Friday 15th October, 1999 G No. 9878جريدة الجزيرة الجمعة 6 ,رجب 1420 العدد 9878


ربوية الاقتصاد العالمي

عندما نقول بأن الربا هو سمة العصر الرأسمالي فإننا لا نطلق شتيمة، وإنما نثبت حقيقة اساسية من حقائق هذا العصر.
وظاهرة المرابي، كما هو معروف، هي تعبير عن وجود ازمة اجتماعية، سواء أكانت تتناول فردا واسرته، أو شعباً برمته، أو عالماً بأجمعه، هي كارثة فظيعة تترتب عليها نتائج متعددة.
وما هو اشد فظاعة ان يمتلك المرابي موقع القيادة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
عندئذ تغدو الأزمة نظاما اجتماعيا، له قوانينه وثقافته وعلاقاته وفنونه وسيكولوجيته وسيولوجيته التي تخدم جميعها نظام الربا.
إن العالم الذي نعيش فيه اليوم محكوم بنظام عالمي ربوي، وتقوده مؤسسات مرابية لها مصلحة باعتبارها مرابية في تعميق ازماته اكثر فأكثر.
ان السمة الربوية البارزة تبرز في هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات على الحياة العالمية فهذه الشركات تسيطر على مجمل العلاقات النقدية والمالية الدولية من خلال المصارف عابرة القارات ايضا.
فالشركات المرابية لا تقوم بوظائف مالية نظيفة وإنما هي تتلاعب بالاحتياطيات النقدية العالمية، وتتحكم باتجاهات توظيفها بأساليب احتيالية لفترات قصيرة فتتسبب بتأزيم الاوضاع المالية والنقدية للبلدان الفقيرة تأزيما خطيرا، يجعلها اكثر طواعية في قبضة المؤسسات العالمية الحاكمة.
ان الشركات المتعددة الجنسيات تسيطر سيطرة تامة على حوالي نصف التجارة الدولية، اذ تقوم بتسويق 90% من اهم السلع الاساسية التي تصدرها بلدان الجنوب الفقيرة بينما تسيطر الحكومات الصناعية على معظم نصف التجارة الدولية الثاني.
ومن المعلوم ان الدول الصناعية هي المالكة للشركات المتعددة الجنسيات وان اذرعها المالية والنقدية تتحرك طليقة داخل هذه الشركات.
لقد تبين خلال عشر سنوات مضت ان الشركات المرابية استردت 2,5 دولار مقابل كل دولار واحد وظفته في البلدان الفقيرة.
ان انسان هذا العصر لا يمكن ان يصدق ان ادارات النظام العالمي لا تعي خطورة تدمير بلدان جنوب العالم ولكن الحالة تصبح مفهومة في ظل حقيقة اساسية هي: ربوية وعالمية هذا النظام العالمي.
لقد ابيدت مجتمعات لصالح نهوض مجتمعات ودمرت قارات لصالح بناء قارات وسحقت طبقات في سبيل حياة طبقات وصفيت احتكارات ادنى من اجل دعم احتكارات اعلى.
ان ميكانيكا النظام العالمي، الباردة الصماء، تنضح ثروات جنوب الكرة الارضية بلا ادنى هوادة، بيد انها لا تريد لهذا الجنوب ان ينضب، وهو وللاسف قد اوشك على النضوب!!
إنهم يستعبدون سكان الجنوب الى درجة التحكم بأنفاسهم ونبضات قلوبهم.
إنهم يلوثون البيئة العالمية بصناعاتهم ونفاياتهم ونمط حياتهم في الشمال، ويدفعون بالكرة الارضية الى مهاوي كارثة ايكولوجية.
ان النضح العشوائي التبذيري المتلاف لثروات جنوب العالم قد تجاوز النقطة التي كان يتوجب ايقافه عندها قبل زمن طويل فكيف ينتفعون بالجنوب بعد ان ينضب ويتعرى كالبادية الجرداء؟!
ان الشركات متعددة الجنسيات لا يمكن ان تُفهم بشكل جلي، دون استجلاء كافة التأثيرات التي تتركها في ساحة نشاطها اذ ان هذه التأثيرات لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، وان كان يعتبر احد الحوافز الرئيسية لنشوئها، حيث ان نشاطها وطريق تنظيمها وادارتها يؤدي الى تأثيرات ذات طابع سياسي واجتماعي عميق.
اذ تعتبر الشركات عابرة القارات احد ارقى الاشكال الاستثمارية المعاصرة للرأسمالية, وقد بدأ نشاط هذه الشركات بعد الحرب العالمية الثانية.
ان المعيار الذي يضبط النشاط الاستثماري للشركات متعددة الجنسيات من حيث اتساع هذا النشاط او تقلصه، هو معيار حجم الانتاج الدولي.
يقول سامي هابيل في كتاب (السمات الراهنة للعصر الرأسمالي): ان التعليل المنطقي لأسباب نشوء هذه الشركات يندرج في اطار فهم طبيعة الاهداف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لهذه الشركات ودورها في خدمة النظام الرأسمالي طبقا للمبدأ القائل: ليس لرأس المال وطن، بل وطنها سوق الاستثمار .
وقد اشار تقرير منظمة الاونكتاد حول سيطرة هذه الشركات بقوله: توجه في الوقت الراهن (في ثمانينات هذا القرن) حوالي 15 شركة تجارية كبيرة تتحكم ب 90% من تجارة القطن العالمية، وثلاث شركات تتحكم ب 75% من تجارة الموز، وخمس شركات تتحكم ب 75% من تجارة الكاكاو وست شركات تتحكم ب 90% من تجارة التبغ والدخان.
إن مجمل خسائر الدول النامية بسبب تحكم هذه الشركات يقدر بحوالي 50 - 100 مليار دولار سنويا.
وقد اوضحت مؤشرات الجداول الاحصائية الصادرة عن الامم المتحدة عن حجم الدور الذي تلعبه هذه الشركات في صادرات البلدان النامية، وبينت ان 85% من تجارة المواد الغذائية يتم تصديرها عن طريق هذه الشركات، كذلك 90% من تجارة المواد الخام الزراعية، و95% من المواد المعدنية والخامات.
والمشكلة هي ترافق تطور التقنية في العالم مع نشوء الشركات متعددة الجنسيات، حيث حولت التقنية من اداة ايجابية لتطوير المجتمعات وخدمة التقدم البشري الى اداة ابتزاز واستنزاف لشعوب البلدان النامية.
فقد قامت هذه الشركات على اساس توحيد السوق الدولية للتقنية واخضاعها لعوامل الاحتكار.
والدور الخطير الذي تقوم به هذه الشركات هو تحويل ادوات التقنية الى سلعة تجارية لا اداة علمية وخطر ذلك يكمن في الآثار الثقافية واساليب التفكير لدى مجتمع البلد المستورد.
فقد اوضحت الدراسات الصادرة عن منظمة الاونكتاد ان مشروعات الاستثمار وتأثيراتها الناجمة عن استخدام التقنية كانت سلبية في البلدان النامية.
اضافة الى ما تلعبه الشركات متعددة الجنسيات من ادوار في مجال احباط اية امكانية للاستفادة من التقنية لنهوض صناعي مستقل في البلدان النامية.
ولذلك فان الكفاح من اجل اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد عادل قد اصبح جوهر قضية البلدان النامية.
بيد ان النظام العالمي الجديد الذي تطمح شعوب البلدان النامية الى تحقيقه، ليس هو عالمية امريكا او عولمة اوروبا بل هو النظام العالمي المتميز بأنه:
1- عالم متحرر من الاستنزاف والابتزاز الاقتصادي.
2- عالم متحرر من الديون المتراكمة وفوائدها.
3- عالم يوسع قاعدة التعاون الاقتصادي.
4- عالم تتقلص فيه الهوة بين الفقير والغني.
5- عالم تسوده شروط صحية للنمو المتكافىء.
6- عالم يوضع فيه العلم والتقنية في خدمة الانسان.
ختاما اقول: آمل ألا يطول انتظار البلدان النامية لهذا النظام العالمي العادل، وإلا ستبقى في حالة مزرية من الاستعباد والتبعية والفقر والجوع والجهل والامراض والبطالة وسوء التغذية والتخلف.
فإلى متى ستظل هذه البلدان لعبة يتسلى بها النظام المرابي العالمي؟!
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved