كان الفرح كبيراً بتحويل سباق الهجن الىمهرجان سنوي للتراث والثقافة، حين قام الحرس الوطني مشكوراً بتوجيه من رئيسه ولي العهد الامير عبدالله بن عبدالعزيز,, بتبني الفكرة,, وحمد الوطن والمواطنون هذا الصنيع حين لم يقتصر على السباق والعروض الشعبية، فقد اصبح المهرجان ساحة للتراث الشعبي من خلال وجود مشاركات مناطقية تعرض شيئاً من ادوات ومعدات الحياة المعيشية في الماضي من صناعية وحرفية انتاجية,, ومهنية ربحية ليكون للاجيال علاقة متواصلة مع الماضي وذخيرة ثقافية ومرجعية اصيلة وقدوة صالحة في استشراف طرائق وبدائل منهجية عصرية لاتغفل عن مراحل كفاح الاجداد والآباء,.
ومما زاد في جمال اضطراد المهرجان الوطني للتراث والثقافة اتخاذه بعداً عالمياً بالانفتاح الثقافي في حوازات فكرية استقطب لها مرجعيات ذات وزن كبير في الشأن الثقافي اسلامياً وعربياً وعالمياً, فكان المحاضرون والمنتدون من المعجبين بتجربة بلادنا في الوحدة الوطنية ومن الكارهين ايضاً,, وكانت مناسبة وطنية دعمتها السلطة السياسية ممثلة في الملك وولي العهد وقادة الفكر والرأي لاطلاع العالم على فكرنا وتراثناوثوابته والمحافظة عليها التي لم تمنع تقدمنا الحضري والاجتماعي سياسياً واقتصادياً,.
ورغم الجهود المبذولة في شأن اقامة المهرجان,, إلا انه من المناسب الآن اعادة النظر في اسلوب ومنهجية التخطيط لفعاليات وانشطة المهرجان بما يتوافق والعمر الزمني الذي مضى عليه 14 عاماً,, ولعل في الافادة من فكر وعقول ابناء الوطن ما يثمر بعطاءات خيرة,, وتطويرية شاملة,, وهنا بعض الافكار التي ربما تساعد على شيء من التطور:
*المساحة الكبيرة التي خصصت للمهرجان الوطني للتراث والثقافة,, يبدو انها لم تخطط تخطيطاً عمرانياً حضرياً,.
ففي كل عام نجد مبنى لإمارة جديدة من التكوينات الادارية للحكم المحلي- المناطق- وبشكل لم يحفظ للموقع تميزاً ولا افضلية كمكة المكرمة عاصمة الإسلام والمدينة المنورة عاصمة دولة الإسلام,, ناهيك عن عدم الحفاظ التام على السمة الجمالية والمعمارية للطرز والعمارة في مختلف مناطق المملكة -عدا عسير والقصيم وجازان.
كما ان اسلوب التوزيع للمناشط الاخرى غير منطقي لافي العرض ولا في التنظيم، فبعد انقضاء قرن على قيام كياننا السياسي مازال الفكر في تنظيم الجنادرية يوزع لوحات الوطن الى مناطق,, بل لعل غياب خرائط ايضاحية للمدينة - الجنادرية- او حتى الطرق المؤدية اليها من الامور الصغيرة التي لم يلق لها بال.
ان مقتضى الحال، والواقع العلمي يوجب بناء الجنادرية على شكل خارطة للوطن في شكل مدينة سياحية عصرية وتوضع المناطق في مواقعها الجغرافية,, على ان تكون هنالك مساحة شعبية ضخمة بمدرجات تتسع لمايتسع له اضخم ملعب للكرة في العالم لتكون الالعاب الشعبية في ساحة واحدة وفق برنامج يومي منظم على مدار مدة المهرجان - في الامسيات بحيث يسع اكبر عدد ممكن من المواطنين والمقيمين لارتياد الجنادرية كمرفق سياحي على مدار العام من الطلاب والسياح الاجانب,, والزوار الرسميين للعاصمة وعلى ان يكون للعوائل امسيات محددة.
كل هذا من اجل وضع الوطن في صورة واحدة بدلاً من الشتات المهرجاني الحالي,, الذي لم يشكل اي ارتباط او ترابط,.
موقع مكة المكرمة
لم يكن اختيار الموقع الذي سيكون موقعا العام القادم لمكة المكرمة مناسبا,, حيث خصصت قطعة ارض دائرية صغيرة المساحة محشورة بين موقع منطقة عسير والباحة الذي حجبته وزارة المواصلات بموقعها الجديد.
ومكة المكرمة لها مكانة الصدارة في كل شأن وحين,, فهي كمنطقة حكم محلي تشمل مساحة واسعة من الارض والإنسان,, ولعل افضل مكان لها امام موقع المدينة المنورة محل السوق الشعبي,, او كيفما يكون الوضع اذا اخذ باقتراحنا عمل الجنادرية على شكل خارطة الوطن,, وعلىان يكون بين جميع المواقع الجغرافية وسيلة نقل سريع آمن منظم - كقطار او سلالم متحركة,, كي تكون عاملة على مدار الساعة ايام وليالي المهرجان,, بأجور رمزية,, تعوّد الناس على استخدام وسائل النقل العامة,, وتؤدي خدمة متطورة نظراً لاتساع موقع الجنادرية.
*ان بقاء الشتات للجهد والمال والوقت خسارة كبيرة على فكرنا الوطني فلدينا مهندسون ومخططون إدارياً وحضرياً وإعلاميون ومؤرخون يستطيعون الاسهام في لجنة وطنية لإدارة المهرجان الوطني للتراث والثقافة واعتقد انه آن الأوان لكي يستقل المهرجان بادارته، بحيث يكون مهرجاناً ثقافياً تراثياً مثله مثل المهرجانات المماثلة في العالم، كألمانيا، والمغرب، والاردن وغيرها.
*ان التحول الذي ندعو اليه هو تحويل الجنادرية الى معلم سياحي وطني السمات عالمي المستوى,, من خلال جعله مرفقاً استثمارياً ذاتي التمويل بحيث يكون عاملاً على مدار العام كمنتزة حضاري ثقافي ومتحف شعبي لكل الوطن,, يقوم علىوجود الموجودات المحلية وما يستجد مستقبلاً ومدينة عصرية للترفيه على غرار ديزني لاند ولكن بسمات عربية مسلمة,, ولاشك ان استثمارات المطاعم العالمية مع المحلية لتطوير نظم صنع الاطعمة المحلية التي تقدم حالياً سيحدث نقله في التواصل مع شعوب العالم,, وكذا مع المشغولات المحلية قديما وحديثاً.
كما ان في جعل رسم الدخول لايتجاوز 5 ريالات سيوفر قرابة خمسة ملايين ريال خلال ايام المهرجان- تبعاً لما اعلن من ان الزوار في العام الماضي قد تجاوزوا مليون زائر كما ان وجود نقل عند بوابات الدخول بأجر رمزي وليكن ريالا واحدا,, سيجلب مليون ريال خلال ايام المهرجان.
*اننا نعتقد ان استثمار ساحة العروض ذات المدرجات التي سبق ايرادنا لها - سيكون ذا عائد مجز للمهرجان,, من خلال جعل الطابق الارضي من المدرجات دكاكين تؤجر على الحرفيين الذين يرغبون في المشاركة بالبيع والشراء,, وكذا المطاعم المستقرة للعوائل,, على ان تكون الساحة والمدرجات بعد السابعة مساء مخصصة للعروض الفلكلورية حتى التاسعة مساء فقط عدا ايام العطل الاسبوعية,, فتكون للعوائل فقط.
كما ان الاستثمار الفندقي الراقي المتواضع على شكل موتيلات,, وشقق يناسب حجم الاسرة السعودية يمكن ان يحقق استثماراً مربحاً,, اذا لم تتجاوز اجرة الليلة للشقة ذات الثلاث غرف 300ريال.
وبإمكان المناطق التي تشارك بفرق شعبية وحرفية ومهنية ان يكون تواجدهم في الجنادرية في هذه الشقق باسعار مخفضة.
اننا نريد الانفتاح على الفكر الحديث وتجاوز الفكر التقليدي,, فعمر الجنادرية الآن 15 عاماً اي ان من ولدوا قبل 10 سنوات اصبح من حقهم ان يكون لهم الدور الاكبر في الادارة والتخطيط والاستثمار ونريد التوسع في الفهم والوعي وجعلها شمولية للاجيال من كل ارجاء الوطن حتى تنطق الجنادرية بلغة الوطن.
لاندري الى متى يستمر عرض صورة بلادنا وشعبنا امام العالم باننا امة لاتحسن الحديث والتعبير الا بالعامية فعلى مدى 13 عاماً لم ينطق العرض المسرحي الغنائي بالعربية الامرة واحدة,, وهذا عيب يحسب على القنوات الفكرية وعلى المستوى الثقافي والحضاري في ظل مضي حوالي 100عام على قيام وحدة المملكة العربية السعودية,, وهذا الحال قد لفت نظر مفكرين عالمي المستوى من المغرب الغربي وبلاد الشام ومصر,, وصرحوا بالاستغراب في عدم وجود اللغة العربية,, مما دعh المفكر السعودي د, عبدالله الغذامي الى رفع الصوت بالمرارة والخجل من تساؤلات المفكرين العرب عن هذا الحال وكذا فعل الاكاديمي البارز د, معجب الزهراني.
إن بلادنا غنية بالمبدعين شعراً مفهوماً في كل ارجاء الوطن العربي وآن الأوان لابعاد العامية من صورتنا المشرقة.
وحتى لاتكون مشاركات المناطق في الجنادرية غير منتجة فإن مايجري في موقع قرية عسير من ممارسة لبيع العسل والسمن البلدي والطعام المنوع من الحنيذ والمشغوثة والمثلوثة وغيرها امر مفرح فلعل في الفوائد والمكاسب مايحفز ايضاً على حف. الشباب للعمل والاستثمار في مثل هذه المجالات.
كما ان جناح منطقة المدينة المنورة مثال جميل على ديناميكية العمل المتواصل في البيع والشراء في محالات الصاغة والعطارة,, والمشغولات الحرفية من الفخار والحديد,, والحلويات.
اما جناح القصيم فهو الوجه الحضاري المشرق الذي وضعت فيه العقلية المنتجة من خلال التصنيع والتطوير للمأكولات الشعبية في القصيم من قرص عقيلي الى قرص عمر,, الى الكليجة والمأكولات التمرية المغذية والصحية المفيدة.
كما ان مجال عمل وانتاج المرأة قد وضح من خلال ماتم عرضه في جناح القصيم من المنسوجات التراثية بصورة عصرية جميلة.
هذه تصورات عجلى لما يمكن ان يكون عليه المهرجان الوطني للتراث والثقافة نتمنى ان يكون لها صدى كمساهمة من مواطن يحب وطنه,, حب الشجر للامطار وحب الجياد الاصايل للمهرة من الفرسان,.
نريد مهرجاناً وطنياً حضارياً ثقافياً استثمارياً للافكار والبشر,, تحت ظل وحدة الوطن,, منظماً بضوابط الشرع واخلاق المسلمين العالمي/ العولمي الذي بدأه الامير عبدالله بن عبدالعزيز رائدنا في هذا التوجه والخطاب السياسي الداعي الى الانفتاح وان الزمن قد تغير, ولابد من مواكبة التطور فكراً وسلوكاً ومنهجاً,, ولكل من اسهم الشكر على مداومة الحفاظ على مكتسبات الوطن الفكرية والاجتماعية.
والحمدلله الذي جعل العقل مصدر التلقي والإلقاء.
|