Sunday 17th October, 1999 G No. 9880جريدة الجزيرة الأحد 8 ,رجب 1420 العدد 9880


د, معجب الزهراني,,, والحوارية في مقارباته النقدية1-2
د, محمد صالح الشنطي

حينما تحدثنا عن الريادة النقدية - فيما سبق - كنا نعني بدايات الاهتمام بمقاربة النصوص الابداعية دون النظر الى المناهج المتبعة او كيفية الاداء، باعتبار ان تلك المرحلة كانت تمهد الطريق امام مشروع ثقافي احيائي ينهض بدور تنويري يرهص بالوثبة الثقافية الآتية التي من شأنها ان تنقل الحركة الابداعية الى عتبات المعاصرة ليس بمفهومها الزمني، ولكن بدلالاتها الحضارية، وكان علينا ان ننتظر وقتاً آخر حتى نجد انفسنا بصدد البحث عن ريادة من نوع آخر هي ريادة تأخذ بأسباب المناهج الحديثة، فكان عقد الثمانينات الميلادية مرشحاً لأن يكون عقد هذه الريادة، حيث بدأ المثقفون الاكاديميون من الجيل الثاني يشقون طريقهم الى الساحة النقدية متسلحين بأدوات معرفية جديدة متمثلة في اتقان لغات اجنبية حية وكان قد سبقهم الجيل الاول متمثلا في الدكتور منصور الحازمي والدكتور عزت خطاب وغيرهما ممن حدّثوا الادوات النقدية، في اطار المناهج النقدية التي سادت في تلك الحقبة، ولم تكن البنائية وغيرها من المناهج اللسانية والشكلية قد عرفت على نطاق واسع الى ان برز الغذامي في منتصف الثمانينات وكذلك البازعي والسريحي وغيرهم، وكان الدكتور معجب الزهراني الذي انهى اطروحته للدكتوراه فيما بعد قد درس في السوربون واتقن الفرنسية التي مكنته من الاطلاع المباشر على المناهج الحديثة في مظانها الرئيسة، وكان منهج الغذامي يقوم على العرض المتميز لتلك المناهج والبحث عن جذورها في التراث واصطفاء النماذج القادرة على التمثيل لها من خلال التطبيق، ومنهج البازعي التنويري يجمع بين العرض والترجمة والمقاربة التطبيقية المباشرة والكشف عن خصوصية الثقافة من خلال ربطها ببيئتها الطبيعية والتاريخية فإن معجب الزهراني، قد عمد الى البسط والتنظير من الداخل بمعنى الاهتمام بالاطار المنهجي النظري من خلال دراسة النماذج الابداعية المحلية فضلاً عن الترجمة، ولكنه لم يكن مجرد ناقل بل يصطفي وينظّر ويطبق من خلال اطاره النظري في آن.
ويعلن الدكتور معجب الزهراني في دراسة نشرها في مجلة فصول 1997 عن جهود الدكتور الغذامي النقدية في كتابه الخطيئة والتكفير تعاطفه مع المنهج الذي اصطنعه الناقد، بل ويأمل ان تكون مشاركته تلك امتداداً لجهد الغذامي وبعض النقاد الجدد الذين ينطلقون في كتاباتهم من المرجعية الالسنية - الشعرية ذاتها (1) .
فهو يصنف نفسه ضمن هذا الاتجاة النقدي، ولكننا نستطيع ان نحدد ملامح هذا التوجه من خلال شهادته المنشورة في النص الجديد (العددان السادس والسابع) (2) إذ يقول انني كنت سعيداً بالتعرف على حوارية باختين منذ ان قرأت عنه وله ثم يقول بعد ذلك: هكذا بدت لي حوارية باختين نظرية نقدية حديثة ذات اغوائية كبيرة فهو يعلن انحيازه الى اتجاه نقدي معروف هو النقد الحواري, وهو نقد يقوم عل ما مفاده ان العمل الادبي والروائي بوجه خاص اطار تتفاعل فيه مجموعة من الاصوات، او الخطابات المتعددة اذ تتحاور متأثرة بمختلف القوى الاجتماعية من طبقات ومصالح فئوية وغيرها، كما ان كل تغير نحوي او دلالي فيما يعبر عنه، سواء في الحياة اليومية او في الادب يعود الى العلاقة بين المتحدث ومستمعيه، الى ما يتوقعه المتحدث من ردود فعل، وما تأثر به من مقولات سابقة، ويقرر الدكتور الزهراني ان باختين في حواريته يحاول ان يتجاوز اطروحات الشكلانيين الروس الذين اختزلوا الادب في تقنياته والنقاد الماركسيين الذين اختزلوه في مضامينه الايديولوجية، ويشير الى ان كتاباته تنطوي على فكر فلسفي معمق يمتد من حواريات افلاطون الى كتابات هيدجر الذي لم ينشغل احد اكثر منه بالانصات للكائن في الزمن او للموجود في الوجود ، ويكرر ان حوارية باختين وحوارية تودوروف وحوارية فكر الاختلاف الحديث كله كانت الاكثر جاذبية لان خطاب ادوارد سعيد يتموضع في سياق فكر الاختلاف الذي يمثله نيتشة وهيدجر وفوكو ودريداوبارت، والحوارية جزء من فكر الاختلاف، ويعلن ان فكر الاختلاف النقدي هو الذي يحاول تمثله مع غيره من نقاد الساحة.
ويعمد بعد ذلك الى استعراض مساره النقدي في هذا الاتجاه, فيشير الى اول مشاركة له في الجنادرية الثانية عام 1988 وكان ما يزال طالباً في السوربون الثالثة حيث قدم ورقة عن لغة المعيش اليومي في لغة الرواية حيث اعتبرها مقاربة حوارية لرواية الوسمية لعبدالعزيز مشري، ويصف ردود الفعل المختلفة على هذه الورقة، وقد كانت تلك الردود صدمة بالنسبة له، ويقول ان تلك الردود زادته تشبثاً بالحوارية وغيرها من المفاهيم التي انتجها الفكر النقدي الحديث (فكر الاختلاف) ولكنه يستدرك فيقول (لا باعتبارها نظرية ناجزة وجاهزة للتوظيف، وانما كتوجه يستحق الحوار معه) ومحاولة اختبار جدية وجدوى طروحاته, وقد تأكد ذلك بشكل اكثر دلالة كما يقول في ثلاث مقاربات اخرى مهمة بالنسبة له: الرواية المحلية واشكالية الخطاب الحواري وقد استمر فيها مفهوم الحوارية كأداة تفسيرية مزدوجة الوظيفة، المقاربة الثانية آثار الحوارية في الكتابة الروائية المحلية وقد حاول استثمار الحوارية بمفهوم تحليلي يعين على التمييز بين انماط ودرجات الحوارية في اربعة نماذج سردية محلية، والمقاربة الثالثة كانت بعنوان غربة الظاهرة المسرحية في ثفافتنا محاولاً فيها تفسير غياب خطابات وتقاليد المسرح من ثقافتنا القديمة وهامشية حضوره في ثقافتنا العربية الراهنة.
ويقرر الناقد مرة ثانية ان الحوارية ليست نظرية مكتملة او ناجزة وجاهزة للاستعمال، لا عند باختين ولا عند تودوروف ولن تكون كذلك عنده كما يقول، وانه يؤمن بجدوى نسيان النظريات الجاهزة او المكتملة لحظة الممارسة النقدية,والنقد الحواري - كما يشير الناقد - لا يتكلم عن المؤلفات، وانما اليها او معها.
ولعل مقاربته عن الرواية المحلية واشكالية الخطاب الحواري (3) تشير بشكل واضح ومنذ البداية الى فكر الاختلاف الذي ينتمي اليه الناقد بوصفه فكراً حوارياً، إذ يقول في مستهل هذه المقاربة تحت عنوان اشارة: الاختلاف آية,, الاختلاف حقيقة,, الاختلاف رحمة ، ويصف مقاربته انها اجتهادات ووجهات نظر تحاول ان تكون حوارية ومثيرة للمزيد من الجدل المعرفي الحواري، انه يعتبرها منطلقاً اذ يعرب عن تمنياته ان تتحول بعض اطروحاتها الى نواة لاكثر من بحث او دراسة ينجزها هو او ينجزها غيره.
ويومئ الناقد الى مرجعيته النقدية منذ البداية ممثلة في ميخائيل باختين الذي يلخص اطروحته بأنها تقرر ان الخطاب الروائي يتميز عن الخطابات الادبية الشعرية بمبدأ الحوارية، ثم يتساءل: ماذا يمكننا ان نضيفه اليه او نتممه به لاستثماره كأداة نظرية ومنهجية تساعدنا على قراءة اشكاليتنا في خصوصيتها؟
يتبع

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved