* بكين - ليزا مايندر - د,ب,أ
رغم الصورة التي ترسمها وسائل الاعلام الصينية الرسمية عن تأييد الشعب الصيني للحكومة في الذكرى الخمسين للحكم الشيوعي المصادف الأول من تشرين الاول (اكتوبر) إلا ان تلك الذكرى لاتعدو ان تكون بالنسبة للكثير من الصينيين سوى بضعة ايام من العطلة والمسيرات البهيجة.
ويقول احد اصحاب الاعمال المتأنقين وهو في طريقه لقضاء سهرة مع اصدقائه في العمل في منطقة سانليتون بالعاصمة الصينية ليس لدي ما اقوله عن الامر مناسبة قيام الصين الشيوعية .
والمعروف ان منطقة سانليتون تعج بالمقاهي الرثة التي تجاور مباني السفارات الاجنبية، وتجذب إليها الجيل الجديد من الشباب والاثرياء.
ويوافقه في الرأي احد سائقي التاكسي في العاصمة التي يجوبها ما يقدر بسبعين الف سائق اجرة ضاقوا ذرعا بالشوارع المكدسة بحركة المرور,
ويلقي هذا السائق باللوم على التخطيط السييء للمدينة من قبل الفاسدين من مسئولي الحزب الشيوعي! ولا يخلو كلامه من الكثير من الشتائم والعبارات البذيئة.
ويقول السيد لي شاكيا هراء! هل تظن ان الناس العاديين لديهم اي رأي في هذا الامر؟ ويقول لي ان منزله هدم قبل عامين بغرض تشييد بناء فخم يضم مكاتب (حكومية).
واجبرت ذكرى قيام الشيوعية الملايين من العمال غير الشرعيين في بكين على الاختباء بعيدا عن اعين الشرطة, ففي حالة القبض عليهم يتم نقلهم الى احد معسكرات السخرة القريبة حيث يجبرون على العمل الى حين جمع ثمن تذكرة القطار الذي يقلهم الى حيث أتوا.
اما الطالبة مينج فيزيا بجامعة بكين فتعد من الوطنيين القلائل, فمنذ سن السابعة انخرطت مينج في زمرة الرواد الصغار (وهو التنظيم الشيوعي الطليعي للاطفال), وفي الثالثة عشرة انضمت الى رابطة شباب الحزب الشيوعي، وكانت من بين قلائل من طليعة الطلاب الذين تم انتقاؤهم لادراجها في الحزب الشيوعي وهي لاتزال في الثامنة عشرة من عمرها.
واليوم تتحدث مينج 20 عاما طالبة الفلسفة بالجامعة بحماس بالغ عن كيف ان الشيوعية الصينية تطورت حتى صارت تفي بحاجات مليار و260 مليون من المواطنين السعداء.
وتقول مينج لقد شهدت الجماهير تحسن احوالهم المعيشية, وهم مدينون بهذا التغيير في حياتهم للحزب ربما لم يعربوا عن سعادتهم بالكلمات غير انهم يشعرون بالامتنان للحزب .
واما الموضوعات الشائكة مثل المظاهرات التي تقوم بها جحافل الموظفين الحكوميين الذين تم تسريحهم والتي تقوم الشرطة بسحقها بشكل معتاد، أو قضية اضطهاد المنشقين والجماعات الدينية بصفة مستمرة استعدادا لذكرى قيام الشيوعية في البلاد فيظهر انها من الواقعية بحث لاتستطيع الآنسة مينج ذات التوجهات المثالية ان تواجهه.
وتقول مينج التي تعلو وجهها ابتسامة انني مازلت طالبة ولم اقتحم غمار المجتمع بعد, غير انني اعتقد ان غالبية الناس تشغلهم الكيفية التي يمكن بها ان يعينهم الحزب على حياة افضل .
اما هدف الوصول الىحياة افضل فكان قبل اكثر من عقد من الزمان بغية رجل الاعمال لي هيو الذي اراد ان يحيا بعيدا عن الركود الفكري والمحسوبية التي يتسم بها الحزب, ويتذكر لي كيف انه اضطر لشراء الهدايا الثمينة لرؤسائه ودعوتهم الى العشاء الفاخر بين الحين والاخر حتى يتسنى له الفكاك من وظيفته الحكومية كقائد لاحدى رابطات الشباب الشيوعية بأحد المصانع في بكين.
ويقول لي البالغ من العمر 39 عاما متذكرا عمله السابق، الذي كان يتمثل في رصد توجهات واداء الاعضاء الشبان بالحزب، لقد كان الامر جد ممل، وكادت الرتابة تقتلني .
لقد ضاعت ثقة لي في النظام حينما عاقبه رؤساؤه عندما علموا برغبته في ترك الوظيفة، فقد امروه بالخروج الى الشارع وبيع بضائع تالفة بضعف سعرها في السوق.
وكان ان نجح لي ذو الحس التجاري القطن في بيع تلك المواد بخصم خاص وقام بشراء سلع اعلى جودة بالمال الذي حصل عليه ثم باعها مرة اخرى بربح.
وهكذا تسنى له في نهاية الامر ان يسدد التكلفة المضاعفة التي طالبه بها رؤساء الحزب الفاسدون وامتلك حريته واستفاد بالفائض من المال لاقامة شركته الخاصة التي تعمل في مجال التجديدات والاصلاحات في بكين في وقت لم يكن له منافسون في هذا المجال في السوق.
وفي بحر عام اصبح لي مليونيرا وانتهج اسلوب حياة الاثرياء المبذرين حيث قام بشراء اسطول من السيارات المستوردة وكان يأمر طباخه المفضل الذي يعمل بمطعم في الصين بالسفر بالطائرة الى اي مكان يرغب في ان يقيم فيه حفلا لعملائه خارج العاصمة.
ولم ينقض عام 1995م إلا وافلس لي اثر صفقة اعمال سيئة مع احد الشركاء من تايوان, واخرجته الاف من شركات الاصلاحات الجديدة التي قدمت تخفيضات كبرى على خدماتها، من الساحة.
ويقول لي لقد عدت الى البداية مرة اخرى، انني لا اشعر بالندم على ترك الحزب غير انني احتاج للتفكير مجدداً في شيء افعله .
اما بالنسبة لتشانج شيو احد الكوادر العسكرية 74 عاما والمتقاعد حاليا، فإن الذكرى الخمسين للثورة الشيوعية في الصين تحمل في طياتها ذكريات أليمة.
لقد كان تشانج من بين الجموع التي احتشدت في ميدان تيانا نمين لالقاء نظرة على ماو تسي تونج لحظة إعلانه مولد الصين الجديدة وفي ذلك اليوم الماطر من شهر تشرين الاول اكتوبر انهمرت الدموع من عيني تشانج فرحا بمعايشته تلك اللحظة التاريخية، وحزنا على الرفاق الذين راحوا ضحية الحرب الاهلية ضد الحكم الوطني السابق في الصين.
وبعد خمسين عاما ترتعش يدا تشانج شللا وتنهمر الدموع مرة اخرى بينما يسترجع السنوات العشر التي امضاها حبيسا في حظيرة للبقر بشمال الصين مع العشرات من ضحايا الثورة الثقافية في الاعوام 1966 - 1976.
وكان زملاء تشانج، الجندي السابق في جيش التحرير الشعبي، قد اتهموه بالخيانة لنجاته من أحد السجون الوطنية وخروجه منه حيا قبل نحو عقدين.
ويرجع تشانج الفضل للزعيم الراحل دينج شياوبينج في وضع حد لهستيريا صراع الطبقات والاخذ بسياسة برجماتية بعيدة النظر كان من شأنها البدء بالاصلاحات الاقتصادية.
وعلى الرغم من كل ما لاقاه علىايدي الحزب، لايزال تشانج الشيوعي المخلص يفزع لانحسار نفوذ الحزب بين جيل ابنائه.
ويقول تشانج:
انني اتجادل مع ابنائي، فهم يعتقدون ان الحزب الشيوعي الصيني لم يعد كما كان على عهدي، إنهم لايرون سوى النسبة الضئيلة من الاعضاء الفاسدين بالحزب، إلا انني اعتقد ان الامل مازال باقيا في جيل احفادي.
|