Sunday 17th October, 1999 G No. 9880جريدة الجزيرة الأحد 8 ,رجب 1420 العدد 9880


عبقريات العقاد بين المتن والإسناد
صالح بن سعد اللحيدان
حلقة 81

ما ورد في كتب الآثار مما سجله أهل الادب والتاريخ والسير إما ان يكون لا علاقة له بحكم شرعي ديني او دنيوي واما ان يكون من الروايات المطلقة التي لا تتعلق بشيء من هذا، وليس فيها غمز ولا همز يسيء بحال ما من الأحوال إلى آثار هذا الدين.
وما يورده المؤلف تجاوز الله تعالى عني وعنه فيه شيء غير قليل من هذا وذاك لكن حسبه فيما يظهر لي انه لا يقصد السوء مما نقله، جاء في ص164: (قيل في بعض ما قيل من هذه الخواطر والاماني انه يقصد عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف مع أبيه بعد ان فداه بنحر مائة من الابل لرؤيا رآها مر على امرأة كاهنة متهودة قد قرأت في الكتب يقال لها فاطمة فقالت له حين نظرت إلى وجهه - وكان أحسن رجل في قريش - لك مثل الابل التي نحرت عنك وأبذل لك نفسي, لما رأت في وجهه من نور النبوة ورجت ان تحمل بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فأجابها بقوله:
أما الحرام فالممات دونه
والحل لا حل فاستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه
يحمى الكريم عرضه ودينه
ثم أكمل المؤلف روايته التي نقلها وهو نقل اختلط فيه الصحة بالضعف.
ولو شاء المؤلف لتحقق من ذلك بنظر اصول الروايات الصحيحة فقوله: لما رأت في وجهه من نور النبوة ورجت ان تحمل بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم أجدها وما قاله بعد ذلك صحيح إذ نقل كما في ص164 كذلك ثم خرج به عبدالمطلب حتى اتى به وهب ابن عبد مناف بن زهرة وهو يومئذ سيد زهرة نسباً وشرفاً فزوجه ابنته آمنة وهي يومئذ افضل امرأة في قريش نسبا وموضعا .
وفي ص165 جاء: وفي أسانيد ابن هدام ان عبدالله إنما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت وهب وقد عمل في طين له وبه آثار من الطين فدعاها فأبطأت عليه لما رأت من أثر الطين قلت كأنه يريد بهذه الرواية انها رواية ثانية بعد رواية: فاطمة والاخيرة لم يوثقها المحققون.
ولقد جرت عادة كثير من المؤرخين انهم ينقلون الروايات هكذا دون تعويل الى ما يقويها او يضعفها.
وهم يختلفون بين متأن ومتسرع وبين مختصر ومطول ومستطرد من اجل ذلك ثبتت كثير من الروايات التي لا حقيقة لها او التي قد بالغ فيها كثير ممن يروي دون اعتبار لمعيار صدق النقل وتحريه مما كان قبل الإسلام وبهذا السبب ولد بعض المتأخرين الروايات التي تحاكي بعض ما كان على انه قد كان وليس كذلك وانما فيصل ذلك معرفة تأصيل او كيفية تأصيل الحاصل في مثل ذلك الحين.
ولا يكون هذا الا بنزاهة وامانة وعقل رجل رشيد ولهذا بعد الاسلام جملة من العلماء والمؤرخين وأهل الروايات والادب عجوا يوردون نقلا ويزيدون ما يؤيد البدع والاراء التي ليست ولا هم على شيء لكنهم يفعلونها لتسويد الطرس واكثاره على غير هدى.
ولا يمنع مثل صاحب: بدعة ان يورد الكذب عن مجهول او كذاب او ضعيف او هو بنفسه يضيف ويجعل لما يضيف سنداً مجهولا من عنده حتى يتلقفها الجهلة واهل البدع كأنها بغية ساقتها إليهم مطايا الخفة والطيش والفراغ وتدبر وتعمق في اسانيد مروج الذهب أو الأغاني فهناك غيض من فيض من اسانيد: كاذبة، ومجهولة وضعيفة لكن كثيرا من القوم ينقلونها ويرددونها طربا لها واعجابا بها، وما درى هؤلاء او هم يدرون انها: من حطب الليل وحصد الساقط وأخذ المنبوذ.
وقد عج القرن الثالث في اوله وفي آخر: الثاني بما عج به من الرديء والمفتعل الخائب من الروايات والاخبار والقصص وكل ذلك قد سار على الذقون وتربع على عرش قلوب الذين يجهلون الاسانيد وحقيقتها وفائدتها، بل قد ذهب بعض المتعالمين إلا ان الاسانيد من التراث العربي هكذا وهؤلاء المتعالمون يرون انه يحسن بهم وبأمثالهم من المكتشفين العباقرة ان لا يعيروا السند ولا الاسانيد اي نظر بل تقبل الروايات هكذا فهي تراث الامة وأدبها وحضارتها حتى ولو كانت في: سب الصحابة, او ذم العرب, وشرب الخمر والقينات العاهرات وحتى ولو كانت عن أناس هم انفسهم من صناع الكذبة, أليس السند مثل الماء به تحيا المتون، هل يكون السند من التراث الذي عفى عليه الزمن,, إذاً فهذا طريق عبقرية الرويبضة وهذا مسلك من يمسك بالصقر فيشويه ظنا منه انه من صيد مأكول.
حينما قام الجهابذة من كبار علماء هذه الامة خلال القرون الثلاثة وانتشر السند وعرف الناس في الامة من هو الثقة الثبت ومن هو: الصادق، ومن هو الحجة,ومن يكون: الكذاب، والمجهول والزنديق الكاذب، والضعيف هناك تميزت الروايات تميزاً عظيماً فلم يعد الهر يمثل صولة الأسد، ولم يعد اولاد الهرر يفترسون اولاد النمور، ولم تمثل الدجاجة انقضاض الصقر, السند من التراث والماء من التراث هذا تحيا به الحياة وذاك تحيا به السنة أبد الدهر.
الا ما أقبح التعالم وأفسد لحياة الانسان من حشر نفسه في شيء هو في غنى عن رميه بالسفه والسقوط في اتون اللؤم والخبث أحيانا، وكم يكون فاقد الشيء لا يعطيه، وما يوم حليمة بسر، وها أنذا أورد كلاما مناسبا مما قاله الإمام ابن الجوزي في كتابه الموضوعات وكتاب الموضوعات جيد في بابه الذي ألفه من اجله يقول في ص30/31/32 وقد كان قدماء العلماء يعرفون صحيح المنقول من سقيمه ومعلوله من سليمه ثم يستخرجون حكمه ويستنبطون علمه، ثم طالت طريق البحث من بعدهم فقلدوهم فيما نقلوا وأخذوا عنهم ما هذبوا، فكان الأمر متحاملا إلى ان آلت الحال إلى خلف لا يفرقون بين صحيح وسقيم، ولا يعرفون نسرا من ظليم، ولا يأخذون الشيء من معدنه، فالفقيه منهم يقلل التعليق في خبر حدثنا خبر خبره والمتعبد ينصب لاجل حديث لايدري من سطره، والقاص يروي للعوام الاحاديث المنكرة ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ما ذكره، فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل فإذا أنكر عليهم قالوا: قد سمعنا هذا بأخبرنا وحدثنا فكم قد أفسد القصاص من الخلق: بالاحاديث الموضوعة، كم لون قد اصفر بالجوع وكم هائم على وجهه بالسياحة، وكم مانع لنفسه ما قد ابيح، وكم تارك رواية العلم زعما منه مخالفة النفس في هواها في ذلك، وكم موتم اولاده بالتزهد وهو حي، وكم معرض عن زوجته لا يوفيها حقها فهي لا ايم ولا ذات بعل .
وقال في ص32/33/ 34/35/36/37: واعلم ان الرواة الذين وقع في حديثهم الموضوع والكذب والمقلوب انقسموا إلى خمسة اقسام:
القسم الاول: قوم غلب عليهم الزهد والتقشف فتغفلوا عن الحفظ والتمييز، ومنهم من ضاعت كتبه او احترقت او دفنها ثم حدث من حفظه فهؤلاء تارة يرفعون المرسل وتارة يسندون الموقوف وتارة يقلبون الاسناد وتارة يدخلون حديثاً في حديث.
والقسم الثاني: قوم لم يعانوا على النقل فكثر خطأهم وفحش على نحو ما جرى للقسم الاول, والقسم الثالث: قوم ثقاة لكنهم اختلطت عقولهم في آخر أعمارهم فخلطوا في الرواية.
القسم الرابع: قوم غلب عليهم السلامة والغفلة، ثم انقسم هؤلاء فمنهم من كان يلقن فيتلقن، ويقال له: قل فيقول، وكان بعض اولاد هؤلاء (,,,) يضع له الحديث فيدون ولا يعلم، ومنهم من كان يروي الاحاديث، وان لم تكن سماعا له ظنا منه ان ذلك جائز، وقد قيل لبعض متغفليهم: هذه الصحيفة سماعك؟
فقال: لا ولكن مات الذي رواها فرويتها مكانه.
والقسم الخامس: قوم تعمدوا الكذب ثم انقسم هؤلاء ثلاثة اقسام:
القسم الاول: قوم رووا الخطأ من غير ان يعلموا انه خطأ فلما عرفوا وجه الصواب واتقنوا به أصروا على الخطأ أنفة من ان ينسبوا إليه.
والقسم الثاني: قوم رووا عن كذابين وضعفاؤهم يعلمون ودلسوا اسماءهم فالكذب من اولئك المجروحين والخطأ القبيح من هؤلاء المدلسين وهم في مرتبة الكذابين لما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: من روى حديثا يرى انه كذب فهو احد الكذابين .
ومن هذا القسم قوم رووا عن اقوام ما رأوهم مثل إبراهيم بن هدبة عن أنس وكان بواسط شيخ يحدث عن أنس ويحدث عن شريك فقيل له من حدث عن أنس لعلك سمتعه من شريك فقال لهم: أقول لكم الصدق سمعت هذا من أنس عن شريك، وقد حدث عبدالله بن اسحاق الكرماني عن محمد بن أبي أيوب فقيل له: مات محمد قبل ان تولد بتسع سنين, وحدث محمد بن حاتم الكتبي عن عبد بن حميد فقال أبو عبدالله الحاكم: هذا الشيخ سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة.
القسم الثالث: قوم تعمدوا الكذب الصريح لا لأنهم اخطأوا ولا لأنهم رووا عن كذاب فهؤلاء تارة يكذبون في الاسانيد فيروون عمن لم يسمعوا منه, وتارة يسرقون الاحاديث التي يرويها غيرهم وتارة يضعون احاديث، وهؤلاء الوضاعون انقسموا سبعة أقسام.
وفاء بوفاء
- الدكتور سليمان بن حماد الجابري - الأردن:
الحال كما ذكرت: وثابت البناني وحميد الطويل رويا عن أنس ابن مالك لكن حميد أحيانا يسقط ثابت البناني لكن مثله لا يضر حسب علمي لثقة حميد.
- الاستاذ الأخ عبدالله الفهد - بريدة:
العقاد - خير من غيره بكثير فيما يتعلق بنزاهة طرحه وحرصه على الخير لكنه لم يصب في كثير مما اورد من النصوص، وكذا: الآراء ولهذا احاول المعالجة بشيء من طول النفس ليكون هذا يسير عليه من يسير ممن اتضحت له الأمور.
- الدكتور الأخ محمد رجب هادي - ج,م,ع, - القاهرة - باب اللوق:
وصلني سبع رسائل بجانب ما بعثه سماحة د, مصطفى علوان الذي بين معك ضرورة مثل هذا النقد العلمي إلا ان: مروج الذهب ليس مرجعا اصليا لانه أورد فيه النصوص الضعيفة والمكذوبة، والاثار المنقولة دون اصل لها، وهو كتاب للتسلية لكنه ليس عمدة، ومن ينقل منه انما لجهله بأصول الاخبار او هو متحامل على الصحابة جهلا منه بمنزلتهم العلمية والشرعية,, ويصلك جواب فيه تفصيل.
- الاخ الباحث حمد بن إبراهيم الجهني - المدينة المنورة:
نعم الحديث ضعيف وسوف ارجع عن رأيي، وقد شاركك في هذا ناصر بن فهد السلومي من: الرس وإبراهيم بن محمد اللحيدان من: الرياض جزيتم خيرا.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved