Sunday 17th October, 1999 G No. 9880جريدة الجزيرة الأحد 8 ,رجب 1420 العدد 9880


خيول ومربعات
مرايا د, عضيمة اليابانية! 2-4
علي الدميني

الياباني - بحسب د, عضيمة - لا يفهم اللغة المجردة والاشياء المجردة,, لكي يفهم يحتاج ان يرى او يسمع او يشم، ويقول في موقع آخر: في اليابان سوف أسال ماذا تأكلون, ماذا تشربون، وما هي وجبتكم الوطنية وفي سوريا وغيرها من البلدان العربية سوف يسأل الجميع: ماذا يعبد الناس في اليابان؟.
وهذا سؤال ذهنيتين متغايرتين تماماً تنطلق الاولى من الارضي وتنطلق الثانية من الرؤيا الكلية للكون، ولكن ماذا تعني المرآة في مفهوم الارث الثقافي الياباني؟ هل يعبد الياباني نفسه في المرآة ام انعكاس معبوده عليها؟.
وللايضاح علينا ان نتحدث عن مرموز المرايا يا (محمدو - سان) في كتابك الذي تبدت فيه عدائيتك الطاغية لثقافة التماثل والانسجام والانضباطية التراتيبية ذات الصبغة العسكرية التي تحكم سلوك وحياة الياباني ايضاً، ولن يمهلني د, عضيمة طويلاً بل سينقض علينا بالحكم التالي: الياباني يعبد التقاليد ويعبد روح القطيع وينفر من الفرد والروح الفردية,, روح الجماعة جزء من روح الياباني لذا,, فاليابان (في سلطوية نظامها الاجتماعي) هي البلد الشيوعي الوحيد بالفطرة على جميع الاصعدة او جوزو,,, أو جوزو (يا محمد - سان)) باليابانية، جيد جداً ياسيد محمد، ولكنك لا تضع ايدينا - بالنسبة لي على الاقل - على التفسير المقنع حتى الآن لهذه المرايا.
يمسّد شاربيه ويزمّ عينيه حتى تبدوان تقليداً او اعادة انتاج لعيني اليابانيين حتى رأيت صورته فيهما,قال: المرآة لها اسطورة يعزونها الى معبوداتهم الكبيرة حيث تقول: يا بني اذا نظرت الى المرآة تنظر اليّ أنا, احفظها معك في السرير نفسه، تحت السقف نفسه، انها مرآتك المقدسة,لكن هذه الاجابة على سعة تفرعاتها في كتابك لا تمنحني الفهم الكامل رغم اشاراتك الى البوذية والكونفوشية والشنتو وكذلك لمفهوم النفي والايجاب والحركة المتولدة عنها، لذا قمت بجولة سريعة على بعض المراجع التي تعرضت لشرح هذه الافكار التي تحولت الى ديانات ووجدت شيئاً لدى (سليمان مظهر) في كتابه (قصة الديانات) مما سيضطرني لاختزالها ثانية لكنني وجدت معنى المرآة هناك رغم عدم التصريح به.
المرآة هي صورة القناعة والموقف الذاتي للفرد او الجماعة تجاه الوجود لكنها تأخذ قوتها من الاعتقاد بأنها تعكس روح المعبودات والمعتقدات القديمة، فالياباني - كما يقول عضيمة ورغم غضبي منه - لا يعبد شيئاً لا يراه او يلمسه، وسأعود الى كتاب سليمان مظهر لأبحث فيه عن الجذور الأولى لتلك الافكار قبل تحويلها الى ديانات.
لم يدع (بوذا) الالوهية ولا النبوة لكنهم ألهوه فيما بعد، غير ان الياباني في اغواره النفسية السحيقة يحتكم الى بوذا وتعاليمه البسيطة التي ترى ان الحقيقة تنبع من داخل الذات، وان قانون الحياة هو: (من الخير ينبع الشر)، وان ممارسة الحياة السوية تأتي من الطريق الوسيط الذي يرى ان (الحقيقة في الاعتدال في الفرح والحزن والصدق في القول، والسلوك السوي الذي لا يتعدى فيه على الآخرين,اما الكونفوشية فهي مذهب إنساني، يحث الإنسان على الاعتماد على ذاته بالتثقيف والتهذيب ليصل الى مراتب الحياة السعيدة، كما يدعو لاقامة العدل بين الناس وان يكون المسئول عن قيادة الناس لتحقيقها (فيلسوفا)، ويتدخل د, عضيمة قائلاً: كل ذلك من اجل اقامة جنة ارضية تتحقق على بساطها تلك السعادة,ونصل الآن مع سليمان المظهر الى اختزال مفهوم (الشنتو) حيث يقول كان اليابانيون يخافون الموتى لذا فهم يعبدونهم,, لأن غضبهم قد ينزل بالعالم شراً، لذا مازال اليابانيون حتى اليوم يعتقدون ان امبراطور اليابان هو حفيد آلهة الشمس وان واجبهم هو الولاء للحاكم,, وكان لابد ان تجمع عقيدة الشنتويين - في جذورها العميقة - بين الوطنية والدين,لذا فهذه العقيدة هي الاساس، وما سواها اضافة يمكن اخذها من اي مصدر.
وهنا يكمل سليمان مظهر في كتابه السابق القول بأن (اليابانيين تعلموا عن الصنيين منذ وقت قديم فلاحة الارض وزراعة الرز وتربية دودة القز وغزل النسيج ونسجه وكيف يكتبون ويصورون ويصنعون الاشياء، فهم منذ بداية التاريخ وحتى الوقت الحاضر تلاميذ مجربون يتعلمون من الآخر بسرعة اي شيء يثير اهتماهم), ويتدخل عضيمة قائلاً: الياباني لا يهمه ان يكون اول من ابدع او ابتكر، فكل ما في اليابان من ارث ثقافي او عقدي هو مأخوذ عن الآخرين، فالصين هو الأب القديم لليابان، وكان لابد احياناً من قتل الأب مرات ومرات خلال التاريخ كي تتشكل الدولة اليابانية.
لذا كانت الحروب مع الصين ودول شرق آسيا لتدعيم قيام الدولة اليابانية القادرة على الأخذ من الآخر والتفوق عليه، وقد اصبح الغرب هو الاب الجديد لليابان فكان لابد من الاندفاع الى منجزه بكل قوة دون الخوف من الذوبان في تفاصيل حضارته، ومن ثم بلوغ مراحل مصادمته والدخول في حرب معه ايضاً كما حدث خلال الحرب العالمية,وحين أسأل د, عضيمة عن سر هذه الذهنية يجيب ضاحكاً كمن وضع فمه على مفتاح لغز محير: الياباني يأخذ ويطور ويعدل ويضيف,, لديه عينان قادرتان على عكس كل شيء,, ولعل اسلم درب الى مقاربة الذهن الياباني هي كلمات مثل: تقليد، محاكاة، واعادة، واعادة انتاج، عكس، قلب، وفي هذه الكلمات يوجد الكثير من عناصر الحيوية اليابانية والحداثة اليابانية ايضاً!.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved