Friday 15th October, 1999 G No. 9878جريدة الجزيرة الجمعة 6 ,رجب 1420 العدد 9878


فنان الكاريكاتير رؤوف عياد في حوار لـ الجزيرة
الكاريكاتير ليس واحة ولكنه مليء بالأشواك

** رؤوف عياد أحد فرسان جيل الوسط في فن الكاريكاتير,, حمل لواء التجديد في الكاريكاتير السياسي واتخذ من مجلة روز اليوسف الشهيرة منصة إطلاق لمشاغباته الفنية,, لم يتوقف نشاطه على الصحف المصرية، بل تجاوزها بحثا عن مساحة حرية في ظل العديد من الصحف العربية, يمزج رؤوف عياد بين الهم الاجتاعي والسياسي في خطوط ساخرة وبسيطة,, إنه يبحث من خلال الرسم عن لغة نقدية يفهمها الملايين من البسطاء، ويرى في الكاريكاتير أنه فن النقد بكل ضراوة,, تحاورنا معه حول علاقته مع هذا الفن والتي تمتد إلى ما يقرب من أربعين عاما، عاشها ما بين المعاناة والفرح إذ تنشر رسوماته أحيانا، وفي أحيان أخرى يكون مصيرها الحجب والظلام:
* كثيراً ما نحاكم بسبب الخروج على النص
* هاني وحبيب وقاسي وكحيل وعلي فرزات أهم نجوم هذا الفن الساخر حالياً
الكاريكاتير السياسي بين نعم ولا
* لنعد إلى الينابيع الأولى, كيف تفتح وعيك على عالم الكاريكاتير ؟
- منذ السنوات الاولى للتكوين وفي مراحل الدراسة الابتدائية وما تلاها، لم أفكر إطلاقا في مهنة ما أو طريق للاختيار سوى الصحافة التي عشقتها ربما لمولدي في السودان ومعايشتي للمجتمع السوداني الذي كان يموج بتيارات ثقافية وسياسية ذات نبرة عالية ولأن واقع المجتمع المصري الذي كان وثيق الصلة بالمجتمع السوداني بحكم الامتداد التاريخي والمصيري في صراعاته ضد محتل واحد مع امتداد النهر الواحد والتراث الواحد, وبالتالي أصبحت ينابيع اهتماماتي تصب في هذا الاتجاه,, ولأن الصحافة بشموليتها استهوتني خاصة الكاريكاتير الذي كان له النصيب الأكبر من اهتمامي.
* من الواضع خلال مشوارك الطويل مع فن الكاريكاتير انجذابك إلى الكاريكاتير السياسي على وجه الخصوص,, لماذا ,,, ؟
- الكاريكاتير السياسي هو أخطر فروع الكاريكاتير لأنه يفضح السياسة والساسة على حد سواء ويشارك بعنف في النقد وتغيير المسارات، بل يعلمنا معنى الوطنية من خلال النقد وطرح أوجه الخلل فيما يحدث وأذكر أنه أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 56 تصدت مجلة روز اليوسف بكتيبة رساميها الشبان المبدعين آنذاك والذين كان ظهورهم البراق بعد جيل الرواد وعقب ثورة يوليو,, أقول تصدت تلك الكتيبة للعدوان وللمؤامرة البريطانية الفرنسية الإسرائيلية عبر رسوم شديدة الحدة والتألق والسطوع,, وكنت أحاول أن أقلد رسوم حجازي ورجائي وجورج البهجوري وزهدي ومعالجتهم لنضال شعب بورسعيد وجماهير السويس للعدوان,, كنت أعيد رسم الكاريكاتير المنشور لهم في ملصقات كبيرة وعندما اندلعت المظاهرات في كل مدينة الخرطوم ومدارسها تنبه ناظر مدرستي للرسوم التي رسمتها فأقام بها معرضاً كاملاً داخل المدرسة للجمهور، والطلاب وأسرهم وكانت تلك الرسوم هي الشرارة التي أشعلت مظاهرات صاخبة بعدها منددة بالعدوان الغاشم, وتلك كانت بدايات الوعي السياسي وانجذابي إلى الكاريكاتير السياسي تحديداً والذي تصاعد بشكل واع ومدروس على مدى سنوات العمل بعد ذلك وعبر مسيرة البحث الدائم في أحوال الوطن.
* عملك بالكاريكاتير السياسي جعل العديد من رسوماتك تدخل في نطاق الممنوعات فما هي أهم محطات المنع خلال مشوارك الصحفي ,,,؟
- الكاريكاتير الممنوع قائم طالماً هناك سلطة,, ومثقفون,, وجموع المواطنين البسطاء,, ورسام الكاريكاتير المثقف سياسياً والواعي لما يحيط به بوضوح يحرك تلك الشحنة الدرامية في الاتجاه الصحيح بمعنى أنه يدفع الجماهير إلى إصلاح الأخطاء وهو ما ترفضه السلطة غالباً، فتحاكم أي رسم كاريكاتيري إذا ما رأت فيه خروجاً على النص, ويكون مصير الرسام أحد أمرين إما الصمت وإما الاعتقال.
وأبرز محطات الكاريكاتير الممنوع بالنسبة لي كانت أيام السادات وبالتحديد أثناء انتفاضة 18 و19 يناير 77 والتي نشطت فيها كل الأجهزة لقمع كل الأفكار على كل المستويات,, إضافة إلى أن فكرة الكاريكاتير الممنوع كان لها جانب آخر ليس سياسياً بقدر ما هو اجتماعي يمس تقاليد يرى البعض أنها يجب ألا تمس بأي شكل.
نجوم الكاريكاتير حالياً
* يجادل البعض في أن السلطة التي كان يمارسها الرقيب قديماً على الكاريكاتير أصبحت تستبدل الآن بسلطة رئيس التحرير,, كيف ترى الأمر ,, ؟
- سلطة الرقيب ظلت زمنا طويلا هي سيدة الموقف مع اختلاف العصور والزمن وآلية الحكم,, فهناك الرقابة على المصنفات الفنية والرقابة على الكتب والرقابة الإذاعية, وقد انتهى بالفعل الرقيب الرسمي على الصحيفة كطرح ديمقراطي خبيث, لكن اختيار رؤساء تحرير الصحف قائم نفسيا على فكرة أنه الرقيب البديل أو المستبد العادل ، حيث له الحق في منع ما يراه خدشا لحياء الدولة وأجهزتها, وإن كانت طريقة المنع مختلفة تبعاً لجبن أو شجاعة رئيس التحرير.
* وكيف ترى واقع الكاريكاتير العربي حالياً ,, ؟
- عاش الكاريكاتيري العربي الانتصارات والانكسارات، وتسلل إلى الوجدان العربي حتى النخاع, ثم اصبح طريقا ومنهجا ومدرسة لشعوب وطننا العربي الكبير وأصبح لدى أغلب الشعوب العربية كاريكاتير ينقد ويتعاظم دوره امتدادا لمدرسة الكاريكاتير المصرية الأم,, وكلما ازدادت مساحات الحرية في وطننا العربي ازداد دور الكاريكاتير وهو ما يحدث الآن بنسبة كبيرة لا بأس بها.
* ومن الرسام العربي الذي يعجبك في هذا السياق ,,,؟
- استشهد زميلنا الفلسطيني ناجي العلي بسبب الكاريكاتير, فهل كانت رسومه وتعليقاته على ما يحدث جرما يستحق من أجله أن يُغتال؟! بجانب اعجابي به هناك آخرون أمثال هاني الفنان العراقي رسام جريدة الحياة وحبيب اللبناني وقاسي الجزائري المهاجر وكحيل رسام الشرق الأوسط وعلي فرزات السوري وغيرهم.
لحظة العثور على رسم ساخر
* على ذكر الأجيال، وباعتبارك من جيل ثورة يوليو، ما حدود علاقتك بجيل الرواد,, ومن منهم تأثرت به ,,؟
- جيل الرواد بالنسبة لي بدأ من التحاقي بكتيبة روز اليوسف وهم الذين طوروا فن الكاريكاتير عقب ثورة يوليو إلى مفاهيم جديدة تعالج واقعا سياسيا واجتماعيا مختلفا، فكانوا أقرب إلى الثوريين الجدد في كل مناحي الحياة وعلى رأسهم صلاح جاهين وحجازي والبهجوري والليثي وبهجت وعمنا الكبير زهدي رحمه الله، وأكثر من تأثرت بهم صلاح جاهين وحجازي الذي أعتبره أستاذي وأبي الروحي، حتى إنني كنت أقلد رسومه لسنوات ثم خرجت من عباءته إلى أسلوبي الخاص واعتبره سيد درويش الكاريكاتير العربي.
* وعندما عثرت على أسلوبك الخاص, هل ثمة طقوس خاصة تمارسها أثناء العمل؟
- طقوس كل فنان لها ظروفها وأنا مواطن كغيري من سائر المواطنين أشعر منذ لحظة بزوغ كل يوم جديد بما يحيط بي, وما يستجد,, أعاني وأشعر,, واختزن أحزاناً وآمالاً,, وحدود الإبداع هنا تكمن في التقاط لقطة المعاناة كأنك تضغط على دمل يكاد ينفجر من شدة التضخم والألم,, ويصل الإبداع ذروته عندما أجلس إلى مكتبي ويصبح هذا الكاريكاتير الذي أفرزه تحريضيا ومقاوما لكل أشكال الانتقاص من كرامة وحرية المواطن.
مستقبل هذا الفن
* عندما ترى من جاءوا بعدك على درب هذا الفن الفطري الساخر,, ما العيب الذي تراه في الفنانين الجدد؟
- استعجال الوصول إلى الشهرة والثراء بالمفهوم الضيق,, فأنا لا أظن أن رساما واحدا عاش ثريا أو مات ثريا,, بجانب الاستعجال في النشر بكثافة قد تقلل من الإبداع,, وتجعل أغلب رسوماتهم المنشورة مجرد فذلكة .
* وهل لفن الكاريكاتير مستقبل في الصحف العربية ,,,؟
- مستقبل فن الكاريكاتير عربيا مرتبط بالحرية ككل وحرية إصدار الصحف دون خوف أو سيطرة,, والكاريكاتير باعتباره فناً وظيفته الأولى النقد لابد أن يستمر ويزدهر لا أن يقهر أو يقمع,لأنه بدون الرأي والرأي الآخر تتوقف الحياة عند الثوابت القهرية دون تقدم نحو عالم ورؤى جديدة.
شريف صالح

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved