Sunday 17th October, 1999 G No. 9880جريدة الجزيرة الأحد 8 ,رجب 1420 العدد 9880


ثلاث رسائل وملاحظة
قصة قصيرة للمؤلف هوراكيو كيروقاHORACIO QUIROGA
ترجمة: فوزية الجارالله

سيدي,, استميحك عذراً في ارسال هذه الرسائل اليك وكلي امل ان تقوم بنشرها تحت اسمك,, اطلب منك ذلك لأنه وحسب علمي ليس ثمة جريدة ستقبل بهذه الصفحات اذا وقعتها باسمي ولعلك ترى انه من المفيد تعديل بعض الانطباعات باضافة بعض اللمسات الرجالية والتي قد تساهم في تحسين هذه الرسائل.
يحتم عليَّ عملي استخدام المواصلات يومياً وعلى مدى خمس سنوات مضت كنت اقوم بنفس الرحلة وفي بعض الاحيان، في رحلة العودة اعود بصحبة عدد من الزميلات، ولكني في الطريق الى العمل اذهب دائماً وحدي, عمري عشرون عاماً، طويلة القامة معتدلة البنية, لست سمراء ابداً، فمي واسع الى حد ما لكنه لا يخلو من جمال، عيناي ليستا ضيقتين، وفي رأيي، وهذه الملامح الخارجية التي قيَّمتها بتواضع كما لاحظت هي حقيقة كل ما احتاج لمساعدتي في تكوين فكرة عن معظم الرجال وهم كثرة مما يجعلني اقول جميع الرجال.
تعلم جيداً انكم معشر الرجال وقبل استقلال سيارة النقل العام تقومون بالقاء نظرة من الشباك الخارجي الى الركاب وبهذه الطريقة يمكنكم القيام بتفحص جميع الوجوه (النساء بالطبع حيث انهن وحدهن من يشد انتباهكم) وبعد هذه الاجراءات تدخلون وتأخذون مقاعدكم.
حسناً جداً إذن، وحالما يغادر الرجل الرصيف متجهاً الى السيارة متأملا وملقياً نظرة داخلها فإنني اعرف اي نوع من الركاب هو، ولا اكون مخطئة في ذلك ابداً, انني اعرف اذا كان جاداً، او اذا كان فقط ينوي ان يستثمر عشرة سنتات من اجرته في الحصول على وسيلة نقل سريعة, انني اميّز بسرعة بين اولئك الذين يودون ان يركبوا بالطريقة التي تريحهم واولئك الذين يفضلون اي موضع كان الى جانب فتاة ما, وعندما يكون المقعد المجاور لي خالياً فإنني اتعرف بدقة وبنظرة خاطفة عبر الشباك اي الرجال لا مبالين، اولئك الذين سيجلسون في اي مقعد كان, وأيهم يبدو نصف مبالٍ، اولئك الذين سيديرون رؤوسهم للنظر الينا بهدوء، بعد ان يحتلوا مقاعدهم، واخيراً اولئك الركاب الحريصون الذين سيتركون سبعة مقاعد فارغة لكي يحشر احدهم نفسه بشكل غير مريح الى جانبي في مؤخرة العربة، وربما يكون اولئك الركاب هم الأكثر اهتماماً، تماماً على عكس العادة المألوفة لدى الفتيات اللاتي يسافرن وحدهن، فبدلاً من القيام وتقديم المقعد الداخلي للقادم الجديد، فأنا اتحرك بكل بساطة نحو النافذة واترك مجالاً واسعاً.
مجالاً واسعاً,,! يبدو انه لا معنى لهذه الكلمة، فمن المستحيل ان يكون ثلاثة ارباع المقعد الذي أخلي من قبل فتاة كافياً لجارها.
فبعد التحرك التلقائي يبدو وكأنما تملك هذا الرجل سكون مفاجئ الى الدرجة التي يبدو فيها مشلولاً لكن ذلك هو الظاهر وحسب,, ولو كان هناك من يدقق النظر في المشهد فسوف يلاحظ بأن جسد الرجل ينزلق تلقائياً وبدرجة من الخبث التي تضفي بعض الوقار على نظرته الفائرة، ينزلق هذا الجسد شيئاً فشيئاً في انحدار غير معقول تجاه النافذة حيث تجلس الفتاة بالرغم من انه لا ينظر اليها وغير مبالٍ بها اطلاقاً.
وهكذا يفعل الرجال حتى ليكاد المرء يقسم بأنهم يتأملون القمر, بينما تستمر قدمه اليمنى او اليسرى في الانزلاق طوال الوقت شيئاً فشيئاً الى ذلك المستوى الخيالي.
واعترف بأنني طوال حدوث هذا الامر اكون بعيدة تماماً عن الملل,, وبنظرة بسيطة خاطفة وانا اتحرك باتجاه النافذة اكون قد شكلت انطباعاً عن ذلك الشاب المتودد للنساء فأعرف اذا ما كان رجلاً جريئاً مليئاً بالحيوية او اذا ما كان وقحاً صفيقاً الى درجة اشعر فيها بشيء من الخوف والقلق,, واعلم اذا ما كان لطيفاً او مجرد رجل مبتذل بذيء او مجرماً فظاً او نشالاً محترفاً,, او مجرد متودد متعطش للنساء ليس إلا.
وللوهلة الاولى قد يبدو أن هناك نوعاً واحداً من الرجال هو الذي يؤدي هذه الحركات يجعل قدمه تنزلق خلسة في حين يرتدي قناعاً آخر على وجهه,, لكن الامر ليس كذلك,, وليس ثمة فتاة لم يسبق لها هذه الملاحظة,, ولكل نوع مختلف يجب ان يكون لديها وسيلة دفاع جاهزة.
ولكن غالباً، وخصوصاً اذا كان الرجل في ريعان شبابه او يرتدي ثياباً رثة فمن المحتمل ان يكون نشالاً.
ولا تختلف التكتيكات المتبعة من قبل الرجال,, بادئ ذي بدء التصلب المفاجئ ثم التأمل في القمر,, اما الخطوة الثانية فنظرة خاطفة سريعة الى اشخاصنا والتي يبدو وكأنها لا تغادر وجوهنا والهدف الوحيد من ذلك هو تحديد المسافة المتداخلة ما بين قدمه واقدامنا وعندما تكتمل هذه المعلومات عندئذ يبدأ الاكتساح,وأعتقد ان هناك بعض الاشياء المضحكة اكثر من هذه المناورات التي تمارسونها معشر الرجال عندما تحركون اقدامكم تدريجياً بشكل متوالٍ ما بين الاصابع والعقب ومن الواضح انكم لا تلاحظون وجه الفكاهة في ذلك ولكن لعبة القط والفأر الجميلة هذه والتي يتم ممارستها بحذاء مقاسه (11) من ناحية ومن الناحية الاخرى من الاعلى وبمحاذاة السقف من وجه معتوه يتكلف الابتسامة (بسبب التأثر العاطفي بلا شك) ولا يمكن تشبيهها بشيء آخر تمارسونه من حيث السخف.
لقد قلت قبلاً بأنني لا اشعر بالملل مع هذه التصرفات اما مصدر متعتي فبسبب الحقائق التالية: منذ تلك اللحظة التي قام فيها الرجل الجذاب بقياس المسافة بقدمه بدقة تامة والتي سوف يقطعها فهو نادراً ما يجعل نظراته تسقط الى اسفل مرة اخرى، فهو متأكد من تقديره للمسافة وليس لديه الرغبة في لفت انتباهنا الى نظراته المتكررة.
وستدرك بوضوح ان مصدر الجاذبية بالنسبة له تكمن في الملامسة وليس بمجرد النظر, حسناً إذن,, وعندما يمضي هذا الجار اللطيف الى نصف المسافة ابدأ المناورة التي بدأها واقوم بها بنفس البراعة والدهاء وبنفس الدرجة من السخف والعقل الفارغ,, ولنقل ألعب لعبتي، غير ان اتجاه حركة قدميَّ بعيداً عنه ليس كثيراً,, بل بضع بوصات فقط.
إنها تجربة ممتعة حين تتأملها في وقتها,, وتبدو الدهشة على جاري حينما يصل اخيراً الى النقطة المحسوبة وعندها لا يلامس شيئاً على الاطلاق, لا شيء! فقدمه ذات المقاس (11) وحيدة تماماً,, وهذا شيء لا يحتمل بالنسبة له، وعندها يلقي اولاً نظرة على الارض ثم الى وجهي وعقلي شارد مسافات بعيدة جداً أمارس لعبتي ولكن الرجل يبدأ في استيعاب الأمر.
وفي 15 الى 17 مرة (اتذكر هذه الاعداد بعد تجربة طويلة) يتوقف الرجل المزعج عن هذه المحاولات وفي الحالتين المتبقيتين فإنني اضطر الى نظرة حذرة وليس من الضروري ان تعني هذه النظرة الاهانة او الاحتقار او الغضب اذ يكفي ان تدير رأسك باتجاهه دون ان تنظر اليه مباشرة، ففي هذه الحالات من الافضل تجنب النظرات العابرة مع رجل كانت له فرصة الانجذاب الينا بعمق اذ ان ذلك قد يجعل من النشال لصاً خطيراً، وهذه الحقيقة معروفة جيداً لدى عمال الصرف الواقفين على حراسة مبالغ كبيرة وايضاً لدى الفتيات غير الناحلات، غير السمراوات ذوات الفم غير الصغير والعينين الضيقتين، كما هي الحال لدى محدثتك.
آنستي العزيزة:
من الأعماق اشكر لطفك، سوف اوقع اسمي بكل سرور على المقال بانطباعاتك أنت، كما طلبت ومع ذلك يسعدني جداً كمتعاون معك ان اعرف اجابتك على الاسئلة الآتية: فإلى جانب السبع عشرة حالة الجامدة التي ذكرت ألم تشعري يوماً ما بجاذبية بسيطة الى جار ما طويل او قصير اشقر او أسمر نحيل او بدين,, ألم تشعري بإغراء غامض يدفعك للاستسلام, ألم تشعري بذلك الأمر الغامض الذي يجعل ابعادك لقدمك مستحيلاً.
سيدي:
بصراحة، نعم,, مرة في حياتي,, لقد شعرت بهذا الاغراء للاستسلام لشخص واحد,, او بصورة اكثر دقة ذلك الاحساس بغياب المقاومة في قدمي كما ذكرت,, كان ذلك الشخص أنت,, ولكن لم يكن لديك الإحساس أو الرغبة في التجاوب معي.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved