Monday 11th October, 1999 G No. 9874جريدة الجزيرة الأثنين 2 ,رجب 1420 العدد 9874


البردوني,,يتيم (أرض بلقيس) *
عبدالمحسن بن علي المطلق
الرياض


من (ارض بلقيس) هذا اللحن والوتر
من جوها هذه الانسام والسحر
يا امي (اليمن) الخضراء,, وفاتنتي
منك الفتون، ومني العشق والسهر
وحسب شاعرها منها- إذا احتجبت
عن اللقاء - انه يهوى، ويدكر
مدخل
قبل أيام (1) غيب الأجل- المحتوم لكل اجل كتاب -,, من كان يعتبره أهل القريض ب آخر عمالقة الشعر في هذا العصر: عبدالله البردوني - 1348/1420ه_ رائد التقليدية اليوم، وأبرز من له على الساحة من بصمات.
أثرت - بعدما تأثرت- بواقع اليوم,,معايشة وتفاعلا مكن لها اخذ هذه المكانة,, واستحوذت منه بهذه المساحة، قال - مجملاً,, وقد ازلف يومها الاربعين-:
كذا إذا ابيض ايناع الحياة على
وجه الاديب اضاء الفكر والادب
وقبل الإدلاء - بدلونا- عن فقيد الشعر,, نحّبذ التأطير- كتصدير,, للقارىء الكريم - عن الشعر، او لنقل مهيته،
اذ كما يقول احد مثريه د, عبدالعزيز المقالح: لم يختلف الناس في موضوع كما اختلفوا في موضوع الشعر، ولم تتضارب المفاهيم في امر -خاصة مع تداخل الحديثة,,، او الحداثة/ الممدوح منها والمذموم (2) -,, كما تضاربت في امره، والغريب انه كلما اوغل الناس في تعريف هذا المعلوم المجهول زاد من حوله الغموض (3) .
لكنا - ونحن ذواقة,,، ولسنا من أهله- نختصر فهمنا له بناء على تلقينا إياه، ثم تطربنا - العفوي- مع جيده، ، ورد - بفطرتنا السليمة- لرديئه، أنه/ الوسيلة التعبيرية بوظائف جمالية تجعل من ذائقتنا تتشّر به,, نهماً له، وطرباً به، واستمتاعاً بوقعه في الذات الناهمة له المتجاوبة مع مايتكادءك فيصعب - عليك- التعبير، لوهن ادواتك - الفنية,, لتبحث به مايشف لك عنك!،
فهو (اجمل الفنون للتعبير عن الذات، والغايات,, التي نصبوا اليها,, ولها) (4)
ثم أعرض - بعد أعلاه- في بسطه من قول احد أهله (5)البحتري,, صاحب:
(الشعر),, لمح تكفي اشارته
وليس بالهذر طولت خطبه
(كنت في حداثتي اروم الشعر وكنت ارجع الى طبع، ولم اكن اقف على تسهيل مأخذه,, حتى قصدت ابا تمام، فانقطعت فيه اليه، واتكلت في تعريفه عليه، فكان اول ما قال لي: يا ابا عبادة تخير الاوقات وانت قليل الهموم صفر من الغموم, واعلم ان العادة في الاوقات ان يقصد الإنسان لتأليف شيء او حفظه في وقت السحر، وذلك ان النفس قد اخذت حظها من الراحة، وقسطها من النوم, فإذا اردت لنسيب فاجعل الفظ رقيقاً والمعنى رشيقاً، وأكثر فيه من بيان الصبابة، وتوجع الكآبة، وقلق الاشواق، ولوعة الفراق، واذا اخذت في مدح سيد ذي اياد، فاشهر مناقبه، واظهر مناسبه، وابن معاطه، وشرف مقامه.
وتقاص المعاني واحذر المجهول منها، وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الزرية، وكن كأنك خياط يقطع الثياب على مقادير الاجسام واذا عارضك الضجر فارح نفسك، ولاتعمل الا وانت فارغ القلب، واجعل شهوتك الى قول الشعر الذريعة الى حسن نظمه، فإن الشهوة نعم المعين، وجملة الحال الان تعتبر شعرك بما سلف من شعر الماضيين، فما استحسنه العلماء فاقصده، وما تكروه فاجتنبه ترشد ان شاء الله تعالى ) (6)
الشاعر -أ-:
لاتسخري يا أخت ب(الشاعر)
تكفيه بلوى دهره الساخر
ولد (عبدالله بن صالح البردوني) في قرية البردون (7) سنة 1348ه، وكان ان صادف (موسم الجدري) (8) طفولته فكان في عينيه (9) - لاجسده- وقع بصمته المتوحشة,, ، لينتقل - وهو ابن سبع- بعد هذه المآساة الطفولية الى قرية ذمار ليتلقى التعليم -الباكر- اصول الدين، وقدراً من العلوم العربية من مسجدها، ثم انتقل -بعد عقد من الزمن- الى (صنعاء),, بعدما احس بقلة زاد العلم هناك (10) ,,، وتحديداً الى دار علوم صنعاء (11) ومن هذه (الدار) وصل الى مايفوق المبصرين (12) .
ياصمت,, ما أهناك,, لو تستطيع
تلفني،,, او انني استطيع
لكن شيئاً داخلي تتلظى
فيخفق الثلج,, ويظمى الربيع
يبكي,, يغني,, يتحدى سامعاً
وهي المغني,, والصدى,, والسميع
وهو صاحب القصيدة التقليدية (13) - المعروفة ب(العامودي)-، وينطبق على نتاجه تعليق مصطفى الرافعي - على شعر محمود ابو الوفاء-:
لشعره طبع وفيه رقة، وسليقته تجعله الزم لعمود الشعر واقرب الى حقيقته,,، حتى انه ليعد احد الذين يعتصم الشعر العربي بهم,, وهم قليل في زماننا ،,, فإن الشعر - يعني بزماننا- منحدر الى العامية في هذا العصر,, في نسقه، ومعانيه.
الشاعر -ب-:
وكتب المقالح (14)
(الشاعر عبدالله البردوني من الشعراء القليلين في اليمن، بل في الوطن العربي الذين لا يزالون يحافظون على شرارة الشعر والفن في القصيدة العمودية وهو من القراء المدمنين للشعر الجديد يفيد من صوره الجديدة ومن تحرره في استخدام المفردات والتراكيب الشعرية الحديثة، وقد اكتسب شعره على محافظته اهمية كبيرة في السنوات الاخيرة لمضامينه الجماهيرية الواضحة,,الخ).
وقد بسط -هو- عن تجربته الشعرية، بداية:
قال عنها:(الطفولة بما يحدث فيها تظل مقترنة بزمانها ولايمكن للإنسان ان يتصور كيف كان تأثيرها إبان وقوع الحدث، لان هذه الاحداث ترسب في الوعي الباطن لايتذكر الإنسان كيفيته الا بعد نمو الوعي الوجداني الذي لم يكتمل يومذاك، فكانت الدهشة هي المؤثر الأول لانها تستدعي الاسئلة: لماذا حدث هذا ولايسأل كيف ولامتى ولا اين، لان عنصر الزمن مايزال غائباً عن الوعي، ومثله المكان اين فإنه موضع سؤال تعجبي لاتشخيصي، كذلك الكيفية فإنها لاتخطر للتساؤل ، لأن الطفولة لاتقتدر ان تركب عنصر المختلف بعنصر المؤتلف، ولاتعرف الانسجام بين النقائض)
شعره:
و,,ل هذا الذي قرض الشعر وهو ابن الثالثة عشر (15) صور فنية نحتسب لخيارنا اجتهادة بهذا العرض - عساه يوازي نهم المتلقي- الإصابة.
أول ما نلفت اليه عنان الذائقة، تلك التي ترنمتها ذاته الوفية-,, عام 1379ه (16) ,, في حب خير خلق الله (صلى الله عليه وسلم),.
خذ من الاعماق ذكرى شاعر
وتقبلها صلاة,, وسلاما
يطالعنا (17) مبدأها المتفتح (18) ب
بشرى من الغيب القت في فم الغار
(وحياً),, وافضت الى الدنيا باسرار
ماهي؟ -هذه البشرى ,,-
بشرى النبوة طافت كالشذى سحراً
واعلنت في الربى ميلاد انوار
,, وشقت الصمت والانسام تحملها
تحت السكنية,, من دار الى دار
فأقبل الفجر,, من خلف التلال وفي
عينيه اسرار عشاق وسمار
في كفه شعلة تهدي، وفي فهمه
بشرى، وفي عينيه اصرار اقدار
فضج بالحق، والدنيا بما رحبت
تهوي عليه باشداق وأظفار
,, فأدبر الظلم يلقي ها هنا أجلاً
وهاهنا تلتقي كف,, حفار
ثم يعرّف,, به:
رأى (اليتيم) (19) ,, ابو الايتام غايته
قصوى (20) فشق اليها كل مضمار
,,مضى الى الفتح لا بغياً,, ولاطمعاً
لكن حناناً وتطهيراً لأوزار (21)
ويختم - ابن (اليمن)- بهذه الاستعطافات,, الجميلة وقعها,.
(أنا) ابن انصارك الغر الالى قذفوا
جيش الطغاة بجيش منك جرار
اذا تذكرت عماراً (22) ,, ومبدأه
فافخربنا,, إننا أحفاد عمار
والأشد وقعاً نبضها وأقوى صدى,, وهي (بالمناسبة) صورة عكسية، أو تراجيدية لحال الامة اليوم -: يوم بثها الشاعر، اذ لا خلاف حل ليطوي ذلك الاثر المعلم بنا، والمعلم بحالنا,, فالله المستعان :
ما اصدق السيف ان لم ينضه الكذب
وأكذب السيف ان لم يصدق الغضب
,,واقبح النصر,, نصر الأقويا,,بلا
فهم,, سوى: كم باعوا,, وكم كسبوا
ماذا جرى يا ابا تمام (23) تسألني؟
عفواًو سأروي,, ولاتسأل,, وما السبب
واقرأ القصيدة في ديوان فقيد الشعر(24),,، حتى تفي من اسطرها- التي يصعب على قلمنا اثراء مايوازي عمقها- مما لايستطيع تواضع نثري تحبيره، لكني ابث -كما يقول-:
و,,ما تزال بعقلي الف مبكية
من رهبة البوح تستحي,, وتضطرب
يكفيك ان عدانا,, أهدروا دمنا
ونحن من دمنا نحسو,, ونحتلب
وما عليك ايها القارىء -بعد قراءتها- سوى العود لعمورية ابو تمام، لتجد اجوبة ما يتقادحك من هذه الابيات.
ويستحث -لذلك- بحكم,, يعرف مراد نظمها كل صاحب بصيرة,, - لابصر (25) -:
ان الحياة مآتم تفضي الى
عرس وافرح الى حسرات
لكنها بخريفها وشتائها
وبصيفها,, حكم ودرس عظات
فاختر لسير العمر اية غاية
ان العقيدة غاية الغايات
,,واقرأ هذا التفنن ,,لتجد فيه قمة العبير عن مآساته (26) ,.
يخوفني بالنهب والقتل ناقم
علي,, وهل لي ما اخاف عليه؟
اذا رام (27)نهبي لم يجد ما يروق
وإن رام موتي فالمصير اليه
اذا سل روحي,, سلني من يد الشقا
وخلصني من شره بيديه
واطلقني من سجن عمري,, فقاتلي
عدو، مرؤات الصديق لديه (28)
ويجيب (29) لكأن الخاطر الضنك يسائله
لا تسل عن انينه وسهاده
ان في جرحه جراح بلاده
ونلفت لابن الشعر وما يقوله - عن نفسه العفيفة,.
أنا,, إن لم يكن قريني كريماً
-في مجال السباق-عفت السباقا (31)
والشاعر (32) قائلاً:
عالم الشاعر,, ذكرى ومنى
وحنين كالجحيم الهادر
اي ذكرى، اي شوق عادني
فاذا قلبي جناحا طائر
واذا الدنيا بكفي معزف
ساحر,, في كف شاد ماهر
تارة اشدو واصغي تارة
لروايات الزمان الساخر (33)
,, و(انا) ابن الشعر قبلي عالم
من حنين،وحنان غامر
وبنات الفن حولي زمر
ك رياحين الربيع الزاهر
,,قلت: إني شاعر، في وحدتي
الف دنيا من طيوف الشاعر
ثم يثري -لمستمعيه-,, عنه (34)
وحدة يحمل الشقاء والسنينا
لامعين، واين يلقي المعينا
,,متعب يعبر الطريق,, ويمضي
وحده يتبع الخيال الحزينا
ويعزف - تلك الآهات- لنا (35)
يارفيقي هات أذنيك
وخد اشهى رنيني
من معين (الفن) أروي
ك ولم ينضب معيني
لك من أناتي اللحن
,, ولي وحدي أنيني
ولك التغريد من فني
ولي جوع حنيني

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
ندوة الجزيرة
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved