Wednesday 22nd September, 1999 G No. 9855جريدة الجزيرة الاربعاء 12 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9855


اليوم الوطني,, فرحة للوطن,, يوم للتأمل
د, سعد بن عبدالعزيز الراشد*

الاول من الميزان يومنا الوطني، يوم للتأمل وتذكر نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد المملكة العربية السعودية ، كيف كانت في الماضي وكيف تحملت الظروف القاسية والمعاناة ارضا وشعبا، من تشتت، حروب، فتن، نهب، مرض، جهل، وتشرذم, الغلبة لمن يغزو مبكرا، قد يصبح الفقير غنيا وقد يصبح سيد القوم ذليلا، والكثير من عامة الناس في البادية والحاضرة يسلمون امرهم لله الواحد الاحد الفرد الصمد ينتظرون الفرج من الخالق جل وعلا ليوحدهم وينصرهم ويؤيدهم ويدلهم على طريق الخير والمحبة.
توتر وحسرة ومستقبل بيد الغيب لايعلمه الا الله, قصص تحكى عن الآباء والاجداد لايرقى اليها ذرة من الشك عن حالة الاوضاع في الجزيرة العربية في صور لم تجد الرسام المبدع الذي يعبر عنها، او الكاتب والمؤرخ المحترف، او القاص الواعي الذي يستطيع حبك الاحداث والمآسي للحياة التي كانت سائدة قبل ذلك التاريخ.
اجدها مناسبة للاسئناس بما سجله الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري عن رواية ذكرها له راو ثقة وامين من اهالي المجمعة اسمه عبدالله بن صنع الله، يقول الراوي: ذهبنا الى الكويت ثلاثة رجال، وبيننا شاعر من البادية، وفي نيتنا ان نتعرف على اولاد الامام عبدالرحمن الفيصل، فزرناه -رحمه الله- وطلبنا منه ان يرسل معنا من يوصلنا الى اولاده لنسلم عليهم,
فارسل معنا شخصا، وبعد السلام على عبدالعزيز واخيه محمد -رحمهما الله- اخذ محمد يهيىء القهوة، وعبدالعزيز جالس بجواره، وكانا شابين لاتتجاوز سن اكبرهما ثمانية عشر عاما، وكان عبدالعزيز نحيلا، قليل الكلام، اخذ يسألنا باقتضاب من تكونون، ومن اي المناطق انتم؟ فأخبرناه بمناطقنا, ثم اخذ يسألنا عن احوال البلاد وعن الاحداث والامن هناك، وهل حكم الشرع نافذ فيكم؟ .
قال الراوي: ثم وقف البدوي الشاعر وقال: ياعبدالعزيز، عندي قصيدة, فرد عليه: فيمن؟ قال: فيك, قال: انا هنا في الكويت غريب مجهول، ليس لي دور في شيء، تمدحني بالشجاعة؟ لم افعل شيئا, بالكرم؟ انا لااملك مالا, حالي هنا مستور, ثم ان القصائد الجيدة كلها قلتها في الامير محمد بن رشيد -رحمه الله- فرد عليه الشاعر -ونحن نسمع-: اني واحد من شعرائك ومن رجالك ياعبدالعزيز، فانا شاعر الرجال، والبلاد اليوم في حاجة اليك, اسمعها تقول لك: وانشد بصوت مرتفع .
عبدالعزيز ابطيت واخلفت ظني
وكثر البطا يحدث على الرجل خذلان
يمير دوك فتوقها وضحن
تبينت لاهل الدلايل والاذهان
موقف وحوار مع الرجال الثلاث اصغى اليه الامير الشاب ثم قال لهم: سنتقابل والاحداث على صعيد ارضنا الطاهرة - ان شاء الله- انتهى 1
هذه الرواية جد معبرة، توضح الامل لدى ابناء الجزيرة بعودة الحكم السعودي وقادتهم وقيادتهم الى ارض الوطن، وتوضح كذلك شخصية عبدالعزيز -رحمه الله- وهو في ذلك العمر المبكر، يستوضح عن احوال الامن وتطبيق حكم الشرع.
ويتحقق الامل -بارادة الله سبحانه وتعالى- وتشهد الرياض فجرا جديدا وموعدا مع النصر والوحدة والمجد، في صباح الجمعة 5 شوال 1319ه الموافق 15 يناير 1902م , يقتحم الملك عبدالعزيز وعدد من رجاله المخلصين حصن المصمك ويرفع راية التوحيد خفاقة فوق اسوار الحصن ويعلن بدء المسيرة واعلان تأسيس المملكة العربية السعودية.
مضى عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يوحد اجزاء البلاد بلدة بعد بلدة وقرية بعد قرية، بقوته الايمانية وتوكله على المولى تعالى، وسلاحه العدل وتطبيق شرع الله وتوطيد الامن، لايخاف في الله لومة لائم، شيمته الصبر والحلم والاناة, بارك الله في وقته، ينام قليلا ويعمل كثيرا، يخطط ويقود المعارك، يراسل القادة في الداخل والخارج، يستقبل الناس، الكبير والصغير، الفقير والغني، يعرف الناس ومنازلهم ولايفضل احدا على احد الا بالتقوى, يقضي ليله في قراءة القرآن والتهجد، ويستيقظ قبل خروج الطيور من اوكارها, قائد منحه الله صفات كثيرة قل ان توجد في احد غيره فهو من العظماء والقادة الفاتحين في التاريخ: اثنان وثلاثون عاما قضاها الملك عبدالعزيز في توحيد اجزاء البلاد، بالمصحف والسيف، يطبق شرع الله ويبسط الامن والامان بعون من الله سبحانه وتعالى.
وحسن رجاء الله فيما ترومه
بحزم وعزم والوفاء الملازم
وصدق وتدبير وحسن طوية
حللت به فوق السها والنعائم
ولاحظك الاقبال والعز فاستما
لك النصر والاسعاف بين العوالم 2
رحمك الله ياعبدالعزيز واسكنك فسيح جناته.
في 17 ربيع الاول 1343ه 1924م طاف جند عبدالعزيز الميامين بالكعبة الشريفة واكملوا مناسك العمرة وعم الامن فيها، وفي 19 جمادى الاولى 1344ه 1925م دخل الامير محمد بن عبدالعزيز مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، المدينة المنورة، وفي 7 جمادى الآخرة 1344ه 1925م دخل الملك عبدالعزيز جدة مكملا مسيرة التوحيد.
ومن جدة اعلن عبدالعزيز بلاغه المشهور ومما قال فيه: اني ابشركم -بحول الله وقوته- ان بلد الله الحرام في اقبال وخير وامن وراحة وانني ان شاء الله تعالى سأبذل جهدي فيما يؤمن البلاد المقدسة, ويجلب الراحة والاطمئنان لها,, لقد مضى يوم القول ووصلنا الى يوم البدء في العمل,, 3
اصبح الحجاز آمنا والمقدسات الاسلامية آمنة, قبل هذا الحدث باحدى وعشرين سنة 1904م صرخ احمد شوقي في قصيدته المدوية:
ضج الحجاز، وضج البيت والحرم
واستصرخت ربها في مكة الامم 4
ارادة الله وتوفيقه ان يكون لعبدالعزيز ورجاله المخلصين شرف رعاية الحرمين الشريفين وخدمة الاسلام والمسلمين.
ظهر الحجاز من الزمان بغبطة
بعد النبي وصحبه لم تخبر
امنوا على اموالهم ودمائهم
من بعد ماكانوا لاول مجتري
ولطالما اخذ الفتى من بيته
واليوم يمسي مصحرا لم يحذر 5
وتمضي مسيرة التوحيد بوضع ركائز الحكم بكامل متطلباته التنظيمية من ادارية ومالية وتخطيط وتطوير وتعليم، ورسم سياسة الدولة وتعزيز مكانتها عربيا واسلاميا ودوليا, وعرف الناس معنى لشيء اسمه دولة وحكم يقومان على الكتاب والسنة.
ويجيء يوم الخميس 21 جمادى الاولى 1351ه الاول من الميزان الموافق 23 سبتمبر 1932م ليسجل التاريخ نقلة جديدة للبلاد باعلان هذا التاريخ يوم توحيد المملكة العربية السعودية ، من تاريخ فتح الرياض حتى هذا اليوم قضى الملك عبدالعزيز مايقارب اثنين وثلاثين عاما وهو يوحد اجزاء البلاد، وبعد هذا التاريخ اخذ الملك عبدالعزيز على عاتقه وضع الخطط لحاضر البلاد ومستقبلها.
ولم يكن يتردد في الاستفادة من تجارب الآخرين في كل علم وفن بما لايخالف الشرع وبما يعود على شعبه بالخير والمنفعة وعلى مايقارب العشرين عاما بعد مرحلة التوحيد قضاها الملك عبدالعزيز في تنظيم شؤون البلاد وبدأ يرى بنفسه ثمرة غرسه، تأتيه الوفود حيثما يكون فرادى وجماعات من داخل البلاد وخارجها، وتجول -رحمه الله- بعد توحيده البلاد في عدد من المناطق ليطمئن على الاوضاع فيها بنفسه,
وفي ضحى يوم الاثنين 2 من ربيع الاول 1373ه الموافق 9 نوفمبر 1953م اسلم الملك عبدالعزيز روحه لبارئها ونقل جثمانه من الطائف الى الرياض ليوارى الثرى في عاصمة الاجداد, المدينة التي خرج منها صبيا، وعاد اليها فاتحا ومنها انطلق حاملا راية التوحيد, قضى -رحمه الله- زهاء اربعة وخمسين عاما منذ دخول الرياض في 5 شوال 1319ه وحتى وفاته وهو يكافح ويناضل، فمنحه الله النصر وخدمة الاسلام والمسلمين.
عند وفاة الملك عبدالعزيز لم اكن اعرف واقدر ذلك الحدث، كنت في تهامة حيث ولدت وانا في مقتبل دخول المدرسة التي انشئت بأمر الملك قبل ولادتي بسنوات قليلة, كان المحيط الذي عشت فيه يخيم عليه الحزن، رجالا ونساء، عرفت بعد سنوات ابعاد الخبر الذي لم يهز تهامة لوحدها، بل العالم الاسلامي بأسره.
شقيق والدتي شيخ كبير عمر طويلا وممن جاهد تحت لواء الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- كان هذا الشيخ طوال حياته لايفتأ يكرر في صلواته ودعائه بل وفي احاديثه عبارة الله يرحمك ياعبدالعزيز حتى وهو على فراش الموت, قلت له: اراك ياخال تردد هذه العبارة كثيرا ونحن ولله الحمد في عز ونعمة, التفت الي غاضبا وقال: يجب علينا ان نحمد الله ونشكره، انت لاتعرف العيشة والشقاء والحالة التي كنا عليها -ووضع حافة كفه على طرف رقبته- كما يفعل اهل تلك المنطقة للتعبير عن الجوع -لانجد لقمة العيش ولا نأمن على حلالنا ومالنا وعرضنا- والقتل والنهب في كل مكان، الواحد ينام متوسدا سلاحه ولايعلم ان كان سيصبح حيا ام ميتا,
قال: ومن شدة ضنك العيش الذي مر علينا اننا ذهبنا الى الحج مشاة على الارجل ما معنا حتى الراحلة وبعد الحج وقفنا امام موكب الملك وقلنا: ياعبدالعزيز الناس ماتوا جوعا في بلادنا فوهب لنا الارزاق والملابس وطيب خاطرنا وبعد استتباب الامن عاود الناس في الفلاحة والرعي والتعلم، هذه ياولدي نعمة لابد ان نجازيها بالشكر ونترحم على من كان السبب بعد الله سبحانه وتعالى فيها,
درس في التربية الوطنية سأذكره ماحييت، فانا وجيلي ثمرة من غرس الملك عبدالعزيز, اخذت بالقوة -من البادية- وادخلت المدرسة لأتعلم، عرفت فيما بعد ان اسد الجزيرة مات ولكنه خلف اسودا يقودون المسيرة، هم ابناؤه البررة سعود وفيصل وخالد رحمهم الله، وها نحن اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ونائبه وعضيده الامير عبدالله بن عبدالعزيز والنائب الثاني الامير سلطان بن عبدالعزيز والاسرة المالكة والحكومة الرشيدة وشعب المملكة العربية السعودية نعيش مئوية التوحيد، نتذكر تاريخ بلادنا وننهل من الانجازات التي تحققت، دولة عصرية فاقت في تطورها وبنائها كل التوقعات، على مختلف الاصعدة تسير في ركب الحضارة الحديثة من صناعات وتقنيات وبناء الانسان دون ان تنفصل عن جذورها دينا وحضارة وتراثا.
ويجيء يومنا الوطني هذا العام وقد عاشت بلادنا فرحة المئوية التي قادها الملك عبدالعزيز، لم تكن فرحة مصحوبة بالاحتفالات والشعارات ولكنها فرحة شهدت انجازات حضارية ومؤتمرات وندوات ودراسات وبحوثا توثيقية ورصدا لتاريخ البلاد في مختلف الاصعدة، مصادر معلوماتية ثرية ومفيدة للاجيال القادمة ونحن على مشارف الالفية الثالثة في القرن الميلادي القادم.
فخر بلادنا انها ارض الرسالات ومنبع رسالة الاسلام الخالدة وارض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين، وشرف لها خدمة حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين من كل حدب وصوب وطالما سرنا على النهج الذي رسمه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- فبإذن الله ستستمر المسيرة كما خطط لها ان تكون وستبقى بلادنا -بحول الله وقوته- حتى يرث الله الارض ومن عليها عامرة بالخير والطمأنينة والامن والامان.
انها وقفة تأمل للوطن في يوم الوطن, والله الموفق.
* وكيل وزارة المعارف للآثار والمتاحف
الهوامش:
1 لسراة الليل هتف الصباح -الملك عبدالعزيز دراسة وثائقية ص ص: 86 -87 .
2 من قصيدة الملك المنتصر للشاعر سليمان بن سحمان -رحمه الله- ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان ص ص: 469 -472 .
3 الزركلي، الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز ص ص: 88-90 .
4 قصيدة ضج الحجيج، الشوقيات م ا، ص ص: 163-165 .
5 للشاعر محمد بن عثيمين، من قصيدته: سفر الزمان .

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
اليوم الوطني
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved