Saturday 16th October, 1999 G No. 9879جريدة الجزيرة السبت 7 ,رجب 1420 العدد 9879


الشاعر عندما لا يكون مغنياً
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

كتب إليّ دكتور فاضل - لم أر في خطابه الخاص إليّ ما يبيح لي أن أذكر اسمه صراحة - كتاباً تخلق صاحبه بأخلاق العلماء الفضلاء من التنبيه إلى الأخطاء مُسارَّة وبلطف دون تشهير في الصحف؛ فجزاه الله عني خير الجزاء,, جاء في رسالته: فأسأل الله تعالى لكم العون والتوفيق والسداد، كما أسأل الله أن يبارك في حياتكم ويمتعكم بالصحة والعافية؛ لتواصلوا مسيرتكم العلمية وعطاءكم الثقافي المتنوع وأستأذنكم في إبداء بعض الملحوظات حول قصيدتكم المنشورة في جريدة (عكاظ) العدد (12053) الجمعة 16/5/1420ه بعنوان (فذلك فيصل وأنت قراب),.
القصيدة جيدة المضمون، سامية الغرض، سلسة الأسلوب، جزلة الألفاظ، قوية اللغة,, ولكن الذي لفت نظري أن فيها عدداً ليس بالقليل من الأبيات وردت غير مستقيمة من الناحية العروضية؛ فأفسدت القصيدة، وأثرت على جمالها وحسنها,, وخذ مثالاً على ذلك: عنوان القصيدة والذي (1) هو عجز البيت السابع والثلاثين: (فذلك فيصل وأنت قراب): لقد خرج على نظام القصيدة، وخالف وزنها، فجاء قلقاً مضطرباً، وليس هذا فحسب، بل في القصيدة عشرون بيتاً جاءت مكسورةً، وغير مستقيمة من الناحية الفنية وهي الأبيات التالية: 4، 5، 6، 9، 11، 12، 19، 20، 25، 29، 31، 32، 33، 34، 35، 38، 39، 40، 41، 42.
وتعلمون أيها الشيخ الفاضل أن مثل هذه الأخطاء وإن كانت سهلة ويسيرة إلا أنها إذا جاءت من أمثالكم فإنه ينظر إليها نظرة أخرى,, كيف وأنت من أعلامنا الكبار، وعلمائنا الأجلاء الذين نعتز بهم علماً وفضلا وسعة ثقافة,, والناس يعرفون عنكم حبكم للغة العربية، ودفاعكم عنها، ويقدرون خدمتكم للتراث، واحتفاءكم بالأدب الأصيل.
شيخنا الفاضل: إنني بمثابة تلميذكم سنا وقدرا وعلما، ولكنني آثرت الكتابة لكم مباشرة، لعلمي بأنكم ترحبون بمثل هذا الأسلوب في الحوار، وهذا المنهج في الطرح,, حتى ولو جاء من أحد أبنائكم ومحبيكم.
أسأل الله تعالى لكم السداد في القول والعمل، كما أسأله عز وجل أن يتغمد فقيدنا الغالي صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان والإسلام والاستقرار والرخاء في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود متعه الله بالصحة والعافية، وتولاه بحفظه ورعايته، ولا أراه مكروها في حبيب ولا عزيز,, وتقبلوا مني أخي العزيز صادق الدعاء وخالص التحية (2) والله يرعاكم .
قال أبو عبدالرحمن: شكراً شكراً لهذه الروح النبيلة,, ثم إنني أبدي لأخي الكريم أن ما ورد في القصيدة من تكسير (وأنا أعترف به): فهو تحريف مني؛ لأنني كتبت القصيدة على عجل في الطائرة من جدة إلى الجوف، وفي الطائرة من الجوف إلى جدة، وبيّضتها أيضا على عجل,,فأما المسودة فكانت سليمة؛ لأن عادتي أن أنظم القصيدة بغناء ساذج، ثم أتأكد بعد ذلك من سلامتها عروضياً بالتقطيع,, وأشكو إلى الله أن أذني ليست موسيقية كأذن محمد حسن عواد، أو محمد حسن الفقي، أو حسين عرب، أو محمد عبدالوهاب، أو أبي تراب الظاهري، أو الشيخ عبدالعزيز الحربي، او الشيخ محمد بن إبرهيم الهويش متعه الله بالعافية,, أو,, أو,, وعند التبييض لا أكون بحاجة إلى الغناء مرة أخرى بالقصيدة؛ فيحصل الخلل,, وهذا الذي أعترف به تبييضاً لا تسويداً محصور في التالي:
1- وبالحرمين لله منك موقف.
حصل تقديم وتأخير,, والصواب:
وبالحرمين منك لله موقف.
هذا على مذهبي في جواز مفاعلتن في حشو الطويل,, أما عند الإلزام بمفاعيلن في الحشو فيكون الصواب:
وفي خدمة الحجاج أعظم قربة.
2- لك همة بالمسجدين ومعجز.
هذا سبق قلم، والصواب:
لكم همة بالمسجدين ومعجز.
3- وقد أهاب بهم من رقدة فأهابوا.
والصواب: أهاب بهم من رقدة فأهابوا.
وعند التبييض نسيت نفسي، فقدمت حاجة النثر على ضرورة الشعر، وأضفت كلمة قد تلقائيا,, على أن هذا من الخزم، وهو جائز يُكتب ولا ينطق,, إلا أنني لم أقصد هذا.
4- تعزيك فرحة اليتيم وبائس.
الصواب: تعزيك أفراح اليتيم وبائس.
إلا أن النثرية غلبت عليّ عند التبيض، وذهلت عما أحكمته غناء عند التسويد.
5- وسيان شح النفوس أو أريحية.
والصواب من مسودتي:
وسيان شح النفس أو أريحية.
ولكن عجلة التبييض، وعدم المطابقة - وذلك حرصاً على ألا تفوتني مناسبة الرثاء - جعلت النفس نفوساً.
6- ومن صرفه يسيل دوماً لعاب.
الصواب في مسودتي:
ومن صرفه دوماً يسل لعاب.
فحصل عند التسويد تقديم وتأخير.
7- ومن قابل المقدر المر بالرضا.
الصواب في مسودتي:
ومن قابل المر المقدر بالرضا.
حصل تقديم وتأخير، وكلا الوزنين جائز؛ فالأول على مفاعلن، والثاني على مفاعيلن.
8- وليس يخاف مع الخلود تباب.
الصواب في مسودتي:
وليس يخاف في الخلود تباب.
وليكون على مفاعيلن يكون هكذا:
وليس مع التخليد يخشى تباب.
***
قال أبو عبدالرحمن: أما بقية الأبيات التي انتقدها الأستاذ الفاضل فهي سليمة، وإنما جاءت مفاعيلن في الحشو على مفاعلن، وهو زحاف جائز يتحول في الغناء ضرورة إلى مفاعيلن، وله شواهد كثيرة من الشعر العربي,, قال امرؤ القيس:
سماحة ذا وبر ذا ووفاء ذا
ونائل ذا اذا صحا واذا سكر
وقال النابغة الجعدي:
ولكن قومي اصبحوا مثل خيبر
بها داؤها ولا تضر الأعاديا
وقال زويهر بن الحارث:
وكان عميدنا وبيضة بيتنا
فكل الذي لاقيت من بعده جلل
وقال شاعر آخر:
وهل تذكرون إذ نزلنا وأنتم
منازل كسرى والأمور حوائل
فكل هذه الشواهد وغيرها وردت فيها مفاعيلن مقبوضة على وزن مفاعلن، وإنكار جمهور العروضيين لذلك تنطع بعد هذه الشواهد، وبعد استقامتها بالغناء ولو كان ساذجاً,, وقد أخذت على نفسي أن أنظم مغنياً بعيداً عن العروض؛ فإذا فرغت من القصيدة راجعت العروض على عجل للتأكد، وربما عدَّلتُ.
أما أن مفاعيلن في الحشو أسلس فلا شك في ذلك، ولكن مفاعلن تتحول إلى مفاعيلن ضرورة غنائية,, ولتتأكد من ذلك غنِّ بحر الطويل على لحن قول سليمان بن شريم:
سرى البارق اللي له زمانين ماسرى
تر اللحن يستجيب لك بمفاعيلن ومفاعلن,, أي غنِّ:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
ثم غنِّ:
فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن.
والسر في ذلك أن ضرورة الغناء تقتضي الاتكاء بإشباعٍ (نبر) على الحرف المقابل لعين مفاعلن في كل بيت.
وإن تمسَّك الأستاذ الفاضل بأن ابتغي الأسلس، وأحول مفاعلن إلى مفاعيلن قلت: حباً وكرامة؛ فهذه الأبيات المنتقدة أوردها في المرة الأولى على مفاعلن وفي الثانية على مفاعيلن، وهي:
1- تطامن دونه أسى وصعاب.
يهون أسى من دونه وصعاب.
2- تنوء به الجبال وهي صلاب.
تنوء به صم الجبال الصلاب
3- تشف له الخطوب فهي عذاب
تشف له الأعباء فهي عذاب.
4- جنان تكنف التجلد والتقى.
جنان تربَّى بالتجلد والتقى
5- ويحلم وهو قادر ومهاب.
ويحلم وهو الألمعي المهاب.
6- بإحجام حنكة وإقدام باسل.
بإحجام تحنيك وإقدام باسل.
7- ومن صفوة الورى تنال شفاعة.
تنال لدى خيرالبرايا شفاعة.
8- فبدد كربهم بفيض نواله.
فبدد أتراحاًبفيض نواله.
9- لقد أسمعوا فجد منه هباب.
لقد أسمعوا فاشتد منه هباب
10- فلله ما انطوى عليه إهاب.
فلله ما أضفى عليه إهاب
11- فذلك فيصل وأنت قراب.
فذا فيصل عضب وأنت قراب.
12- وآجالهم لها مدى وحساب.
له غاية مكتوبة وحساب.
13- لما حمد الشجاع في حومة الوغى.
لما حمد المقدام في حومة الوغى.
14- نلاعب دهرنا ونغنم صفوه.
نلاعب دهرا نستلذ بصفوه.
قال أبو عبدالرحمن: ثم شكراً شكراً لاتاحة هذه المداخلة.
***
(1) واو العطف قبل الذي لحن تفشى في المعاصرين ولاعطف بين الموصوف والصفة.
(2)قال ابو عبدالرحمن: كنت في رسائلي اعبر بكلمة عاطر التحية تحرجا من اخلاصها لغير الله، لأن التحيات لله.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved