Friday 15th October, 1999 G No. 9878جريدة الجزيرة الجمعة 6 ,رجب 1420 العدد 9878


ما هي الوجودية؟!
د, محمد بن سعد الشويعر

سؤال وجّه اليّ,, فأردت عموم الفائدة,, فكان هذا جوابه:
الاسلام وحدة متكاملة,, لا يقبل التجزؤ ولا الانقسامات، وليس في الاسلام حزبية ولا تعددّية، وإنما هو حزب الله، الذي يجمع الناس على شرع الله الذي شرع لعباده، كما قال سبحانه: (رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون) (22 المجادلة).
ولم يأت في شرائع أنبياء الله، عليهم الصلاة والسلام أنهم اختلفوا فيما يدعون اليه، وأن لبعضهم فكراً غير الآخر، من أولهم الى آخرهم، بل هدفهم واحد، وغايتهم التي يدعون اليها، واحدة لم تختلف، وهي الدعوة الى اخلاص العبادة لله سبحانه، يقول سبحانه: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي اليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون), (25 الأنبياء).
وما دام أن الدين واحد، والإله المعبود واحد، فإن البشرية السائرة على منهج الله، الذي رضيه لعباده لا تختلف، ولا تتباين أفكارها واهدافها,, وإنما الفرقة والاختلاف، تأتي مع البعد عن منهج الله السليم، وباختلاف القلوب الناتج عن ضعف الوازع الديني,, وهو الإيمان الذي محله القلب.
وهذا الاختلاف هو الذي به يحصل الفشل، وتعدد الآراء بحيث كلٌ يصوّب رأيه، ويسفه رأي غيره، وتدب الفرقة بين الجماعات المتآلفة بوحدة الدين الحق.
وقد بيّن الله في عدة اماكن من كتابه الكريم ان حزب الشيطان هو الذي يدعو الى ما فيه الفرقة والخسارة، وأن أهل الضلال هم الذين يتفرقون أحزاباً ليتداولوا أمرهم في الإفساد والتفرقة، يقول سبحانه: (فتقطّعوا أمرهم بينهم زبراً، كل حزب بما لديهم فرحون) (53 المؤمنون).
ومن اهتم بالأحزاب في كل مجتمع ودرسها دراسة الفاحص، بعد عرضها على المحك السليم، والمهمة التي خلق الإنسان من أجلها في هذه الحياة الدنيا، فإنه سيدرك التباين الكبير، كالتباين بين ضلعي المثلث منفرج الزاوية:
فالإسلام يدعو للوحدة، والحزبية والمذهبية تدعوان الى التعددية والفرقة، والإسلام يدعو الى المحبة، والألفة، والحزبية تدعو الى البغضاء والتشاحن، والإسلام تدعو تعاليمه الى حسن الرابطة مع الله بإخلاص، والحزبية تدعو الى تمجيد الأشخاص، وأفكارهم، وقد تدعو الى التمرد على الدين، إن لم يصاحب ذلك إلحاد,.
فقد روى الإمام أحمد وأبوداود والنسائي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).
وأحاديث الدعوة للجماعة كثيرة، منها ما يأتي في خطبته صلى الله عليه وسلم بقوله لأمته: (وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة),, ومنها ما يأتي في أحاديثه عليه الصلاة والسلام ونهيه عن الفرقة.
وما دخلت الحزبية مجتمعاً إلا أفسدته، وبثّت العداوة بين أفراد ذلك المجتمع، ونزع الله البركة من تلك الأمة، في الأقوات والأرزاق، وفي الأعمال واستثمار الوقت.
وفي عصرنا الحاضر تعدّدت المذاهب، وتنوّعت التيارات، وأصبح في كل مجتمع - إلا من رحم الله - من يرفع صوته بنداء لنفسه، تقليداً لمجتمعات الغرب والشرق، مثلما أخبر صلى الله عليه وسلم بقوله الكريم: (لتتبعنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه) قيل يا رسول الله: اليهود والنصارى؟! قال: فمن، أي فمن المعني غيرهما),
وقد الّف مارتين دودج كتاباً صغيرا طبع عام 1965م الطبعة الثانية مترجماً للعربية سماه: اعرف مذهبك,, أورد فيه اكثر من 33 مذهباً قال في مدخله: وما اكثر ما تختلط هذه العناوين وتتداخل بعضها في بعض، ليفضي هذا التداخل والاختلاط العجيب، الى الفوضى والارتباك والتّبلبل، والى القذف والتشهير والتراشق (ص 7), وليس هذا هو التعريف المنفّر منه للمذهبية ولكن المؤلف يذكر توضيحات تبين نزعات اصحاب المذاهب وأهدافهم التي يتحدّثون عنها وتخالفها أعمالهم إذا وصلوا لمآربهم فيقول: يتبّع أنصار تلك المذاهب المختلفة طرقاً متباينة، ولكنهم ينادون بالإجماع ان هدفهم واحد، (مجتمع صالح، وحكومة كاملة رشيدة) وبعد المقارنة والتّقصِّي تبيّن أن الصورة الرمزية الخيالية لما يدعون اليه، تتغير بمرور الوقت فتبهت جدّتها، وتفقد سناء لونها، وخاصة في العصر الذي نعيش فيه (ص 10، 11).
والوجودية التي هي موضوع حديثنا اليوم هي مذهب من المذاهب الكثيرة في هذا العصر، اشتهر بها جان بول سارتر الفرنسي الملحد، الذي اغتّر به، وبمنهجه الأدبي بعض شباب المسلمين حباً في التقليد، ونفوراً من الأصالة في الجذور الأدبية والفكريه الاسلامية,, وسمّوا مذهبه في الأدب: الالتزام, كما جاء في كتابه ما الأدب.
وهو يعني بالالتزام، الثبات والدعوة لمذهبه الوجوديّ الذي يعبّر عن فكره الإلحاديّ، ويريد به إثبات وجود نفسه، حتى يمكن ان تعرفه بذاته,, وهو يريد بذلك وجوداً، غير الغاية التي أوجده الله لها، حيث خلق الله الإنسان لمهمة جليلة هي عبادة الله وحده، والخلافة في الأرض,, كما بيّن ذلك القرآن الكريم.
وعن نشأة الوجودية يقول الدكتور عبدالرحمن عميرة في كتابه: المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها: عبر العصور الغابرة، كانت تظهر في حياة البشرية يقظات وجودية، تهتف بأن الإنسان هو المشكلة الاساسية التي يجب ان يكون له اولوية الصدارة في الفكر الانساني,, الى ان قال: ولما جاء الإسلام وجدت الانسانية في كتابه منهجاً متكاملاً عن النفس وطبائعها، النفس وخصائصها، النفس المطمئنة والنفس المؤمنة، والنفس اللوّامة، والنفس الأوّابه,, ولم يهمل الاسلام - وهو من لدن اللطيف الخبير - ان يضع لها العلاج اذا مرضت، ويبيّن لها طريق الهدى اذا انحرفت,, ولكن هذا لم يمنع من ضلال بعض البشر، ونفورهم عن هدي الشرائع، فكانت تظهر بين الحين والآخر، دعوات تطالب الانسان بالانفلات من قيود الدين، ومسايرة هوى النفس.
فمرة تحمل اسم (المانوية): وتدعو الناس الى الرهبنة والخلاص من هذه الدنيا، وتدين بالولاء لإلهين - إله النور وإله الظلمة - وتصدق ببعض الرسل وتكفر بالبعض الآخر.
ومرة أخرى (فردكيّة): تحل النساء، وتبيح الأموال، وتجعل الناس شركة فيها، كاشتراكهم في الماء والنار والهواء - وثالثة: (باطنية): تعلن الإلحاد، وتستحل المحرمات، وتبيح تزويج الأخوات والبنات.
ورابعة وخامسة: بابكيّة، وخرميّة، وإلحادية وغير ذلك كثير، مما لا يحصره حدّ، ولا يقع تحت عدّ.
حتى جاء عصر النهضة - في أوروبا - وتخلّص فيه رجال الفكر من سلطان الكنيسة في أوروبا، وتحرروا من ربقة الدين ايضا.
فجاء ديكارت ليرفع من قيمة العقل، ويعوّض سلطان الكنيسة، ويطالب بتحكيم المنطق.
فلما جاء بسكال رفض أصول المذهب (الديكارتي) الذي عني فيه، عناية خاصة بالعلم وتعمق في موضوعاته، ولم يهتم بمصير الإنسان وحياته وموته الا قليلاً,, ويمكن الجزم بأن بسكال هو الذي رسم طريق الوجودية الحديثة، وخطط معالمها، ووضع المعالم العريضة لهياكل نماذجها المتباينة، ثم جاء (سورين كير كجورد) الذي يعتبره رجال الفكر في الغرب الأب الرسمّي لمدرسة الوجودية والذي نصب نفسه لمهاجمة نظرية المطلق (لهيجل) وعارضها ب (الوجود المطلق) (ص 216 - 217).
وفي الموسوعة العربية الميسرة جاء عن الوجودية بأنها: مدرسة فلسفية معاصرة ذات شعب ثلاث: الوجودية المسيحية عند كير كجارد، ومؤدّاها أن قلق الإنسان يزول بالايمان بالله، والوجودية الإلحادية عند هيدجر، ومارثر: تجعل الانسان مطلق الحرية في الاختيار مما يترتب عليه قلقه ويأسه، والوجودية المسيحية التي ينشدها ماريتان، ويقيمها على فلسفة توما الأكويني، فيقول: إن الإيمان بالله يحدّ من الرغبة في الوجود، والخوف من العدم، والأساس المشترك بين الشعب الثلاث: أن الوجود الإنساني هو المشكلة الكبرى.
فالعقل وحده عاجز عن تفسير الكون ومشكلاته وأن الانسان يستبد به القلق عند مواجهته مشكلات الحياة، وأساس الأخلاق قيام الإنسان بفعل إيجابي، وبأفعاله تتحدد ماهيته، وإذن فوجوده الفعلي يسبق ماهيته, (2: 1945), وصدق علي رضي الله عنه بقوله: لو كان الدين بالعقل لكان المسح على باطن الخفين أولى من المسح على ظاهرها.
وفي الجزء الأول عند المرور ب جان بول سارتر جاء عنه: فيلسوف وأديب فرنسي ولد عام 1905م، اقترنت باسمه الفلسفة الوجودية اشتغل بالتدريس، ثم انخرط في الجيش، وفي عام 1950م انشأ مجلة العصور الحديثة، التي تتضمن أبحاثا وجودية، في الأدب والسياسة اطلق كلمة وجودية على فلسفته دون سائر فلسفات الوجود، وأحرزت مؤلفاته نجاحاً جعله الممثل الأول للوجودية في فرنسا، أهم مؤلفاته الوجود والعدم الذي خرج عام 1943م (1: 942).
ومن هنا ندرك ان الوجودية تعني خلوّ القلب من الإيمان، فيكون خاوياً، ليفكر صاحبه في التعبير عن نفسه، ومحاولة إثبات وجوده، بنظرية فلسفية، يمكن ان يعبر بها شخص بأسلوب يختلف عما يعبر به الآخر,, وذلك لأن العقل انحلّ من القيادة الدينيّة التي توصله لمرفأ السلامة,, فتاه في تفكيره والبحث عن ذاته.
وهذه هي النظرة العامة للمذاهب الفكرية المتعددة، التي تدعو لحبّ الظهور، وإبراز الذات، بوسيلة الانقاص من الآخرين,, بعكس ما يدعو اليه الاسلام، من السمع والطاعة وبذل النصيحة بصدق واخلاص لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم,, والنصيحة لله تقضي الاهتمام بكتاب الله المنزّل، واتباع شرع الله، وعدم الخروج عن جماعة المسلمين، لأن المسلم محكوم بأوامر دين الله، طاعة وحسن استجابة، لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وقيادة الفكر، بزمام تعاليم الإسلام حتى لا يتوه هذا الفكر في فلسفات تبعده عن جادّة الصواب.
وقد بحث المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الاسلامي في مكة المكرمة: الوجودية ضمن الفرق والنحل التي جدّت حديثا في المجتمعات الإسلامية، وأدخل بعضها في الاسلام قسراً مع جذب أفكار الفلاسفة، الذين انحرف بهم فكرهم الى متاهات مظلمة لم يستطيعوا الخروج منها.
كان ذلك في الدورة الثانية، المنعقدة من 26 شهر ربيع الآخر 1399ه الى 4 جمادى الأولى 1399ه والقرار الاول حول الوجودية وهذا نصه:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد: فقد درس مجلس المجمع الفقهي البحث الذي قدمه الدكتور: محمد رشيدي عن (الوجودية) بعنوان: (كيف يفهم المسلم فكرة الوجودية) وما جاء فيه من شرح لفكرتها ولمراحلها الثلاث التي تطور فيها هذا المذهب الأجنبيّ الى ثلاثة فروع تميّز كل منها عن الآخر، تميزاً اساسياً جذرياً حتى يكاد لا يبقى بين كل فرع منها والآخر صلة، أو جذور مشتركة.
وتبيّن أن المرحلة الوسطى منها كانت تطوراً للفكرة من اساس المادية المحض التي تقوم على الإلحاد وإنكار الخلق إلى قفزة الإيمان بما لا يقبله العقل.
وتبيّن ايضا ان المرحلة الثالثة رجعت بفكرة الوجودية الى الإلحاد الانحلالي يستباح فيه تحت شعار الحرية، كل ما ينكره الاسلام والعقول السليمة.
وفي ضوء ما تقدم بيانه يتبيّن أنه حتى فيما يتعلّق بالمرحلة الثانية المتوسطة من هذه الفكرة، وهي التي يتّسم أصحابها بالإيمان بوجود الخالق والغيبيّات الدينيّة وإن كان يقال إنها ردّ فعل للماديّة والتكنولوجيا والعقلانية المطلقة.
وكل ما يمكن ان يقوله المسلم عنها في ضوء الاسلام: هو أن هذه المرحلة الثانية منها، او عقيدة الفرع الثاني من الوجودية، رأي اصحابها في الدين، على اساس العاطفة دون العقل، لا يتفق مع الأسس الاسلامية في العقيدة الصحيحة، المبنيّة على النقل الصحيح، والعقل السليم في إثبات وجود الله تعالى، وما له من الأسماء والصفات، وفي إثبات الرسالات على ما جاء في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبناء على ذلك يقرر المجلس بالاجماع: أن فكرة الوجوديّة في جميع مراحلها وتطوراتها وفروعها، لا تتفق مع الإسلام، لأن الاسلام إيمان يعتمد النقل الصحيح، والعقل السليم معاً في وقت واحد.
فلذا لا يجوز للمسلم بحال من الأحوال ان ينتمي الى هذا المذهب، متوهماً أنه لايتنافى مع الاسلام، كما أنه لا يجوز بطريق الأولوية ان يدعو إليه، او ينشر افكاره الضالة.
توقيعات الأعضاء:
نائب الرئيس محمد علي الحركان
رئيس مجلس المجمع الفقهي
عبدالله بن حميد

- والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة التي أعدتها الندوة العالمية للشباب الإسلامي قد جاء فيها اكثر من 58 مذهباً، ومنها الوجودية، وقد جاء فيها من أفكارهم ومعتقداتهم: الكفر بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيّات، وبكل ما جاءت به الأديان ويعتبرونها عوائق امام الإنسان نحو المستقبل وقد اتخذوا الإلحاد مبدأ ووصلوا الى ما يتبع ذلك من نتائج مدمّرة وان الوجودية اليوم تمثّل واجهة من واجهات الصهيونية الكثيرة التي تعمل من خلالها، وذلك بما تبثّه من هدم للقيم والأديان (543 - 544).
وختم الدكتور عبدالرحمن عميرة بحثه عن الوجودية بقوله: الوجودية دعوة قديمة مرفوضة تظهر في صورة جدية براقة، وتستعمل في الدعاية لها كل ما انتجه العقل البشري، من مخترعات وابتكارات، هادفة الى تحطيم القيم والخروج على المبادىء، وإشاعة الرذيلة والإباحية بين الشباب والفتيات، ومشككة في العقائد، وساخرة من دعوات الرسل والأنبياء, (المذاهب المعاصرة 224).
ولذا فإن الاسلام يرفضها ويرفض أقطابها وأتباعها، سواء كانت في ثوب الأدب أم في لباس الفكر والعقيدة، وإنها لدعوة لشباب المسلمين بإدراك خطرها وهدمها للدين الذي هو زينة المسلم، ونبذها فكراً وتمذهباً أدبيا.
إيمان وشجاعة:
ذكر المسعودي في مروج الذهب ان أبا محجن الثقفي كان محبوساً في أسفل حصن العذيب، فسمع الناس ينتمون لآبائهم وعشائرهم، ووقع الحديد، وشدة البأس, فتأسف على ما يفوته من تلك المواقف فحبا حتى صعد الى سعد بن وقاص يتشفعه ويستقيله، ويسأله الا يخلي عنه ليخرج، فزجره سعد وردّه، فانحدر راجعاً، فنظر الى سلمى بنت حفصة زوجة المثنى بن حارثة، وقد كان سعد تزوجها بعده، فقال: يا بنت حفصة، هل لك في خير؟ فقالت: وماذاك؟ قال: تخلّين عني وتعيريني البلقاء - فرس سعد - ولله عليّ يا سلمى إن سلّمني الله ان أرجع اليك حتى أضع رجلي في القيد: فقالت: وما أنا وذلك؟ فرجع يرسف في قيده وهو يقول:
كفى حزناً أن ترتدى الخيل بالقنا
وأترك مشدودا عليّ وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد فأغلقت
مصاريع من دوني تُعمّ المناديا
فقالت سلمى: إني استخرت الله، ورضيت بعهدك، فأطلقته وقالت: شأنك وما أردت، فاقتاد بلقاء سعد، وأخرجها من باب القصر، الذي يلي الخندق فركبها ثم ندب عليها، حتى إذا كان بحيال ميمنة المسلمين كبّر، ثم حمل على ميسرة القوم، يلعب برمحه وسلاحه، بين الصّفين، فأوقف مسيرتهم، وقتل رجالاً كثيراً من فتّاكهم، ونكس آخرين، والفريقان يرمقونه بأبصارهم وقد تنوزع في البلقاء، فمنهم من قال: إنه ركبها عريانا, ومنهم من قال: بل ركبها بسرج، ثم غاص في المسلمين، فخرج في ميسرتهم وحمل على ميمنة القوم، فأوقفهم، وجعل يلعب برمحه وسلاحه، لايبدو له فارس إلا هتكه، فأوقفهم وهابته الرجال، ثم رجع فغاص في قلب المسلمين، ثم برز امامهم، ووقف بازاء قلب المشركين، ففعل مثل أفعاله في الميمنة والميسرة، وأوقف القلب حتى لم يبرز منهم فارس الا اختطفه، وحمل عن المسلمين الحرب، فتعجب الناس فيه، وقالوا: من هذا الفارس الذي لم نره في يومنا؟ فقال بعضهم: هو ممن قدم علينا من اخواننا من الشام، واصحاب هاشم بن عتبة، وقال بعضهم: ان كان الخضر يشهد الحرب، فهذا هو الخضر, قد منّ الله به علينا، وقال قائل: لولا ان الملائكة لا تباشر الحروب لقلنا إنه ملك, وقد حار فرسان العرب الأشداء في أمر هذا الفارس الذي يصول ويجول، وجعل سعد يفكر ويقول: والله لولا محبس أبي محجن لقلت: هذا أبومحجن، وهذه البلقاء, فلما انتصف الليل دخل أبو محجن القصر من حيث خرج ولايعلم به وردّ البلقاء لمربطها وعاد في محبسه ووضع رجله في القيد, (2: 215 - 216).

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved