Monday 27th September, 1999 G No. 9860جريدة الجزيرة الأثنين 17 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9860


عمر أبوريشة ,, حياته وشعره ,, مع نصوص مختارة
اسم المؤلف: د, جميل علوش
عرض : حنان بنت عبدالعزيز بن سيف

عمر ابو ريشة شاعر كبير، والمعي بارز، وهو ذو شاعرية فذة، وذكاء مفرط، وحس دقيق مرهف، طرق الشعر من اوسع ابوابه فبرّز فيه، واعتلى وساد الاقران، وما ظنك بشاعر هو من طبقة الاخطل الصغير، وبدوي الجبل، والجواهري، بل هو يفوقهم حسا وذوقا، والحديث عن شاعر كمثل ابي ريشة حديث بلاشك مشوق مؤنس، فقد درج الناس على التلهف لمعرفة شخصيات المشاهير، وسبر اغوار حياتهم، والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم، وهذا الكتاب الذي بين يدي الان، يتحدث عن ابي ريشة متناولا حياته، طارقا ما فيها من عجائب وغرائب، متحدثا عن طباعه وسمات شخصيته، فهو يرسم له صورة حية نابضة ناطقة، نرى فيها رجلا طويلا، فارع القامة، نحيف الجسم، اشقر الشعر، له عينان نفاذتان، وحينما رأته الصحفية (نازك باسيلا) وهو شيخ في حدود السبعين قالت:
عمر ابو ريشة طفل سمهري القامة، لكنه رمادي الصدغين.
هذا ويطرق الكتاب ايضا باب الحديث عن شعره وشاعريته، ومميزاتهما، والبحث في سبب تفوقه وتبريزه، وقد افاض الدكتور الفاضل جميل علوش في الحديث عن ابي ريشة، وكان يعتمد على الصدق والصراحة، واضعا الشاعر في الميزان، وناظرا اليه بعين الاجلال والاحترام ، فقد كان معجبا به في حياته، وكان قارئا لديوانه، مستمعا منصتا لما يجرى له من مقابلات ولقاءات، ولم يمنعه ذلك من العدل في حديثه وبحثه عنه، ولاسيما في مجال تعليمه ودراسته وثقافته، فاليك تلخيص الكتاب، عله يحسن القصد، ويفي بالغرض.
- يقع الكتاب في مئتين واربع عشرة صفحة من القطع الكبير، وهو من طبع دار الرواد، والطبعة التي بين يدي هي الطبعة الاولى لعام 1994م وقد وضعه مؤلفه في بابين وملحق، والباب الاول يدور حول حياة الشاعر، ويتضمن ثلاثة فصول، الفصل الاول - عنوانه - عمر ابو ريشة وسيرة حياته,, ويذكر المؤلف ان هناك علاقة وثيقة تصل بين حياة الشاعر وشعره، فمن المعروف ان شعر الشاعر هو صورة صادقة لاحداث حياته، فقد كان لخوض - عمر - غمرات السياسة وركوب التيار الجماهيري، من خلال قصائده الفلسطينية وبخاصة قصيدته (بعد النكبة) والتي يقول في مطلعها:
أمتي هل لك بين الامم
منبر للسيف او للقلم.
اتلقاك وطرفي مطرق
خجلا من امسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمى عابثا
ببقايا كبرياء الالم
اثر كبير في اشتهاره، وانتشار صيته، بحيث اصبح اكثر جيله من الشعراء شهرة في حينه، ولم ينافسه في الشهرة الا الاخطل الصغير (بشارة الخوري) الذي بويع بامارة الشعر العربي بعد شوقي، فقد كانت شهرة عمر ابي ريشة حافزا لاقبال الناس على سماع اخباره، وقد كان في وسع عمر ان يستغل هذا الاقبال من سماع اخباره ، لكنه ساح بهم في جو ضبابي، وراح يحشد لهم كل غريب طريف من الاخبار، واذا كانت الغرابة والطرافة مستحسنتين في الشعر، فهي هنا من مقاتل الرواية الاخبارية، والتوثيق التاريخي، وهما يجب ان تقوما على الصدق والواقعية لاعلى الغرابة والطرافة، ثم يقر المؤلف حقيقة مهمة وهي قوله لقد تتبعت ماكتبه الآخرون عنه وما كتبه هو عن نفسه من خلال المقابلات الصحفية، فلم اجد في كل ذلك حقيقة واحدة يمكن استخلاصها والدفاع عنها، فقد جعل المؤرخين يختلفون حول تاريخ ميلاه، وحول مكان ولادته وحول نسب والدته، وحول موضوع تخصصه وحول الشهادات التي حصل عليها ، واما نسبه فهو ينتمي على حد قوله الى عشيرة عريقة هي عشيرة الموالى، وامه تنتمي الى اعرق الاسر في عكا، وتذكر بعض المصادر في التعريف بعشيرة الموالي: انهم اصحاب مجد مؤثل، وبأس شديد، انحدروا من آل حيار بن مهنا بن عيسى، وهم من سلالة فضل بن ربيعة من طي، نبت فيهم الشعر الجميل في القديم، وكان لهم في عهد العثمانيين صولة ودولة، وكما اختلف المؤرخون في الحديث عن نسبه، اختلفوا في الحديث عن تاريخ ولادته، فلم يتفقوا على تاريخ محدد، فقد ذكروا انه ولد في عام 1908م وقيل: 1910م وقيل: 1912م ومكان ولادته قيل انه في منبج وقيل انه ولد في عكا وقيل انه ولد في حلب.
واما مسيرته التعليمية: فقد الحقه والده بمدرسة النموذج الابتدائية، ثم دخل الجامعة الامريكية في بيروت سنة 1924م وعاد نهائيا من انكلترا سنة 1931م او 1932 وموضوع دراسته الجامعية يثير الحيرة ايضا، فكأنه اصبح لغزا من الالغاز، فقد ذكر احمد الجندي انه تخصص في علم الكيمياء الصباغية، وذكر سامي الدهام ان والده اختار له النسيج والصباغة، وذكر عبدالله يوركي ان والده ارسله لدراسة الهندسة ومن حيث ثقافته تشير المصادر التي ترجمت له اشارات خاطفة لثقافته ومنها.
1 - تعلم عمر في المدارس الابتدائية في حلب، وتعلم فيها ما يتعلم انداده من الطلبة القراءة والكتابة والحساب والانكليزية او الفرنسية.
2 - لم يدرس عمر اللغة العربية الدراسة العميقة التي تحسب له ان يحسب من جملة علمائها.
3 - تأثر عمر بوالديه، لاسيما فيما كانا يتلوانه من الشعر الصوفي، وفي ذلك يقول عن نفسه:
(في البيئة الصوفية حيث نشأت، اتيح لي الاصغاء ، وانا بعد طفل، الى اناشيد لم اكن اسمع مثلها في غير تلك البيئة، فأرددها برفقة اهلي، واصدقاء اهلي، دون ان ادرك ابعاد معانيها .
4 - اطلاعه على الشعر الانكليزي، الشعر العالمي,.
5 - وظيفته حيث كان سفيرا او وزيرا مفوضا مكنته من التنقل في اطراف الارض، والاحتكاك بعدد من الامم والشعوب، فقد كان يتقن عددا من اللغات ويرفض قراءة الشعر مترجما، ويصر على قراءته بلغته.
انتاجه الادبي، اولا الشعر ويتضمن كتبا كثيرة منها: ديوان شعر بعنوان من عمر ابو ريشة شعر ديوان بعنوان - مختارات، مجموعة شعرية بعنوان امرك يارب ، واخرى, غنيت في مأتمي وثالثة من وحي المرأة .
وثانيا: المسرحيات الشعرية، ومعظم هذه المسرحيات لايتجاوز العلم بها خبرا هنا او هناك، وبعضها لم ينشر منه الا فصل واحد، وبعضها نشر فصلا في ديوان شعر، واهم هذه المسرحيات:
1 - مسرحية (ذي قار) صدرت في حلب سنة 1931م.
2 - مسرحية محكمة الشعراء، سميرأميس ، الطوفان وغيرها.
وقد توفي عمر ليلة الاحد 15/7/1990م بعد اصابة دماغية، لزم الفراش على اثرها مدة سبعة اشهر، وبعد وفاته نقل جثمانه من الرياض الى حلب، ثم أقيمت له مآتم التأبين في حلب ودمشق، وكان عمر شغل الناس في حياته ومماته، فهو علم بارز، وراية خفاقة.
ثم انتقل المؤلف الى الفصل الثاني، وقد عنون له بالعنوان التالي: عمر ابو ريشة صفاته وطباعه، ويقول فيه: (الذي يلفت الانتباه في عمر، انه ليس انسانا سهلا كغيره من الشعراء الذين يكتفى في عرض صفاتهم وطباعهم بالقليل الموجز من الكلام، ذلك لان عمر شخصية متعددة الجوانب، وتتضمن من الصفات والطباع ما يدعو الى الحيرة والذهول، ويخيل الى ان عمر كان فيما يصدر عنه من احاديث وتصريحات، يحاول ان يصف شخصيته، ولكنه كان عاجزا عن ان يقدم وصفا مقنعا لهذه الشخصية، فيروح يتشبث بكل غريب عجيب من الاحداث والوقائع، يجسم بها نزعات مبهمة تتصارع في نفسه، ولكنه يبقى في النهاية واقفا على اعتاب تلك الشخصية الغريبة، التي لا يمكن ان يصل الوصف مهما كان دقيقا الى ان يستوعبها، او ان يحيط بخفاياها، ثم علل المؤلف سبب هذه الغرابة بقوله: (ذلك لان عمر رجل عبقري، وشخصيات العباقرة العظام لاتكون دائما قائمة على الانسجام والتلاؤم كما نحب ونهوى او كما نأمل ونتوقع) ومن الصفات البارزة التي تتسم بها شخصية عمر هي على النسق التالي:
- الكبرياء: وهي من اكثر السمات اهمية، فله كبرياء على المستوى الشخصي والوطني، فهو يكثر من الحديث عن عراقة اصله بصورة لا نجد لها مثيلا عند غيره من الشعراء، وهو لا يترك مجالا دون ان يتطرق الى ذكر الكبرياء والاشادة به، فيقول:
كانت له خيلاؤه ايام لم
تهتك بنات الدهر حرمة داره
كما يقول في قصيدته (بعد النكبة):
أتلقاك وطرفي مطرق
خجلا من امسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمى عابثا
بيقايا كبرياء الالم
- التفرد: يعبر عمر عن نزعة التفرد في كل سانحة وبارحة، وهو لايترك مناسبة دون ان يشير الى انه يملك من الصفات والسمات مالا يشاركه فيه احد، ولو اضطره ذلك لان يلجأ الى المبالغة والتهويل في رواية الاخبار، وتحليل الاحداث، فهو مثلا يقلل من قيمة كبار الشعراء العرب، فيحط من قيمة ابن الرومي، يزعم انه شاعر مدرسي ، ويتهم البحتري بانه شاعر متسول، ويصف ابا تمام بانه شاعر تركيبات، وهذه النزعة تغلبت على كل النزعات الاخرى، التي تضطرم في نفس عمر.
- الغرابة والاغراب: وقد لمست وجود هذه الصفة فيه الصحفية اللبنانية المعروفة نازك باسيلا، حيث قالت: عمر ابو ريشة يغير المقاييس، يقلب الاشياء، رأسا على عقب، يبدل نظراتنا المألوفة ،وعمر ابوريشة غريب حينما يتحدث عن اصله ونسبه غريب حين يتحدث عن دراسته، غريب حين يتحدث عن عمله.
- التناقض حيث يقع فيه عمر دون ان يتحرج او يراجع نفسه، ونلاحظ هذا التناقض في تصريحاته التي تتسم بكثير من عدم الاتساق مع المقبول والمتعارف عليه.
- ايمانه بالمساواة وعدم التمييز: فلم يكن ابو ريشة يفرق بين لون وجنس ولعل لتربيته السمحة، وتجواله الطويل في الافاق والاقطار سببا في ذلك، ولم يكن هذا الايمان بالمساواة وعدم التمييز منحصرا في صدر عمر، بل دخل في شعره ايضا.
- الوطنية: حيث عرف عمر بشعره الوطني والقومي، ولعله بز المعاصرين في هذا الجانب، وبخاصة ما نظمه في القضية العربية عامة، وفي نضال سوريا من اجل الاستقلال، وفي قضية فلسطين، فقد كان ينظم القصيدة في فلسطين كأنه ينطلق من قلبها، وينطق على لسانها، وحسبنا ان نشير الى قصيدته (أمتى) والتي اطلق عليها عمر اسم (بعد النكبة)، وسماها بعضهم (نخوة المعتصم) ومطلعها (كما سبق):
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف او للقلم؟
حزنه وتشاؤمه: الحزن هو ميراث بين كل الشعراء، فعمر لم يكن فقيرا ولا محتاجا، وكان مع ذلك يشكو الحزن،و التشاؤم، ويبدو انه كان يعاني من اشكالات نفسية يورثها الطموح والامال الكبيرة، وفي ذلك يقول:
خففي الوطء ياهموم فاني
ماوطئت العشرين الا قريبا
أنت اضنيتني بميعة عمري
أنت علمتني البكا والنحيبا
هذا وينتقل المؤلف الى الفصل الثالث وعنوانه: عمر ابو ريشة في غرائبه وعجائبه ويقول فيه المؤلف: وكنت قد جمعت عددا لابأس به من غرائب عمةر واعاجيبه من خلال ما كنت اتلقفه من اقواله التي كان ينثرها في مقابلاته الصحفية والاذاعية والتلفازية، ولا بد لي ان اورد شيئا من هذه الغرائب والاعاجيب) ثم ذكر منها:
1 - زعم عمر انه القى ثماني محاضرات عن شواعر العرب في الجاهلية، في الجامعة الامريكية في بيروت، ولوكان عمر القاها لما كانت خبرا مكتوما ولا حديثا مجهولا.
2 - زعم مرة انه عضو في جمعية ادبية ليس غيره عضوا فيها.
3 - زعم في تقديمه لاحدى قصائده، انه دخل غابة في البرازيل لم تطأها قدم انسان، فوقعت عينه على حفرة، فدخل فيها، ثم شاهد قصورا سحرية مضاءة بالثريات، ثم وصف هذه القصور، ومن وحي هذه المشاهد نظم قصيدته المعروفة (كوبا كبانا)
4 - زعم انه اثناء وجوده في الهند كشف عن 63 شاعرة، و150 او 160 شاعرا لم يسمع بهم احد، ولكنه لم يذكر اسم شاعر ولا شاعرة من هؤلاء.
5 - نجد في الصفحة الاخيرة من ديوانه الصادر عن دار الاديب في بيروت سنة 1947م خبرا عن مسرحيتين شعريتين هما: الحسين بن علي، وسمير اميس، وما زالت المسرحيتان مجهولتين حتىالآن.
وقد ذكر المؤلف في هذا الفصل كثيرا من غرائب عمر واعاجيبه، ووضعها تحت النقد والتمحيص، ثم ختم الفصل بقوله: عمر نمط اخر من الشعراء يعيش دائما في حلم، مع ان شعره قوي ومتماسك ومقنع، من اين جاءه هذا التناقض؟ كيف يكون دقيقا في شعره، وغير دقيق في سرد وقائع حياته؟ ان هذا من متناقضات عمر التي ينبغي ان تحل، ومكنوناته التي يجب ان تكشف، ولن يكون كفيلا بذلك الا علم النفس والاطباء النفسيون الذين لهم خبرة في تشخيص هذه الادواء، ووضع اليد على اسباب هذه العقد، رحم الله عمر فقد كان عالما مستقلا مليئا بالغرائب والاعاجيب).
ثم شرع المؤلف في الباب الثاني، واستهله بالفعل الاول وعنوانه عمر ابو ريشة شعره وشاعريته وفيه يقول المؤلف: لاشك ان شعر عمر وشاعريته هما معجزته الكبرى، التي بوأته هذه المكانة الراقية السامية التي استطاع ان يتبوأها في الوطن العربي، فقد انتشرت اخبار شعره وشاعريته انتشار النار في الهشيم، فشعر عمر وشاعريته هما معجزته الوحيدة، ويخطىء عمر حينما يحاول ان يبحث عن هذه المعجزة في دراسته وشهاداته الجامعية، او في عمله الديبلوماسي، او في عدد اللغات التي يتقنها او في عدد الاجانب الذين درسهم واطلع على شعرهم، فشعر عمر هو سبيله الى الشهرة والمجد، ولا يكاد يختلف اثنان من النقاد والمهتمين بقضية الشعر على ان عمر ابا ريشة من كبار شعراء العصر، وهو من الشعراء الذين يشار إليهم بالبنان، فهو موضع اجماع مختلف الفئات والمذاهب الشعرية، وقلما تنكر له احد، ومن اهم العوامل التي اسهمت في بلوغ عمر هذه المكانة الراقية في الشعر هي:
1 - موهبته الشعرية الخصبة التي لا يختلف فيها اثنان.
2 - خلو الساحة الادبية في سوريا من شاعر كبير منافس لشوقي وحافظ ومطران في مصر، والزهاوي والرصافي في العراق.
3 - احتفاظ عمر بخط متوازن بين مطالب المحافظين ومطالب المجددين.
4 - هذا الى صفات اخرى في عمر، مكنته من ولوج باب الشهرة بسهولة ويسر، منها: حسن الانشاد، جهارة القول، القدرة على المواجهة، الجراءة في التعبير عن الرأي.
ومما لاشك فيه ان الموهبة الشعرية او الشاعرية عند عمر لم تنشأ من فراغ، بل كان لها من المكونات ما اسهم في نشأتها ونموها، ومن اهم هذه المكونات:
الناحية الوراثية والبيئة الشعرية والبيئة العلمية واتصاله بالثقافات الاجنبية والشعر المهجري.
واما موضوعات شعره، فليس من المستطاع حصر شعر عمر في موضوعات محددة، ولكنا نستطيع ان نقول انه نظم في الوصف والتأمل واستيحاء المرأة والطبيعة والتاريخ، علاوة على شعر الوطنية والقومية.
هذا وتنقسم مراحل شاعريته الى ثلاثة اقسام:
1 - دور الاستظهار والتوليد، وهو من المدرسة الابتدائية حتى الجامعة الامريكية في بيروت.
2 - دور المحاكاة والتقليد، اي منذ دخوله الجامعة حتى عودته من لندن.
3 - دور الابتكار والتوليد، اي منذ تاريخ عودته الى سوريا، حتى دخوله السلك الدبلوماسي.
ففي الدور الاول كان يستمع الى ما يلقيه على سمعه والداه، والبيئة التي كان يعيش فيها اما الدور الثاني، فقد اخذ عمر يصوغ القصائد التي يعارض فيها الجاهليين وابا تمام وشوقي, واما الدور الثالث فقد برزت فيه موهبة عمر بروزا ظاهرا، واخذ يطلع على الوطن العربي بقصائد تتجلى فيها الموهبة الشعرية الرفيعة على الرغم من ان بعض هذا الشعر لم يكن يخلو من الاخطاء اللغوية والمزالق الاسلوبية، وكان عمر يحس هذه الاخطاء، فيعود عليها بالتصحيح والتنقيح، وقد يحذف اجزاء كبيرة منها، وقد يتخلى عنها تخليا نهائيا، ويتبرأ منها الى الابد، فلا يعود اليها في دواوينه الجديدة.
وخلاصة القول ان عمر شاعر كبير، ولكن قصر به عن بلوغ ذراه انهماكه بمشاغل الحياة ومطامعها، وعدم اخذه العربية عن عالم ثقة وتلهيه عن ذلك بالحديث عن التخصصات العلمية والدرجات الجامعية ودراسة اللغات والبحث عن المخطوطات، وعبثا حاول عمر ان يبحث عن معجزته في غير شعره، وبيانه العذب الجميل.
واما الفصل الثاني من الباب الثاني فعنوانه: عمر ابو ريشه وفكرة التجديد في الشعر ويذكر فيه مؤلفه ان عمر اباريشه جاء فألح على فكرة التجديد اكثر من غيره، ورددها كثيرا في اقواله واحاديثه، بل في شعره، وكان يتحدث عن هذا التجديد بكثير من الحدة والعصبية من جهة، وبكثير من الاعتزاز والاعتداد من جهة اخرى، وقد اتخذ هذا الحديث عن التجديد المناحي التالية:
1 - مهاجمة القدماء واساليبهم في القول، وعنايتهم بالمحسنات البديعية، وعلى رأسها الجناس.
2 - مهاجمة كل من ينسج على منوالهم من شعراء العصر.
3 - الدعوة الى شعر جديد، ومعان جديدة.
4 - ترديد كلمة التجديد في كل مناسبة، وبحدة تصل حد الهوس.
ومن اهم الاسس التي يقوم عليها التجديد عند عمر هي: الصدق، الوحدة العضوية، الصورة الفنية، الموسيقى اللفظية، الفكرة الشعرية.
ويلي هذا الفصل - الفصل الثالث وعنوانه: التجديد ومظاهره في شعر عمر ابي ريشة.
فاذا تفحصنا شعر عمر، ونظرنا في اوزانه وقوافيه، نجد بانه جدد في موضوعات شعره، وفي صورته الشعرية، وفي موسيقاه الشعرية، وفي معانيه الشعرية ايضا، فعمر شاعر عربي كبير يقف على رأس مذهب شعري رفيع، ولو التمسنا سمة بارزة له ولشعره، لقلنا انها الطرافة، فهو شاعر طريف في صوره وخيالاته، طريف في افكاره وموضوعاته، طريف في صياغته الشعرية التي لا نجد لها مثيلا لا في قديم ولا في حديث، وقد بلغ في الشعر مرتبة راقية، قل من يستطيع ان ينافسه فيها.
اما الفصل الرابع فعنوانه الصورة الفنية في شعر ابي ريشة فالحديث عن الصورة الفنية في الشعر هو طراز العصر، فقد شغل النقاد انفسهم بالحديث عن الصورة الفنية في الشعر، حيث كثرت الكتب والمؤلفات في ذلك ، وقد يكون من السهل ان نغفل الحديث عن الصورة الفنية عند شعراء كثيرين معاصرين وقدماء، ولكنه ليس من السهل اغفال الحديث عن الصورة الفنية في شعر عمر ابي ريشة ذلك لان جل مجد ابي ريشة الشعري يقوم على هذه الصورة وينبثق منها، والصورة الفنية عند عمر تبدو جميلة، وكثيرة العمق، والقدرة على التأثير، لان عمر جعلها دأبه وديدنه، وقد استخدم عمر في صياغة صوره الفنية كثيرا من الوسائل الخاصة به، مثل: التشخيص، والتجسيد والتجسيم، والتكثيف، وانتقاء الالفاظ الموحية، واما خصائص وسمات صورته الفنية فهي التالية: التهويل، الاكثار من ذكر الالوان، الدقة والضبط، التعبير عن الحقيقة، شمولية الصورة، استخدام الصور العاطلة اي: الخالية من ادوات التشبيه واركانه واغراضه واخيرا طرافة الصورة.
ثم ختم المؤلف كتابه بخاتمة قال فيها: (كل ما نقصد اليه في هذه الخاتمة هو فتح النوافذ على هذا الشاعر الكبير، وسبر امكانيات التأليف فيه في المستقبل، لمن يؤنس في نفسه الكفاية على ذلك، اذ ان عمر شاعر كبير، وليس من المعقول ان يستطيع احد ان يفي شاعرا كبيرا حقه من القول، مهما كتب ومهما طوف في شعاب البحث).
والى هنا عزيزي القارىء وصل المؤلف الى نهاية كتابه، وقد التزم بامرين اثنين في كتابه، وهما: الصدق والصواب، وقد مكننا الباحث من التعرف على هذه الشخصية العظيمة، والالمام بكثير من جوانبها الشخصية والابداعية.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved