Friday 15th October, 1999 G No. 9878جريدة الجزيرة الجمعة 6 ,رجب 1420 العدد 9878


سيناريو شعبي
بنت الشيخ

محيسن ذلك الشاب بسحنته البدوية وحديثه العذب ومنطقه السليم فهو يمتلك كل مقومات الرجولة سوى انه قليل المال مما دفعه للتنقل بين القبائل لرعاية الابل, وكل من يحط عندهم للعمل يعشقونه ويصرون على ان يكون واحداً منهم ويتمسكون فيه ولكن محيسن صار يعشق الترحال والعمل الحر والتعرف على الناس والعشائر وطبائعهم.
سنة الحياة لن تستمر على منوال واحد فقد شاء الله ان ينزل عند قبيلة كبيرة في نجد فعمل راعيا عند شيخ القبيلة ذلك الرجل المهاب الكريم الشجاع، احب الشيخ محيسن حباً شديداً لأنه عرف به الرجولة الكاملة فقرّبه اليه وصار يأنس بحديثه, محيسن اصبح يعمل بالنهار راعيا وبالليل راوية يجتمع حوله افراد القبيلة وفرسانها لسماع القصص والاشعار لم يكن جمهور محيسن فقط الرجال بل ايضاً النساء والبنات كن يجتمعن خلف الرواق, يتهامسن ويضحكن على بعض القصص ويتسابقن لحفظ الاشعار التي يسمعن.
ابنة الشيخ تعلق قلبها بمحيسن هذا الراعي البسيط احبته بكل صدق البنت العفيفة الطاهرة ولمحت له باعجابها به فتعلق قلبه بها فهي ابنة الشيخ الجميلة الذكية التي يخطب ودها فرسان القبائل.
وعلى ضوء القمر يسترسل محيسن في ذكر قصصه ولكنه اصبح اكثر شفافية وصارت قصص الحب العذري وقصائد الغزل هي محور حديثه كل ليلة.
استمر الحال طويلاً حتى تعب محيسن وابنة الشيخ من هذا العشق الغريب, ولأن محيسن كان شاباً شجاعاً وكان ايضاً يعرف قدره جيداً عند الشيخ، قرر خطبة ابنته رغم معرفته الاكيدة بصعوبة الامر.
وفي صبيحة ذلك اليوم الذي لم يغمض به جفناه اتجه محيسن لكبار رجال القبيلة وجاهد كثيراً لاقناعهم في مساعدته وبعد صلاة المغرب جاء محيسن وقلبه يتراقص في صدره ومعه وجهاء القبيلة جلس امام الشيخ وطلب يد ابنته، صعق الشيخ من طلبه، رغم اعجابه بمحيسن لكن لمكانته وحرصه على ألا يقول احد لابنته بان زوجها اجير والدها الراعي البسيط رفض بشدة ورماه بالجنون وغضب من كبار القوم الذين قبلوا الوساطة له.
مرضت ابنة الشيخ لسماع هذا الخبر الصادم من والدها ومحيسن اكل الهمُّ قلبه وتغيّر حاله وحديثه تبدل واصابه الهزل والشحوب ولكنه كأي عاشق لا يقطع الامل بلقاء حبيبته واخذ يسأل عن من يستطيع مساعدته لإقناع الشيخ وبعد جهد طويل نصحه احدهم بأن يذهب (لخلف ابن عم دعيجا) الذي لا يرد دخيله ولا ترد وفادته رحل محيسن لشيخ ابن دعيجا وطالت الايام عليه وهو يعدها ليصل لأراضيه, وما ان وصل حتى علقت الذبائح لهذا الضيف الشاحب الهزيل ولكن محيسن امتنع عن شرب القهوة او تناول الزاد وانشد هذه الابيات:
يا راكب حمرا من السنى تبنى
ومردود من غير الدفوف السنامي
ترعى زهر نوار برقن جذبني
مر باعها ما بين شرقن وشامي
وبعيونها جمر الغضا يلتعبني
والاسراج مر وطنين الكلامي
تلفى لبيت كنه الحيد مبنى
راعيه قطاع الفرج والمظامي
لا يا خلف يكفيك همن ركبني
حيثك على الشدات رجلن تحامي
غشن العراق الله يجيرك ضربني
وقام يشوف مع مفاصل اعظامي
على وليفن بالمودة سلبني
سلبة عباة في يدين الحرامي
كان محيسن يلقي القصيدة وقلبه فرح بقرب الفرج ولكن كانت المفاجأة التي قصمت ظهر البعير وذلك أن الشيخ خلف ليس على وفاق مع أهل محبوبة محيسن فأصابه الكدر والغم والهم والشيخ خلف لم يكن حزنه وهمه اقل من محيسن لأنه لم يتعود رد دخيله فقال ابياتا يرد بها على محيسن ويطلب بقصيدته ان يأخذ محيسن ابنه وحلاله وبندقيته ويعفيه من هذه المهمة الصعبة, فقال:
قيفان من صدر الفهيم انهذ بني
لؤلؤ ومرجان ملاوي كلامي
يا راكت اللي للبلد ما جلبني
قطم الفخوذ معربات الاسامي
ما لا فتن عند اول الذود لا بني
ولا لافتن للحضو يوم الفطامي
من نسل هرشن بالهدوله يجبني
يطلقن عليهن يوم كل ينامي
ما قيض يرعن الرما من وتبنى
ولا صغرن قاع الجوي والوخامي
مر باعهن فيحان ثم اقتلبني
يرعن زهر نوار عشب الوسامي
يلغن على اللي من ربوعي ندبني
ياجا يبين العلم دمتم ودامي
ان كان ذودي للحبيب يجبني
دونك انياقي قد لهن بالتمامي
دونك وقعود البيت والبيت وابني
في قله العقلا علينا حرامي
مع بندقن لفظات فمها يصبني
والها على الضد المقابل مرامي
محيسن بعد سماع القصيدة اصر على الشيخ خلف ان ليحظى بجاهه ووجاهته وبأي طريقة يراها خلف مناسبة, زاد هم الشيخ خلف وسهر الليل يبحث عن طريقة يساعد فيها العاشق الولهان.
وبعد طول السهر قرر خلف الذهاب لعشيرة محبوبة محيسن ولكن على غير هيئته، بل قرر الذهاب بملابس بالية ومظهر بائس لطلب العمل حتى يستطيع ان يختلي بمعشوقة محيسن ليعلمها بالموضوع وكيف انه ترك وجاهته وعمل اجيراً لأجل عشقهم واراد ان تساعده وترحل معه لمحيسن وسوف يكفل لها سلامة النية وحسن المقصد استمر الشيخ خلف عند والد معشوقة محيسن يصلح القهوة للضيوف لعام كامل.
وشاء الله ان يغير غزاة على القبيلة ولم يستطع الوقوف بوجههم الا الشيخ خلف الذي استعاد الحلال بوقت قصير لفت انتباه شيخ القبيلة فتأكد من ركوبه الفرس ومسكته للسلاح بانه ابداً ليس اجير حلال فأصر الشيخ على معرفة شخصية اجيره فأخبره خلف بكل شيء، فلامه لانه اخفى عليه نفسه فقال الشيخ خلف هذين البيتين اعتذاراً:
أنا بلون الناس وانا بتلوين
وصارت عليه من كبار البلاوي
ذالي ثلاثميئة وخمسين مضيت
وأنا سببها عند اهلها أفداوي
الشيخ بعد ذلك رأى ان حب محيسن لابنته صادق وان ابنته ايضاً تبادله الرضا فوافق بعد ان اجتمع كبار القبيلة لتأييده فقال الشيخ خلف هذه ابنتي خذها ومعها وكيل عني لعقد قرانها وطلب منه ان يعذره لأنه قصر في حقه ولو ان سبب تقصيره هو اخفاؤه لشخصيته شُدت الرحال بالعروس لعريسها والحلي والحب الكبير ولكن قدر الله ألا يلتقيا, فقد وصل نبأ وفاة الشيخ خلف لمحيسن الذي شهق وزهقت روحه الى بارئها لأنه علم باستحالة لقاء حبيبته.
وعندما وصلت العروس الى ارض الشيخ خلف علمت بما حصل فغادرت لأهلها مع وكيلها بدموع وحسرة وفقدت عقلها, فقال الشيخ خلف هذه الابيات:
البيض قلبك يا محيسن سليني
سلب الهوى لرهيفات الخيامى
والبيض جعل البيض ما يرتجيني
هويهن ترما عليه التهامى
يصلني بالبير من لا جذبنى
صل الرشا من فوق هدف المقامي
محيسن على حوض المنايا عقبني
حمز على الجمه قليل الرحامى
فوزية الشدادي الحربي

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved