* لو كان الفقر طائرا يطير بجناحيه، لقلت ان جناحيه هما السفر والسهر! فالسفر والسهر اسمان لفعلين يشتركان في حرفين بدءا ونهاية هما السين والراء، فطبيعتهما واحدة هي المواصلة والسرمدية والاستمرار, وكان مجتمعنا قبل ثلاثين سنة تقريبا لا يعرف السفر والسهر بالمفهوم الذي أدمنه جيل اليوم، فهما اليوم بدون غاية بدون هدف، بدون نتائج نافعة!, لقد جُردا من منافعهما واصبحا خاويين!, نقوم بفعل السفر والسهر لمجرد النزهة وتزجية الوقت وتسلية النفس!
كان السفر لطلب العلم والعلاج والتجارة والجهاد والدعوة في سبيل الله، فاصبح اليوم لغاية واحدة هي السياحة الخالية من معاني قول الله تعالى: (قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق) 20/ العنكبوت, واصبح هم الانسان حين يسافر طعامه وشرابه ومتعه المتعددة، بل بات السفر احد ابواب الصرف الواسعة التي تأكل ميزانية الفرد، وميزانية الاسرة، واخذ الشباب يوفر من راتبه ليسافر، فتدور السنون وجيبه مخروق لا يحفظ مالا ولا يُبقي دخرا للايام! وكلما زادت وسائل الاتصالات والمواصلات والفضائيات، زادت بالتالي انشطة السفر الفارغ من معناه ومحتواه، والذي ربما كان سببا رئيسا في اضاعة الدين والدنيا معا!, وفي السفر اليوم من المخاطر على صحة العقل والدين ما لا يدركه الا من عرفه, ومن الاسف ان اكثر من يغره سراب السفر هم الشباب، وهم عادة اغرار غير ناضجين ولا مجربين فيقعون دائما ضحايا لاخطار السفر التي لا تحصى ولا يسلم منها الا من عصم ربك ورحم!.
والسهر ايضا عادة شبابية ابتلي بها جيل اليوم الذي لا يسهر لعبادة او قراءة او تأليف وابداع ينتهز فيه هدؤ الليل وسكونه فيحمد في صباحه سراه!
بل يسهر في ثرثرة وتزجية وقت ومزاح وضحك، فتشرق عليه الشمس، ويصدق عليه قول الشاعر:
ينام الضحى حتى اذا نومه استوى تنبه مثلوج الفؤاد مورما! |
ويغرم شباب اليوم بالسهر غراما كغرام قيس بليلى! وكانوا يحيون ليالي رمضان بالسهر الفارغ، فأخذوا يُحيون العطلة الصيفية بالسهر الفارغ.
وربما طالبنا الجيل القادم بجعل الدراسة والعمل ليلا ليسهر العام كله وينام النهار كله!, لقد جعل الله الليل لباسا وسباتا وجعل النهار معاشا ونشورا، فلماذا نعدل عن الفطرة التي فطر الله الحياة والناس عليها لنقلب الواقع ونغير الاشياء، ونستبدل الادنى بالذي هو خير,,!
وهذا الشاب الذي سهر الليل واحسنا به الظن فصلى الفجر ثم نام! اين هو عن رجال السوق الذين ناموا الليل فلما صلوا الفجر حضورا، بكروا للرزق ، فاشتروا وباعوا وعملوا وانتجوا، فما اضحى ضحى الغد الا وقد رزقهم الذي أقسم بالضحى رزقاً وافراً وخيراً كثيراً، بينما ذاك الذي سهر الليل ونام النهار تعطل معاشه وانقطع رزقه؛ لانه سهر في وقت السبات والسكون، ونام في وقت المعاش والنشور!, الشاب الذي يريد ان يطير بجناحي السفر والسهر نهايته وان حلَّق عاليا السقوط في وادي الفقر الذي لا تطير طيوره الواهنة الكليلة!
على الناصية!
* ادركني الظمأ قرب احد الاحياء، ودخلت مركزا للتموين، واشتريت علبة ماء، ووقفت اشربها على ناصية الشارع! فجأة تقف امامي سيارة بها اربعة شبان، واشار لي الراكب الامامي، وظننته يستفسر عن الطريق، فأقبلت عليه، فنزل وقابلني، وهو يقول بشيء من العجلة الممزوجة بالحيرة:
- عشرين ريالا فقط ،لوسمحت، حق البنزين، نريد الذهاب الى محافظة(,,,) وليس معنا حق البنزين!!
- أبشر، هذي عشرون ريالا!
وتناولها بسرعة، ورجع للسيارة وركب، بينما الشباب الآخرون قد صرفوا وجوههم الى الجانب الآخر,.
صورة عجلى التقطها القلم، وقد يعبر عنها بوضوح لا تملكه آلة التصوير,,!
عبدالكريم بن صالح الطويان