Sunday 17th October, 1999 G No. 9880جريدة الجزيرة الأحد 8 ,رجب 1420 العدد 9880


أحمد زويل المنسي
د, عبدالعزيز علي الخضيري*

حصل العالم المصري الاصل البروفيسور احمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام نظير ابحاثه المتميزة عن المراحل الانتقالية والتفاعلات الكيميائية التي استخدم فيها آلة تصوير بالغة الحساسية لتصوير حركة الذرات في زمن يساوي جزءاً من مليون من المليار من الثانية، وهي ابحاث عالية الجودة لها تطبيقات متعددة في مجالات الطب والزراعة والصناعة ستنقلنا قريباً الى حقبة جديدة في مضمار التقدم التكنولوجي.
وأحمد زويل بدأ حياته في الريف المصري وفيه تلقى علومه الاساسية في مدينة دسوق حتى حصوله على الشهادة الثانوية ثم حصل على شهادة البكالوريوس من كلية العلوم في جامعة الاسكندرية عام 1967م ثم الماجستير في علم الاطياف عام 1969 وبعدها رحل الى امريكا ولم يعد فقد حصل على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا 1974م وانتهى به الحال استاذاً مساعداً للطبيعة الكيميائية بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا ثم استاذاً مشاركاً فاستاذاً حتى حصوله على الجائزة.
والبعض يرى ان حصول احمد زويل على هذه الجائزة هو دليل على تفوق العلماء العرب في ميدان البحث العلمي ويعارضهم في ذلك آخرون، اذ يرى هؤلاء ان حصوله على هذه الجائزة سيجعله العالم رقم 46 من العلماء الامريكيين الحاصلين على الجائزة من بين 91 عالماً ينتمون الى مؤسسات البحث العلمي في دول العالم المتقدم، وان مقومات واسباب هذا النجاح لا تعود لنا في العالم العربي، ذلك انه بدأ رحلة البحث والتجريب هناك في امريكا وفيها تلقى الدعم المالي والمعنوي وكانت ثمرة ذلك الدعم انجازات علمية غير مسبوقة.
وبين هاتين الفئتين يقف زويل ليقول انه لا ينسى فضل مصر وشعب مصر عليه منذ البدايات الاولى، فهو يقول انه تلقى علومه الاساسية في بلده الاصلي وهناك تشكلت النواة الاولى لتوجهاته العلمية فاكتسب المعارف الاساسية في علوم الكيمياء، وهو ايضا لا ينسى ان الدعم الذي تلقاه في امريكا خلال مسيرته البحثية قد جعله في نهاية المطاف واحداً من صفوة العلماء في العالم.
هذا العالم العربي المسلم هو مثال حي على فلسفة واقع التعليم والبحث العلمي في البلاد العربية, فهل يصدق القول ان انظمة التربية والتعليم لا تؤدي الى إيجاد فئة من العلماء المتميزين واننا بحاجة الى غربلة المنهاج التعليمية؟ وهل يصدق القول بأن ارضية البحث العلمي في البلاد العربية هي ارضية هشة لا تؤدي الى تحقيق انجازات محسوبة وايجاد فئة مميزة من العلماء العرب؟
الواقع هو ان البلاد العربية لا ينقصها فلسفات او مناهج تعليمية تؤدي الى إيجاد جيل قادر على التفكير المنهجي والابداع والتجديد, انما ينقصها ادارة تربوية قادرة على تحقيق الاهداف بدءا بمعلم الفصل وانتهاء بالمدير والمشرف الناجح في قطاعات التربية والتعليم, وفي ظني ان احمد زويل التلميذ في المدرسة الابتدائية ثم المتوسطة فالثانوية بمدينة دسوق كان واحدا من عدد لا يستهان به من علماء المستقبل لكن زويل استطاع ان يجد طريقه نحو المستقبل اما بسبب معلم ناجح او ظروف اسرية مثالية لم تتوفر لأقرانه.
وفي كل البلاد العربية تقريباً يوجد اعداد كبيرة من احمد زويل في كل المجالات العلمية لكنهم الصورة المنسية لهذا العالم حيث تتلاشى مواهبهم وهم يتنقلون في قطار التعليم من مرحلة الى اخرى, ومثل هؤلاء هم بحاجة لمن يتذكرهم ويحاول التقاطهم في اي مرحلة تعليمية من خلال آليات تساعد على اكتشافهم وتطوير مواهبهم، وهو ما نفتقده في الوقت الحاضر, واستثنى من ذلك الخطوات الجدية التي بدأت تظهر في سبيل التعرف على الموهوبين ورعايتهم في المملكة من خلال مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله الموهوبين ، غير ان هذه التجربة لاتزال في بدايتها والحديث عنها يبدو مبكراً.
اما الحديث عن ارضية البحث العلمي الهشة في البلاد العربية فهذه ليست مزحة, اذ لو عادت الايام الى الوراء ثلاثين عاما فلم يرحل زويل وبقي في اي جامعة عربية فان حظه في الحصول على جائزة نوبل يبدو متلاشياً, والاسباب في ذلك متعددة لكنها تتمحور حول القضية الاساسية وهي الادارة الفاعلة لمنظومة البحث العلمي.
وبقدر فرحنا بهذه الكوكبة من العلماء امثال احمد زويل وغيره في الدول المتقدمة حتى الذين لم يحصلوا هذه الجائزة، اقول لعلنا نعود لتقييم الاداء وتوصيف معايير ادارية سليمة في قطاعات التعليم والبحث العلمي.
وعلى سبيل المثال فنحن بحاجة الى ربط قطاعات التعليم والبحث العلمي بمنظومة الانتاج في الطب والزراعة والصناعة وبدون تغذية هذه المنظومة بالأيدي والعقول الخلاقة فان كل ما يصب في هذين القطاعين هو ضرب من ضروب الهدر المالي والبشري, ولذا فان هجرة العقول والكوادر المنتجة الى بلدان اكثر تقدماً من الناحية الادارية بمفهومها الواسع ليس بأمر يدعو للعجب, وهكذا فان بروز العلماء العرب خارج بلدانهم انما يثير شعوراً مختلطاً بين الفرح بهم ومراجعة النفس.
واختتم هذا المقال بالاشارة الى الصحافة العلمية في البلاد العربية، فقد كان احمد زويل مثار جدل في بعض الصحف العام الماضي, وقد قال البعض ان كل ما قيل عنه في ذلك الوقت كان مبالغاً فيه وأن الاعلام بالغ في الاشادة به, ثم جاءت جائزة نوبل لتؤكد انه من صفوة العلماء.
ومثار ذلك الجدل هو ضعف المصادر المعلوماتية الخاصة بالعلوم والتكنولوجيا لدى تلك الصحف بل ان عدداً كبيراً من الصحف العربية لا تهتم بايجاد صحفيين ذوي اهتمامات علمية وتقنية لمتابعة كل جديد, ولذا فان مجمل ما ينشر من مواد علمية هو حقيقته من مصدرين الاول وكالات الانباء وهنا تتساوى كل الصحف والمصدر الآخر المقالات العلمية التي يكتبها البعض، وبسبب المصدر الاخير تبدو المعلومات العلمية منقوصة وفي بعض الاحيان غير صحيحة على وجه العموم, ولعلنا نتناول هذه الصحافة العلمية في مقال آخر إن شاء الله.
* جامعة الملك سعود

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved