Friday 15th October, 1999 G No. 9878جريدة الجزيرة الجمعة 6 ,رجب 1420 العدد 9878


من المكتبة
حوار مع جابرييل جارسيا ماركيز (3)

*أين يقع الخطأ؟
- عادة مايتعلق بمشكلة في البنيان.
*هل يمكن أن تصبح أحيانا مشكلة خطيرة للغاية؟
- أحيانا تكون خطيرة لدرجة تجبرني على البدء من جديد, توقفت عن كتابة خريف البطريرك في المكسيك في عام 1962م، وكنت قد فرغت من كتابة ثلاثمائة صفحة تقريبا، والشيء الوحيد الذي ظل باقيا على حاله هو اسم الشخصية الرئيسية بدأت العمل في الرواية مرة اخرى في برشلونة في عام 1968م وعملت فيها الكثير لمدة ستة أشهر ثم تركتها مرة اخرى لأنني لم أتمكن من الإمساك بجوانب أخلاقية معينة من الشخصية المحورية، لدكتاتور عجوز جدا, بعد حوالي عامين اشتريت كتابا عن الصيد في افريقيا لأنني كنت مهتما بقراءة المقدمة التي كتبها هيمنجواي, لم تكن المقدمة ذات اهمية كبيرة، لكنني مضيت في الكتاب لأقرأ فصلا عن الفيلة، وهناك كان الحل للرواية, عادات معينة للفيلة يمكن أن تفسر أخلاق الدكتاتور بدقة.
*هل واجهت مشاكل غير تلك المتعلقة بالبنية وبنفسية الشخصية المحورية؟
- أجل كانت هناك لحظة عندما اكتشفت امرا خطيرا للغاية, لم اتمكن من جعل الطقس في الرواية حارا بما فيه الكفاية كان هذا خطيرا لأن الاحداث كانت تجري في إحدى مدن الكاريبي حيث يكون الجو حارا بصورة لاتصدق.
*كيف خرجت من هذا المأزق؟
- الحل الوحيد الذي توصلت إليه هو أن أقيم مع عائلتي كلها في الكاريبي, أمضيت هناك عاما تقريبا، دون أن أفعل شيئا عندما عدت الى برشلونة حيث كنت أكتب روايتي، قمت بزراعة بعض النباتات مما أضاف بعض الروائح التي تفوح منها، في النهاية نجحت في نقل حرارة المدينة الاستوائية إلى القارئ.
*ماذا يحدث حين تنتهي تقريبا من كتابة الرواية؟
- أفقد الاهتمام بها الى الأبد, كما اعتاد هيمنجواي على القول: إنها تصبح مثل أسد ميت.
*لقد قلت إن رواية جيدة ماهي سوى نقل شعري للواقع, هل من الممكن أن تشرح لنا هذا المفهوم؟.
-نعم أعتقد أن الرواية تمثل الواقع من خلال شفرة سرية، نوع من الألغاز عن العالم, إن الواقع الذي تتعامل معه في الرواية يختلف عن الحياة العادية، رغم ان جذوره منها, والشيء ذاته صحيح مع الأحلام.
*الطريقة التي تعاملت فيها مع الواقع في رواياتك خاصة في مائة عام من العزلة وفي خريف البطريرك أطلق عليها إسم الواقعية السحرية أشعر بأن قراءك الأوروبيين يدركون عادة السحر في قصصك لكنهم لايتمكنون من إدراك الواقع الكامن خلفها؟
- ذلك يرجع دون شك إلى أن عقلانيتهم تمنعهم من رؤية أن الواقع ليس مقصورا على سعر الطماطم والبيض, إن الحياة اليومية في اميركا اللاتينية تثبت ان الواقع ممتلىء بالاشياء غير العادية, في هذا الصدد أستشهد بالمستكشف الأميركي ف,و,دي جراف الذي قام برحلة عجيبة داخل أدغال الأمازون في نهاية القرن الماضي، وشاهد، بين اشياء أخرى، نهرا من الماء المغلي، ومكانا يحدث فيه الصوت البشري وابلا من الامطار المدرارة, في كومودورو وريفادافيا، في أقصى جنوب الأرجنتين، أغرقت رياح من القطب الجنوبي سيركا بأكمله، وفي اليوم التالي اصطاد الصيادون بشباكهم جيف الأسود والزرافات, في جنازة الأم الكبرى رويت قصة رحلة لايمكن تخيلها وغير معقولة قام بها البابا الى قرية في كولومبيا, اتذكر وصفي للرئيس الذي استقبله كرجل اصلع وبدين بحيث لاأجعله يشبه الرئيس الذي كان في السلطة في ذلك الوقت والذي كان طويلا ونحيلا, بعد إحدى عشرة سنة على كتابة هذه القصة، ذهب البابا الى كولومبيا وكان الرئيس الذي استقبله رجلا اصلع وبدينا مثلما الرئيس الذي وصفته في القصة, بعد أن كتبت مائة عام من العزلة زعم صبي في بارانكيلا بأنه كان له ذيل خنزير, يكفي أن تتصفح الصحف لتعرف أن هناك أشياء غير عادية تحدث لنا كل يوم, أعرف أناسا عاديين جدا قرأوا مائة عام من العزلة باهتمام وبسعادة غامرة، لكن دون ان يشعروا بأي مفاجأة على الاطلاق، لأن كل ماكنت اقوله وأرويه لهم لم يكن يختلف في شيء عما كانوا يعيشونه.
*إذن فإن كل شيء تورده في رواياتك يقوم على أساس الواقع؟
- ليس ثمة سطر واحد في رواياتي لايقوم على أساس الواقع.
*هل أنت متأكد من ذلك؟ إن ثمة بعض الأشياء الغريبة للغاية تحدث في مائة عام من العزلة , ريميديوس الجميلة تصعد إلى السماء, فراشات صفراء تحوم حول موريسيو بابيلونيا,.
- يجب أن تعرف أن الكتب التي أحبها، ليست بالضرورة تلك التي اعتقد أنها الأفضل, إنني أحبها لأسباب عديدة، ليس من السهل دائما توضيحها.
*دائما ماتذكر عقدة أوديب لسوفوكليس؟
- عقدة أوديب، أماديس، لازاريللودي تورمس، يوميات عام الوباء لدانييل ديفو، أول رحلة حول العالم لبيجافيتا.
* وطرزان
- نعم لربوروز
*ومن هم الكتاب الذين تعود لقراءة أعمالهم عادة؟
- كونراد، سانت أكسوبري.
*لماذا كونراد وسانت أكسوبري؟
- السبب الوحيد الذي يجعلك تعود وتقرأ عملا لكاتب مرة أخرى هو انك معجب به, أما الذي يجعلني أحب كونراد وسانت أكسوبري فهو ذلك الأسلوب الذي يشتركان فيه -إنها الطريقة الفريدة للاقتراب من الواقع، والتي تجعله يبدو شاعريا.
*وتولستوي؟
- لا أحتفظ بأي عمل له،رغم أنني أعتقد أن أفضل رواية على الاطلاق هي الحرب والسلام .
*ولكن لم يجد أحد من النقاد أي أثر لهؤلاء الكتاب في كتبك؟
- إنني بالفعل أحاول دائما ألا أماثل أي شخص آخر, كما أحاول دائما أن أهرب من المؤلفين الذين أحبهم حتى لاأقع في مصيدة تقليدهم.
*مع ذلك، يرى النقاد دائما ظلال فوكنر على اعمالك؟
- هذا صحيح, وقد اكدوا على تأثير فوكنر بدرجة كبيرة لدرجة أنهم استطاعوا لفترة من الوقت إقناعي أنا أيضا, لا أبدي اهتماما بذلك، لأن فوكنر يعد واحدا من الروائيين العظام, لاأفهم مع ذلك الطريقة التي يحدد بها النقاد ذلك التأثير, إن أوجه التماثل مع فوكنر جغرافية وليست ادبية, لقد أدركت ذلك عندما كنت في جولة بجنوب الولايات المتحدة بعد مرور وقت طويل على كتابة أول رواياتي, كانت تلك البلدان القائظة الحرارة والمغبرة والناس المقهورون الذين مررت بهم في تلك الجولة يشبهون إلى حد بعيد البلدان والناس الذين استحضرتهم في قصصي, ربما لم يكن متطابقا لأن جزءا كبيرا من اراكاتاكا قد بنته شركة أمريكية هي يونايتد فروت .
*يمكنك القول إن أوجه التشابه تذهب أبعد من ذلك, فهناك علاقة وثيقة، خط معين من النسب بين العقيد ساتوريس والعقيد أوريليانو بوينديا، بين ماكوندو ويوكنابا تاوفا كونتي, يجد القارئ المرأة ذات الإرادة الحديدية ذاتها وحتى بعض الصفات التي ظلت تحمل علامته التجارية,,, عندما تحاول ألا تعترف بفوكنر كعنصر مؤثر هام، الا ترتكب بذلك جريمة قتل ضد أقرب الناس إليك؟
- ربما أكون كذلك, لذلك قلت إن مشكلتي لم تكن في كيفية تقليد فوكنر، ولكن في كيفية تدميره, لقد كان تأثيره يشل حركتي.
*حدث النقيض تماما مع فرجينيا وولف, أنت الشخص الوحيد الذي يتحدث عن تاثيرها عليك, أين يكمن هذا التأثير؟
- كنت سأصبح مؤلفا جد مختلف عما أنا عليه الآن، لو لم أكن قد قرأت تلك الفقرة من السيدة دالواي عندما كنت في العشرين من عمري: لكن لايمكن أن تكون هناك شكوك بأن عظمتها كانت تشق طريقها، خفية، في بوندستريت لاتبعد سوى مسافة بعرض كف اليد فقط عن الناس العاديين الذين قد يكونون الآن، وللمرة الأولى والأخيرة، في المجال الذي يمكنهم من التحدث إلى جلالة ملكة انجلترا، للرمز الدائم للدولة التي ستكون معروفة لدارسي الآثار الفضوليين، التي تنتقل بين أنقاض الزمن، عندما تكون لندن طريقا مفروشا بالعشب، وكل أولئك الذين يهرعون في صباح يوم الأربعاء هذا، ماهم سوى عظام باختام زواج ضئيلة مختلطة بالغبار ويتساقط الذهب من الأسنان المتآكلة التي لاتعد ولاتحصى أتذكر انني قرأت هذه الجملة، فيما كنت جالسا أهش الناموس، وأكاد أموت من الحرارة في غرفة فندق قذر، خلال تلك الفترة حينما كنت أبيع الموسوعات والكتب الطبية في جواجيرا.
*لماذا تركت فيك مثل هذا التأثير؟
- لأنها حققت تحولا في حاسة الوقت لدي, لقد رأيت في لمح البصر العملية برمتها لتحلل ماكوندو ومصيرها الأخير, أتساءل: الم تكن ايضا هي الأصل البعيد لرواية خريف البطريرك وهي كتاب عن لغز السلطة وعزلتها ومدى الفساد المتفشي فيها.
*قائمة من أثروا فيك يجب أن تكون أكثر امتلاء من ذلك, من الذي أغفلناه؟
- سوفوكليس، رامبو، كافكا، شعر العصر الذهبي الإسباني، وموسيقى الحجرة من شومان حتى بارتوك.
*هل لنا أن نضيف شيئا من جرين وقطرات قليلة من هيمنجواي؟
اتذكر أنني قد رأيتك تقرأ للاثنين بعناية فائقة عندما كنت شابا, إحدى قصصك قيلولة الثلاثاء (افضل أعمالك، كما تقول) تدين بالكثير لرواية هيمنجواي (كناري لشخص واحد).
- لقد علمني كل من جراهام جرين وهيمنجواي حيلا فنية بحتة, ورغم أنني أعترف دائما بأهميتها، فإنها ذات قيم سطحية, أنا أعتقد أن التأثير الحقيقي، والتأثير الهام هو عندما تؤثر أعمال كاتب معين فيّ بعمق لدرجة أنها تبدل بعضا من أفكاري عن العالم وعن الحياة بصفة عامة.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved