لقد سررت وأعجبت بالخطوة الذكية والمبدعة والطموحة التي خطتها وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في إسناد دراسة إعادة تنظيم جهازها وقطاعاتها وإداراتها وتحسين أساليب العمل فيها وتطوير جودة خدماتها لجمهور المتعاملين معها في المملكة وخارجها إلى شركة وطنية استشارية متخصصة.
ودهشت كثيراً لمقالة د, عبدالله الفوزان (شرهتنا كبيرة يا وزارة الشؤون الإسلامية) وكنت أتمنى من د, الفوزان قبل إصدار أحكامه السريعة (لا يجوز لأي جهة حكومية صرف,,,، هدراً للمال العام,,, الخ) أن يتريث ويطلع من خلال الأنترنت كم حجم إستعانة الأجهزة الحكومية في الدول الغربية بالمؤسسات والشركات الإستشارية في القطاع الخاص أو كم حجم الإستشارات التي قدمتها تلك المؤسسات والشركات الخاصة للأجهزة الحكومية، كما أنني أستغرب وقوعه في حيرة شديدة في استيعاب وإدراك مبررات خطوة وزارة الشؤون الإسلامية! إذ أن معظم وأشهر دور ومؤسسات الاستشارات التنظيمية المشهورة في العالم المتقدم والصناعي هي دور ومؤسسات استشارية خاصة وتلجأ إليها الحكومات في الدول الصناعية لدراسة خططها وسياساتها ومشاكلها التنظيمية والإنتاجية للحصول على دراسات تتضمن حلولاً جديدة ومبدعة، لذلك نجد أن الأجهزة الحكومية في تلك الدول تطورت خدماتها سواء في المطارات والجوازات والطرق والمحاكم والمرور أو في أساليب تعاملها مع مواطنيها,, لأنها جددت من تنظيماتها وتقنيتها وأساليب أداء أعمالها وأدخلت في استراتيجياتها وفكرها الإداري والتنظيمي مفاهيم الخدمة والجودة والأداء والإنجاز، وهذه المفاهيم والأساليب استمدت من مؤسسات الأعمال في القطاع الخاص وليس من الفكر الإداري الحكومي الذي يتصف بالبيروقراطية والتقليدية وتدني الإنتاجية وتضخم التكلفة,, ولقد توج الرئيس بيل كلينتون تعامله مع المؤسسات الاستشارية الخاصة في بداية ولايته الأولى في أمريكا 1990م بأن تعاقد مع مؤسسات استشارية خاصة بمشروع أسماه (تجديد/ إحياء الإدارة الحكومية) فقدمت له استراتيجيات وحلول جديدة ومبدعة مستمدة من القطاع الخاص مكنته كأول رئيس لأمريكا من معالجة عجز الميزانية ودفع قطاعات الاقتصاد والمال الأمريكي لزيادة معدلات نموه وزيادة فرص العمل حتى انخفضت نسبة البطالة إلى أدنى حدودها 4% في تاريخ أمريكا.
وإذا نظرنا إلى الأنشطة التي تديرها وزارة الشؤون الإسلامية نجدها متعددة ومنتشرة ومتنوعة فهي تقدم خدمات منها إنشاء وصيانة وتهيئة المساجد للعبادة والدعوة، وهنا تدخل تكاليف الإنشاء والصيانة وترشيدها وإدارة واستثمار الأوقاف بأنواعها المختلفة، وهذه مبررات كافية بأن تلجأ الوزارة إلى جهة استشارية متخصصة لتطوير تنظيماتها وأساليب إدارتها واقتباس أساليب القطاع الخاص لإدارة واستثمار الأوقاف بخطط وأساليب أكثر اقتصادية وتجارية لتحسين إيراداتها وتخفيض تكلفة تشغيلها.
كما أنني أهمس بإذن الدكتور الفوزان أنه لا يوجد شيء (مجاناً) كما ورد بمقالته أنه لو أسندت وزارة الشؤون الإسلامية تلك الدراسة لمعهد الإدارة العامة فإنه معروف علمياً وعرفياً وإدارياً واقتصادياً بأن الأعمال التي تؤدى من خلال الأجهزة الحكومية سواء كانت خدمات أو منتجات أنها أعلى تكلفة وأقل جودة ولذلك اتجهت الحكومات في العالم إلى التخصيص أو الخصخصة إلا أنه فات على الدكتور الفوزان أن التكلفة مع المؤسسة الخاصة محددة بموجب عقد، أما في الجهة الحكومية المقدمة للخدمة فهي تكاليف مدفوعة مسبقاً أو مكافآت إضافية أو انتدابات أو عمل إضافي,,,آمل أنني وفقت في إزالة بعض الدهشة والحيرة لدى الدكتور الفوزان، كما أنني أتمنى أن تلجأ الوزارات الأخرى ذات الطبيعة الخدمية لتجديد تنظيماتها وأدائها بإدخال مفاهيم وأساليب الجودة وترشيد نفقاتها حتى يحظى المواطنون بخدمات ذات جودة عالية وتظفر الدولة بترشيد نفقات تلك الوزارات,,, والله الموفق,.
د, إبراهيم بن فهد الغفيلي