بكل عفويتها، وبساطتها، وجمالها الخاص جدا ظهرت الفنانة (سماح انور) المصابة بجرح لايندمل على شاشة التلفزيون لتقول: انني الآن انسانة معوقة! ولكني ارجو من الآخرين الاينظروا الي نظرة اشفاق! كنت في السابق انظر للمعوقين نظرة هي مزيج من الشفقة والتذمر, اما الآن فانا واحدة من هؤلاء, تبدأ قصة سماح عندما طاردتها سيارة شرطة قبيل الفجر وهي في طريقها الى الفندق الذي ستلتحق فيه بزملاء لها ولأن (المطارد) بفتح الراء لايملك الا ان يهرب تبعا لرد الفعل الانساني المحض الذي تحركه ميكانيزمات محددة فقد طارت بسيارتها طيرانا افقدها السيطرة عليها لتضرب جسرا جعل سيارتها حطاما وحاصر الحديد الساخن رجليها بينما كان رجال الدورية يبحثون عن (الممنوعات) في سيارتها! وحين فرغوا من مهمتهم استدعوا رجال الاسعاف الذين وجدوا البنت في غيبوبة ولحمها ممزق!
في المستشفى افاقت سماح فوجدت اهلها يحيطون بها مع طاقم الاطباء الذين ابلغوها بكل مرارة بقرار صعب ومذهل وصاعق: انهم قرروا بتر ساقها! وان الساق الأخرى ستجرى لها عمليات ترميم صعبة ولكن ممكنة! لتذهب في غيبوبة اخرى!
اما رجال الدورية فقد بلغوا الصحف ووسائل الاعلام بأنهم عثروا في سيارة الفنانة على كمية من نبات (البانجو) المخدر! وانهم ينتظرون قرار الاطباء في امكانية استجوابها ومن ثم عرضها على النيابة! وهللت الصحف لهذا النبأ واوردته كما رواه الضباط بدون ان تعلم هذه الصحف ان ثمة جراحا مؤلمة كالسكاكين ترقد مع الفنانة في غيبوبتها وفي صدر امها ووالدها ومحبيها والجماهير التي اصيبت بالذهول لهول الحادث الذي سينهي علاقتهم بفنانة طالما اسعدتهم بطلتها الحلوة وادائها الممتاز وتواضعها وانتمائها للناس الذين يعانون في سبيل الرزق ضمن طاحونة الحياة في القاهرة المدينة التي يسكن جزء ضخم من مواطنيها في المقابر ولايستطيع نصف سكانها الحصول على وجبة غذائية في اليوم تكون متوازنة ومغذية ويكتفي البعض بالرغيف الجاف!
ظهرت (سماح انور) بكل اشراقتها لتقول ردا على احد السائلين: انني لن استطيع التمثيل لأن رجلي التي يفترض ان امشي عليها لايحتمل كاحلها الاصطناعي هذا, ولكن سأعود الى الفن كمخرجة, فقد استغللت فترة وجودي الطويلة في امريكا بدراسة التقنيات التي تؤهلني الى جانب خبرتي لهذا العمل.
اما عن احاسيسها في لحظات القرارات المؤلمة التي يبلغها اياها الاطباء فقد قالت: إن الله يمنح الانسان هدوءا وطمأنينة بحجم مصيبته, وهذا ما منحني اياه تعالى, كان القرار في البداية مثل الجنون! ولكن الله وقف الى جانبي.
هذا الذي حدث للفنانة (سماح انور) هو درس مضيء للمبدعين لابد انه وصل اليهم! الاصرار على المضي في العمل الذي تعشقه رغم المصاب المذهل ورغم تناول وسائل الاعلام له من زاوية بوليسية يمكن تفكيكها بحيث نرفع اصابع الاتهام لعدة جهات! من ضمنها سؤال يدور على ألسنة الناس: هل يكتفي الصحفي برواية البوليس الذي لم يبلغ رجال الاسعاف الا بعد ان تآكلت رجل المطاردة؟ ومن يضمن ان كمية (البانجو) المضبوطة تخص المصابة اذا لم يكن على مسرح العمليات سوى البوليس؟ وهل سلوك رجال البوليس في هذه الحادثة هو ضمن مسئوليتهم كسلطة تنفيذية ام ان رد فعلهم المتمثل في ابلاغ الوسائل الاعلامية بالعثور على المخدر وانهم ينتظرون قرار الاطباء بالسماح لهم بعرض المصابة على النيابة هو عمل ليس ضمن اختصاصهم من جهة ولايعطي الصورة الانسانية التي يجب ان يتحلى بها المواطن تجاه هذه الحوادث اذا كان رجل الشرطة مواطنا قبل كل شيء؟!, ويبرز سؤال آخر: اذا كان لدى رجال الدورية علم مسبق بما في حوزتها والمكان الذي ستذهب اليه فلماذا تجري مطاردتها بشكل شخصي بحت؟ إنني لا اعطي رجال البوليس دروسا فهم مؤتمنون على اشياء ليس بإمكاني انا او غيري الحفاظ عليها مثلهم وبنفس كفاءتهم واخلاصهم, ولكنني اعطي رأيا شخصيا فيما يخصني كمبدع يتلخص في سؤال اوجهه للاخوة في الشارع المصري: هل هذا الاستهداف لاشخاص الوسط الفني له مبرر اخلاقي ام انه ناتج عن احساس رجل الشارع بأن هؤلاء الاشخاص فاسدون ويأكلون اموال الناس ويتمتعون بما لايستطيع هو ان يحلم به؟ واذا كان ذلك كذلك فما رأي رجل الشارع المصري في الاوساط الاخرى التي تملك من النفوذ غير القانوني اضعاف ما بيد الوسط الفني؟
اننا لسنا اطهارا كالملائكة لنحاكم الناس على خطاياهم, ولنا رب اسمه الكريم, يحاسبنا هو ويقرر مصيرنا, وبيده وحده يأخذ الناس اما الى النعيم واما الى النار, والمبدع مثل سائر البشر يخطىء ويلتزم ويكذب ويقول الصدق ويثري بالحرام ويكسب بالحلال فلماذا نضعه في قدر ونغليه وننضج لحمه كي نطهره؟!
حسبنا الله ونعم الوكيل!
|