رغباتك الجامحة,, من يؤججها حريقاً فيك؟ محمد العثيم |
مسكين أنت لا تقاوم,, كل شيء ممكن ويمكن الحصول عليه,, عروقك أحيانا تضيق عن سقياء رغبات لأنك من عالم صحراوي جاف ثقافته القريبة حسن إدارة المورد لا تبديدها,, كيف انحدرت يا أخي لتدفعك عربة الرغبة بدل أن تجرها أم أنك مرغم في هذا العالم الجشع الذي لا تحسن التعامل معه.
القاعدة الذهبية في هذا السياق أن أموالك أغلى وأثمن من كل ما في سوق العرض من فخاخ اصطيادك.
عالم الاستهلاك لا حدود للحاجة فيه ولا حتى على أطراف شح الموارد,, وفي عالم الاستهلاك قد تخلق الأشياء حاجتها ولذلك فقيادة حياتنا الاستهلاكية بيد قائد عربة الرغبات مع أن عالم الرغبات عالم أعمى من العاطفة - غير العقلانية - الذي تدفعه الحاجة,, وفي كثير من الأحيان ليست الأمور بيدنا أو كما نريد وإذا لم نبادر وندير عجلة توجيه حاجاتنا في عالم السوق المفتوح فنحن في ورطة حقيقية - لأن الضغط الذي نقع تحته لنمارس الشراء والاستهلاك ضغط لا قبل للفرد به؛ هذا الضغط تنفخه آلة عظمى معقدة التركيب من السياسة والاقتصاد والاتصال بكل أنواعه المعاصرة.
عالم مطلق مثل بحر هائج مائج لا ندري كيف يتصرف بقارب فوقه هو حياتنا كأفراد أو جماعات صغيرة.
كل واحد منا يريد منزلاً مطلقا لا نعرف حدوده,, ويريد أثاثا مطلقا لا نعرف شكله أو كميته أو جودته قبل وصوله,, ويريد أجهزة لعمل الأشياء لا نهاية لها,, ويريد - كل منا - أن يخلص من مثيلات تلك الأشياء التي يملكها الآن لانها تقادمت في أعيننا كما تحثنا على ذلك الصرعات والإعلانات وتمويلات الشراء بالدين (المدعمة بنفخ الإعلام ومكنة البنك الطاحنة) وكل سلعة أو خدمة نشتريها يثبت لنا بعد فترة أنها مرادفة لاسم الرداءة والغش والتدليس لأن عمر السلع يختصر بفعل فاعل والفاعل خطير من أساتذة ومهندسي سرقة الجودة من أجل الاستهلاك السريع.
الفاعل ليس فردا بل، عصبة من التجار والصناع والمستوردين غايتهم ايصال السلعة إلى يديك وسلبك ما بها واذهب مع سلعتك إلى الشيطان أو حيث تريد فموعدك الزيارة القادمة للسوق لتستبدل كل أجهزتك الكهربائية وفرش منزلك بأسوأ منها ولو استطاعوا لسهلوا لك أن تستبدل نفسك.
ولأننا مطلقون - في عالم ما بعد الحداثة المطلق (الما بعدية),, عالم لا حدود له في الفتق الكوني (الانفجار المتمدد) الذي خلق الله منه الكون,,
أقول أن ما بعد الحداثة تعطي مفاهيم كونية للطلب وضرورته فقد نطلب بلا حدود ونجد لدينا أشياء لسنا بحاجتها أو أن هناك من الإضافات للسلعة ما يجعلها غير متناهية الأطراف,,
وبنفس الوقت أن تخسر أو تربح بدون جدية أو نهاية,, - أقول لأننا في عالم من هذا التصور فعلينا النظر في أسلوب جديد في التعامل مع هذا العالم أسلوب من أساليب البقاء أمام الوحش الجبار وآلة الهمج,,
ولا شك أن جدنا القديم واجه الأسد بالترحاب في غابته لكن الأسد اقتنص أولاده فاخترع - غفر الله له - الرمح ليقاومه.
ماذا ستخترع أنت اليوم لمقاومة أسد الرغبات الفاغر فاه ليلتهمك أم أنك لا زلت تحسبه يبتسم كما افترض شاعر العرب المتنبي.
الاستهلاك الجشع والترف المصطنع يفترض مقاومة,, وهذه المقاومة ليست تخلفاً بل هي حضارة وحرص ورعاية لاقتصادنا الوطني وهي خطوات لن تبدأ بها الدولة قبل أن نبدأ بها أفرادا بالتنازل عن القيم والترفيهية والتفاخرية والتبذير والإسراف المنهي عنهما شرعا والعودة لعقل الملكية المتزن الذي يدير الموارد للحاجة لا للرغبة وكما قتل جدنا الأسد علينا أن نقتل عالم الرغبات في أنفسنا قبل أن يقتلنا ويقتل أولادنا تحت عجلته الطاحنة.
|
|
|