لأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة,, فيسرنا ان ننشر لكم اول كتابة ادبية نشرت للناقد المعروف د, سعد البازعي وكان ذلك في عام 1393ه بمجلة كلية الآداب.
صنّفوا الشعوب والمجتمعات في حاضر حالها، فقيل ذاك في الذرى يحلق, وهذا في الحضيض مسكنه، وعلقوا فقالوا: هي سنة الحياة.
وحكوا عن تلك الشعوب والمجتمعات في قديم حالها، فقالوا كان منها ذو الشأن في الحضارة، ومنها من لم يكن مذكورا، وقالوا هي سنة الحياة ايضا, فالانسان في مجتمعاته بين ان يكون في الطليعة، او ان يكون في المؤخرة، او هو بينهما سائر، وهذا يصدق على حاضره وماضيه وقادم حاله.
ولسنا هنا بصدد مناقشة تلك المقاييس التي يقوم ذلك التصنيف عليها، ولكننا سنناقش ظواهر جدّت على بعض تلك المجتمعات فأوجبت الوقوف والتأمل.
انه ذلك التحقيق قرأته في مجلة اسبوعية عن مجتمع من المجتمعات الحاضرة قالوا عنه انه في العرش يتربع من حيث التطور الاجتماعي، وذلك المجتمع هو احد مجتمعات الدول الاسكندنافية، وهو المجتمع الدانمركي، زالت الأمية من افراد شعبه او كادت، وبلغ الفرد في وعيه الحضاري ومستوى معيشته ما ينقص اخوته من افراد شعوب ومجتمعات أخر.
وقال التحقيق انه في الدانمارك بدأ الافراد يشكلون من جديد اسرا تعيش تحت سقوف واحدة، فيجتمع رجال ونساء واطفال فتأتلف اسره، ذلك المجتمع المتطور يعود الى بناء الاسرة من جديد!
ماذا يعني هذا؟
ان ما يتضمنه خبر كهذا ليس بالشيء القليل.
يعود المجتمع المتطور الى الاسرة فيبنيها من جديد، ولعمري كيف كان حال هذا المجتمع قبل ذلك، كنتيجة منطقية نقول ان هذا المجتمع اذن كان بلا اسرة قبل بداية المحاولات الجدية لبنائها، ومع هذا كان ذلك المجتمع يحلق في ذرى شوامخ حضارة الانسان في هذا العصر.
وقد كان مجتمعا، او هو لا يزال في الواقع، مجتمعا غابياً ان صح هذا التعبير، فالمجتمع اللا اسري هو شكل بدائي للوجود البشري على سطح هذه الارض، وبالتالي فان كون مجتمع بشري في القرن العشرين بلا اسرة هو عودة الى الوراء في الحقيقة، ولا فرق ان يعود الانسان الى الوراء ماشيا او راكبا طائرة نفاثة تسابق الصوت فتسبقه!!
وبعد، أهي الظواهر الطبيعية ذات المسير الدوراني؟ أم هي دورة الماء من البحر الى البحر مرورا بالغيم فالمطر فالنهر؟ ايصدق هذا على مجتمع الانسان؟
وهل كان الانسان الاول متطورا، ام ان الانسان الحديث متأخر؟ ان المتتبع للتطورات الحضارية التي يحفل بها هذا العصر، وسمة السرعة التي تتسم بها لا يسعه الا ان يتشاءم، كيف لا واوربا وامريكا وهما في مركز القيادة في هذا القرن لم يبق بينهما وبين الوصول الى مرحلة الشيوعية الجنسية الا زمن ليس بالطويل,, وما لنا نبتعد فنصل الى امريكا ونحن بصدد الحديث عن الدانمرك ومجتمعها، ذلك البلد الذي قرب كثيرا من هذه المرحلة، وهم يفخرون بالحرية الجنسية يعيشونها فينظرون تحتهم ليروا القاعدة وقد وصلوا، او اوصلوا بالأحرى، الى القمة، وما كان حق لهم ان يفعلوا ذلك لانهم تطوروا الى الحضيض لا الى القمة.
أهو التطور ان يصل الانسان الى مرحلة البهيمية؟ وهل كان التطور ان يتخلص الانسان هذا التخلص الشديد من العقل المنظم الذي يميز الانسان كطاقة مبدعة وخلاقة عن غيره من الكائنات؟
هو وجه آخر من تلك الوجوه الحالكة السواد لحضارة الانسان في هذا العصر، وهي صورة ناطقة تقول ان الانسان يتقدم عكسيا لا الى الامام، وصائح آخر يصيح بالسؤال الكبير: ايها الانسان الى اين؟.
الطالب: سعد عبدالرحمن البازعي