Saturday 25th September, 1999 G No. 9858جريدة الجزيرة السبت 15 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9858


في ظل تباين المواقف من المبادرات المطروحة وترقب الشارع السوداني
هل تتجه الخرطوم والمعارضة إلىسودنة الوفاق؟!

* الخرطوم - عبد الرحمن زروق
تغلب علىالمزاج السوداني الآن روح الوفاق,, فكل ما هناك يقترب من هذا التوجه,, وتتردد في شوارع ومجالس العاصمة الخرطوم تعبيرات مثل رجل وفاقي وسياسات وفاقية وحتى شائعات وفاقية ومن هذه الأخيرة ان لقاء سيعقد بين الرئيس السوداني وزعيم المعارضة المسلحة في الجنوب جون قرنق.
وكان طبيعياً ان ترحب الخرطوم وان تستجيب لرغبة قرنق في اللقاء فليس مايدعم اجواء الوفاق اكثر من لقاء كهذا,, غير ان قرنق نفى هذه المسألة لتصبح مجرد شائعة اخرى وامنية في اجواء الوفاق,, ومع ذلك فإن لكل شائعة قدرا من الحقيقة بين ثناياها,, وربما استدعى الأمر الانتظار ريثما تنجلي الحقائق.
اذن فاجواء الخرطوم والشارع السوداني بصفة عامة هي اجواء الوفاق بحق تكسوها موجة من التفاؤل مع شحنة من مزيج النيل اي النفط السوداني عبارة عن 600 الف برميل ذهبت إلى سنغافورة والاستعدادات اكتملت لشحنة اخرى تبلغ 930 الف برميل ستنقلها باخرة المانية.
المحاسبة أم النسيان!
والحديث عن الوفاق يطرح اسئلة صعبة ولايخلو من ارادة قوية لتحقيقه علىالرغم من ان ذلك لايبدو امراً قريب المنال بالنظر الى ترسب قدر من المرارة في نفوس مختلف الاطراف,, لكن داخل هذا الطرف او ذاك من يرى ضرورة ان نترك الماضي وراءناً وهناك بالطبع من يعترض على هذه الصيغة مؤكداً انها قد تزيد الأمور تعقيداً اي ان المرارات لاتزول إلا بزوال المسببات ولذلك فان هؤلاء يؤكدون ضرورة المحاسبة عن كل الاخطاء.
ويبدو ان الخرطوم لاترفض هذا الطرح الأخير فهي ترى ان لديها الكثير مما تدلي به في هذا الجانب وهي لذلك ترحب بمبدأ المساءلة حسبما جاء في تصريح للنائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه,, مطالبات المعارضة تشمل ايضاً رفع حالة الطوارىء وترد الحكومة ان هذا المطلب متحقق فعلاً على ارض الواقع,, كما تشمل تغيير بعض مواد الدستور.
مؤشرات الوفاق
ويبدو ان بعض المطالب تأخذ بالفعل طريقها الى التنفيذ ومن ذلك بدء ترتيبات لتسليم الممتلكات المصادرة من قيادات المعارضة تنفيذاً لالتزام الدولة الذي قطعته على لسان وزير العلاقات الخارجية بعد موافقتها على المبادرة المصرية الليبية، فيما نفت سكرتارية التجمع المعارض بالداخل ان ايا من الافراد لم يسلم ممتلكاته حتى الآن لكنها رحبت باتجاه الحكومة لتسليم الممتلكات وفق الجدولة المعلنة خلال شهر او شهرين,, الى ذلك فانه لايبدو ان الخرطوم تسد الابواب تجاه ما تطرحه المعارضة لكنها تدعو الى طرح كافة البنود على طاولة تجمع كل الفرقاء.
مواقف متباينة
تبقى الاشارة الى ان المعارضة ذاتها تفتقر الى الموقف الموحد من مبادرة الوفاق المتبلورة في التحرك الليبي المصري فليس كل هيئة قيادة التجمع الوطني السوداني على ذات القدر من الاستعداد للتوجه الى مائدة الوفاق,, واذا كان هذا الاستعداد موجوداً بقدر متفاوت بين السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة والسيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي فانه يكاد يكون معدوماً لدى د, قرنق الذي زار القاهرة اواخر اغسطس وخلال وجوده هناك صرح الناطق باسمه انه يرفض المبادرة المصرية الليبية لكن قرنق قال عقب اجتماع له مع وزير الخارجية المصري انه لايرفض المبادرة كلية ولكنه يرى ان تتم بالتنسيق مع المبادرة القائمة اصلاً والتي تضطلع بها دول الايقاد ثم تطور موقف قرنق الى الالتزام فقط بالايقاد.
ومع كل ذلك فان التوجه نحو الوفاق حالة قائمة منذ زمن طويل ولعل المؤشرات على ذلك اللقاءات السرية والعلنية التي تمت بين اطراف من الحكومة والمعارضة فضلاً عن الخطوة المتمثلة في قيام احزاب التوالي بعد عودة بعض المعارضين من الخارج,, وربما اعتبر اللقاء بين السيد حسن الترابي رئيس البرلمان والسيد الصادق المهدي الخطوة الأهم خصوصاً في ظل احتمال لقاء آخر بين الرجلين.
النفط والوفاق
وبالنسبة للحكومة فان التوجه نحو الوفاق يزيد من رصيدها على ارض الواقع فهي تشعر بالرضا التام بما تحقق على الصعيد النفطي بكل ما اشتملت عليه هذه النقلة الكبيرة من حالة ايجابية على وضع الاقتصاد بصفة عامة ومن اجتذاب للاستثمارات الاجنبية التي اقتنعت بجدوى العمل في السودان على الرغم من ظروف غير مواتية حاول البعض الزج بها للحؤول دون قدوم المستثمرين,, وهكذا فقد سمحت الشركات بتدفق اموال تقدر بحوالي ثلاثة مليارات دولار لاستخراج النفط وبناء انبوب بطول 1610 كلم من حقول هجليج الىميناء بشاير على البحر الأحمر.
والحكومة الى ذلك ترى انها تستشرف مرحلة جديدة فيما يتصل بالعلاقات مع الجهات التمويلية الدولية والدول المانحة بعد اعتبار صندوق النقد الدولي السودان دولة متعاونة.
وتتحدث الحكومة ايضا عن انجازات اخرى عديدة تواكب المرحلة النفطية وتزيد من مساحة التفاؤل مثل تراجع معدلات التضخم واصلاحات هيكلية اخرى تتناول ميادين مثل الصحة وعلى الجانب السياسي هناك القدر الكبير من الحريات التي تظهر في صحافة واحاديث وتجمعات اهل الخرطوم وندواتهم يضاف الى ذلك نتائج معقولة على صعيد اصلاح مسار العلاقات الخارجية وتحسين صورة السودان في الخارج ومن ذلك قرار الأمم المتحدة شطب اسم منظمة التضامن المسيحي التي تتزعمها البارونة البريطانية كوكس من سجل المنظمات المراقبة في الهيئة الدولية,, والبارونة كوكس مسؤولة عن ترويج مزاعم الرق في السودان.
ويبقى الهم الاكبر لدى الخرطوم استمرار الحرب في الجنوب,, وهي تعمل في كل الاتجاهات من اجل فرض حقائق على ارض الواقع يمكن ان تقودها الى الخروج من محنة الحرب وهي مستمرة رغم ذلك في تنفيذ مشروعاتها الاقتصادية والسياسية وتعمل لايجاد حالة تقنع الاخرين بجدية مشروعها لانقاذ البلاد سياسياً واقتصاديا ومن ثم اقناع المعارضين بالانضمام الى هذا المشروع ورفده بما يمكن ان يعزز من وجوده واستمراره.
ومن الواضح ان كل مبادرات الوفاق وايقاف الحرب تلقى قبولاً لدى المواطن السوداني الذي يتلهف الى رؤية اليوم الذي يتوقف فيه نزيف الدماء في الجنوب والشرق والاستنزاف المتواصل لامكانيات البلاد.
وفي الجانب الاجرائي للوفاق المنتظر فقد تم حتى الآن تجاوز موعد 13 سبتمبر الذي كان مفترضاً ان يتم فيه اجتماع تحضيري بالقاهرة, وتتجه الانظار الآن الى موعد آخر في اكتوبر المقبل.
وليس من الواضح على وجه التحديد الشخصيات التي ستحضر وما إذا كان المجمع المعارض سيخرج بموقف موحد الى حين حلول الموعد الجديد,, وهل سينطلق قطار الوفاق من دون قرنق؟ واذا حدث ذلك ففي اي محطة سينتظره؟
وميزة المبادرة الليبية المصرية انها مفتوحة امام كل الفرقاء الحكومة والحركة الشعبية واحزاب المعارضة الشمالية بينما مبادرة الايقاد تجمع الحكومة والحركة فقط.
استحقاقات المرحلة
والمهم الآن ان عجلة الوفاق قد دارت وان استمرارها يستلزم التقيد بما تطرحه المبادرة من اجراءات تمهيدية مثل وقف الحملات الاعلامية بين الطرفين بغرض تهيئة الاجواء لاستحقاقات المرحلة المقبلة,, بل ان الاجراءات التمهيدية تطلب اكثر من ذلك حينما تشير إلى ضرورة وقف العمليات العسكرية، ويبدو ان ذلك يتفق مع ما اعلنته الخرطوم قبل شهور من وقف لاطلاق النار,, اي ان هناك معطيات طيبة وأرضا مهيأة يمكن الانطلاق منها.
غير ان الحسابات هنا وهناك قد تختلف ومثلما ان للاطراف السودانية حساباتها فان لكل من يهتم بالشأن السوداني خارجيا حساباته,, وربما بدا من الافضل ان تبادر الاطراف السودانية ذاتها الى الافادة من المعطيات التي توفرها كل هذه المبادرات ومن ثم الاضطلاع بمسؤولية الاختراق السلمي لصفوف بعضهم البعض اي سودنة المبادرة,, وازاء ذلك ربما تحققت الصيغة المثلى لايجاد حل سوداني للازمة السودانية وان كان بمساعدة الاشقاء والاصدقاء,, فالسودان يبقى في النهاية رهناً بارادة ابنائه لكنه يدرك ايضا انه موجود في محيط من الاشقاء والاصدقاء والاعداء ايضا.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
اليوم الوطني
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved