Sunday 17th October, 1999 G No. 9880جريدة الجزيرة الأحد 8 ,رجب 1420 العدد 9880


تلويحة
(من هنا) عبده خال

* تناول كاتب هذه الزاوية باشارة سريعة، بعنوان (أين) رواية الكاتب عبده خال (الموت يمر من هنا) والحقيقة ان اساس فكرة الموضوع كان الرواية ذاتها,, غير انها ما لبثت ان اخذت تفريعاً مهماً، استنتج عن غياب حصص الكتاب في بلدنا، ومسببات احباطاته، وكذلك هجرته الطباعية في وقت نملك فيه اغلب الامكانيات الطباعية,, والسبب كما نعلم,, ان الرقابة الإعلامية الوظيفية التي هي في مستوى عدم استيعاب العمل الاداري والفني، فالعمل المقدم اليها لأخذ فسحة الرقابة,, يبقى في طور حدين محدودين- لا اعتقد ان عاقلاً يتجاوزهما في هذه الخارطة التي يتعايش في حدودها- الدين والسياسة، ولنذكر الألم الباهت الذي يفسح لكل الأعمال المريضة والميتة بالنشر، حيث لا تجد تعليقاً عليها سوى: السخافة، وهذا دليل كضحى النهار بأن الرقابة لا تعي كثيراً في (الفن الابداعي) ذلك ما جعل الزاوية تتجه في هذه التفريعة الخارجة عن الموضوع اياه (الموت يمر من هنا)، وغيره من المطبوعات - الروائية تحديداً - لن تلقي لها مرحباً ولا نشراً في سوقنا المحلية او رقابتها، لذلك - وهذه نظرة احادية - اتجهت الى خارج الحدود, وهي في ذات الحال وبوجهة اخرى,, تلقي سوقاً قرائية وتعريفية بمستوى الادب في بلدنا مما يرفع سمعته وتطوره المعرفي الثقافي امام الخارج.
رواية (عبده خال) هذه لم يكتبها في ليلة واحدة، ولا كذلك في المحاولات حول نشرها محلياً، فقد بذل فيها كاتبها الجهد والمال والوقت، والهم حول طباعتها ونشرها، ثم تفوق - ربما - صدفة، او اصراراً,, فأصدرها عن باب (المؤسسة العربية ببيروت وعمان) والحمد لله الذي جعل الملائكة تضع اجنحتها رضىً للعلماء وطالبي العلم, هذه الرواية الموضوعة في - 476 - صفحة من الحجم المتوسط - حسبما نرى ونقرأ في المقاييس الحجمية - مضغوطة ضغطاً يزيد عن الحشد,, فقد تناولت حياة منطقة في هذا الوطن (قرية في جيزان)، ويسميها البعض (جازان) وأظن ان هذا الأخير هو الاقرب الى الحقيقة، فقد وجدت في كتاب (ملوك العرب) لأمين الريحاني الذي مر بها عبر رحلته الطويلة في الجزيرة العربية,, ان (جازان) آتية من مجئ الزّين الذي كان يبني الدور,, فكان لها هذا المسمى منذ نشأة ولادتها,, ليست هذه قضية، لكن المهم ان الرواية,, تحدثت بصورة مكثفة التفاصيل من خلال شخوص معينة استطاع الكاتب ان يمنحها - الاشخاص الشخوص الشخصيات - عناوين على هيئة مقولات ذات حكم ودرايات تجريبية,, في اول فصولها التي تتكلم عن مواطئها في معيشة واقعها,, و(درويش) و(عبدالله الشاقي), و(شبرين)، و(موتان) و(الشيخ موسى) ومن كان في سبيل مصالحه ك(ابو البراري - الرأس الأكبر) (السوادي) ديكتاتور القرية وما تحويه من نتائج الحصاد والعمل، وكذلك بسمعته السلطوية الفاجرة في القرية المجاورة، وحالة من بطش عسكري وامتلاكي، ومن تصفية للأجساد قوية، وقدرة على المال والموأن في سنين القحط الغبراء، واشياء تفصيلية قامعة ومصادرة لأي حق مهما كان ضئيلاً بالقرية.
شخصية (السوادي) تلازم القارئ الى نهاية الرواية، بل انها تتجاوز اجيالاً ولا تظل تزاول عنفوان سطوتها، يتجاوز الاجيال والحيوانات والحصاد، وهو باق في (قلعته) المشهورة والمعروفة كالموت ذاته عند الاهالي، لقد اقتلع عين (زيلعي) الذي واجهه ذات يوم ب(التسلط والدناءة) امام اهل القرية,, هبط بمخالبه كالنسر فاقتلعها، ولم يعد له الا الهجرة خارج القرية، في المساحات البعيدة ومعه ابنه (شبرين) تاركين خلفهما امرأة في الفقر والعوز تبكي الى ان جاءها ال,,,، عاد (شبرين) بعد ان دفن اباه في الخلاء مريضا جائعاً يتوعد,,، وساقت (شبرين) الظروف الى ان وصل الساحل فعمل مع المراكب لسنين طويلة، ثم عاد الى بيته (عشته القديمة) ظاناً بأنه لن يجد احداً من جيله محاولاً ان ينتقم من (السوادي) واعوانه، ثم يقاد بعد انتقامية تتعلق بشرفه الى سطوته سجيناً في القلعة .
سيجد القارئ ان (محروس) الحارس المدير على كل العاملين المكلفين بحراسة سجناء (القلعة) يتحول الى متعاطف ثم متعاطف جاد مع السجناء من خلال مواويل (شبرين) وشجاعة (درويش) الكلامية,, الى محرض فرافض فمعادٍ لسيده، والذي كان يستخدمه كوسيلة آدمية للزواج من (حليمة) الشابة الغجرية الغريبة على القرية، حيث تأتي مع جماعتها وقت الحصاد, فاتنة ملتوية مغرية,, حيث كان (والي) الموالي القريب ل(السوادي) يمارس معها لياليه الحمراء الغاصبة.
* * *
إنك لن تستطيع قراءة رواية (الموت يمر من هنا) إلا اذا كانت الصفة الدمعية - بعد التعاطف الإنساني - محبوسة بأمر من حزمك فكل المواصفات التي استدعت الرواية كتابتها تشكل روائي,, تعمد بك نحو الدمع، فالدموع كتعبير لا يقبل المخاتلة بنشيج صدرك وعينيك، الى موقف العجز وانتظار طاهر الطبيعة المغيرة,, فالكل بفقرهم ومرضهم ومهلهم ( في المثلث المبيد للانسانية) جعل المتسلط الكبير (السوادي) وآلياته الباطشة تفني القوم فناءً حقيقياً، وهم لا يجدون وسيلة غير صاحب القبة (ابو قضية) الواسطة الاسطورية الذي تذبح له الذبائح، ويمنح حارسه المال والتوسط والدعاء من اجل الاستشفاء والبركة - النصر - احياناً رواية (عبده خال),, عمل خصب مهم في تاريخ اعمالنا الروائية فهي لا تخرج عن خصوصية المكان بعلاقاته وادواته وعاداته، واساليب معاشه المرتبطة بأرضه,, تاريخاً وتراكماً، إن (الموت يمر من هنا) عمل فني يعبر عن مرحلة تاريخية مرمزة في تلك المنطقة، واعتقد اننا مرحلياً وتجاه حقبة لا يمكن ان نغمض عين التاريخ عن سؤالها,, نحتاج جداً اليها والى امثالها.
* * *
ارى ان الرواية في بلدنا يجب ان تتجه الى خصوصيتها مكاناً وزماناً، وهاتان الكلمتان تحملان واقع الاداة المعيشية والصراع مع الطبيعة الى جانب التقليد والعادات الانسانية الخاصة والى اعتبار العمل النسيجي في داخل هذه الاعتبارات، ولسنا بموجبين بالكتابة الروائية من خلال او (عبر) تحديداً (سباق النجوم) او الغزو الفضائي، او التسريع في معرفة قطبي التجمد الكروي، لكل تخصصه لو تم لنا ذلك,, لكننا ككتاب معبرين لا نحتاج الى عوالم تدخلنا العالم,, نحتاج فقط - وهذه شهادة بكامل الامانة الكتابية - نحتاج الى النظرة بدقة نحو مواضع اقدامنا,, لذلك - ومع اسقاط بعض الملاحظات المهمة في هذه الرواية - اقول: علينا ان نلاحظ واقعنا,, وكفى بالله شهيدا.
تلويحة
(الموت يمر من هنا) تحتاج الى قراءة وليس الى استعراض في زاوية!.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved