.
وقد ذهب البعض في التحليل النفسي لمثل هؤلاء بأن النفس العربية عرفت بحب الذات والتسلط وحب التملك حتى لو كان أحدهم يملك الشيء فيخلط بين دوره كموظف بمرتبة عليا وبين دوره كمالك حقيقي، وتصبح الامور مع هؤلاء على مبدأ (أكون أو لا اكون) ويصبح الكرسي الذي يجلس عليه من حقه إلى درجة أن يصل لقناعة مؤداها أن الكرسي نفسه لن يتزحزح غير مدرك أن الكرسي هو الذي يبقى فقط ونحن نعلم أن القطاع الخاص في كثير من الدول المتقدمة يكون التغيير فيه مستمراً بين القيادات في الشركات وهذا أمر معتاد، أما لدينا فالكرسي يبقي مكانه وأول السابقين باقٍ عليه إلى أن يشاء الله أن يقيض أمراً فتتكبد الشركة خسائر فادحة وينتهي زمن الصمت والوئام بين المدير والمجلس.
إن ما يحزن حقاً أننا نجد أن المجلس هو المتسبب الحقيقي في خراب الشركات المساهمة والذي يستخدم سلطته لتحقيق مصالح شخصية هو إما أناني أو جاهل تبوأ مقعداً هو في الأصل ليس له.
وهذا ليس غريباً، فجيل الطفرة والعمل فيما لا نفقه مشكلتان سوف تستمران لعقود من الزمن ولكن علينا أن نتضرع الى الله بأن يزيل عنا هذا الكرب ويهدي رجال الاعمال والمتعلمين الى معرفة أن لكل كرسي رجاله وإلا فإنه سوف يشقلبهم ويبحث عن غيرهم.
|