Friday 22nd October, 1999 G No. 9885جريدة الجزيرة الجمعة 13 ,رجب 1420 العدد 9885


ما لايقتلني,, يقويني!!

تراها العين فتجذل، تسمع الأذن صوتها فتطرب, يستنشق الانف عبيرها فيهفو، يمتلىء القلب بها فتتسارع نبضاته ويزيد خفقاته، يضيء في العين بريقها، وتثلج الصدر لمحاتها، وتصقل الروح أنفاسها، يسخن الدم في العروق فتنتقل حرارته الى الجوارح، فجهد مضاعف، وإنتاج مكثف، البسمة قاربت الأذنين، والأنفاس باتت على المنكبين.
ولكن,, وياللأسف عندما يخبو بريق العين، ويتلاشى الصوت المطرب,, ويختفي العبير الشذي، وتتباطأ النبضات، ويتعثر الخفقان، تضعف القوى، ويخفت وهج الحركة، وتنطفىء جذوة الحماس، تستحيل البسمة عبوساً حزيناً يائساً، وتصير الأنفاس اللاهثة سعادة زفرات حرى متألمة ينوء بها الكاهل المضني.
يا ترى ما هو ذلك؟ ما هو ذلك الشيء العظيم الذي يملك ذلك الاثر الفاعل على نفس تجرعت كأس البؤس أزمانا طوالاً، وذاقت مرارته مراراَ, ذلك الشيء هو الهرمون النشط الذي يبعث في كل مخلوق منطق الحركة، وتأمل الغد، ورجاء الافضل فالأفضل، إنه سنام السفينة التي يبحر بها الربان، شاقاً بها الخضم العظيم.
هل تبادر إلى الأذهان ما اعنى؟ نعم,, نعم,, إنها الاحلام، والآمال التي يستقيها الإنسان ليظل حياً، او لكي يحيا حياة ارحب - معنويا - فقد قال الشاعر:
اعلل النفس بالآمال أرقبها
ما اضيق العيش لولا فسحة الامل
إنها الآمال,, تبني الإنسان، وتقيه غمة اليأس ، وكربة الشعور بالعجز، تكون عتبات له في ارتقائه نحو الهدف، فعندما يكون الإنسان مشرئب العنق نحو النور دوماً؛ فلابد ستصله يوماً ما اليد التي تنتشله من محيطات الظلمة فترميه في أحضان الشمس.
ولكن,, ماذا لو دب اليأس في قلب ذلك الإنسان؟ قد تغتاله تلك الاثار المؤلمة التي ذكرتها آنفاً, فعندما يتحطم سلم الأحلام، ويتداعى جسر الآمال يحدث كل ذلك، فقد يكون هناك فاس ظالم كلما صعد المرء درجة من درجات السلم كسرها ليسقط على الارض,, وهكذا، أو ان يكون هناك سنجاب عابث او عامد يقضم الاعمدة التي يرتكز عليها جسر الآمال، فيتداعى الجسر مرة واحدة، او ان ينخر في مواضع متعددة منه حتى إذا وطئت عليه قدم امرىء تداعى به وهوى.
واقسى ما يكون ذلك عندما يكون من قريب، من والد او ولد، من صاحب او أخ، لأنه ابلغ في الأثر، وأوغر للصدر، واشد وقعاً على النفس, قال الشاعر:
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة
على القلب من وقع الحسام المهند
هذا من القريب الذي شهد الحال، وسمع المقال، فكيف بالبعيد الذي يصور في المثل الشعبي: جلد غير جلدك، جره على الشوك ، فهذا المثل واضح لايحتاج الى زيادة في الإيضاح ، ولكن حسبنا مقدار الألم الذي يصب في قلب ذلك المسكين أو بالاصح الذي ليس له مقدار، فالقلب المملوء حزنا يصعب حمله كما الكأس الطافحة.
ماذا لو قلبنا الصفحة، وكتبنا عنواناً عريضاً: (ما لايقتلني,, يقويني!!)، وجعلنا من هذا العنوان شعاراً لنا في الحياة، نمضي ونحن نشدو به، نقف في وسط مكان فسيح ونهتف به، نذهب الى واد عظيم لنصرخ به، فنسكت ضجيج وجدان العالم لنسمع فقط رنين هذه الكلمات وصداها؟, إن معناها: مادمت حياً,, الحمد لله,, لا ابالي بالعقبات بل سوف اواصل العمل.
لماذا لانحذف من قاموسنا كلمة (لو)، فقد قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: إن اصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وماشاء فعل، فإن لو تقتح عمل الشيطان، فرسولنا الكريم الرحيم لايريدنا ان نجلس مجلس الحسرة والندم على مافات او على ما كنا نأمله ولم نستطع تحقيقه، بل يطلب منا النهوض من الكبوة بدون عوائق فكرية، وبدلا من ان نقول: (لو) نقول: (كيف؟) كيف نستعيد الأمل وروح التفاؤل من جديد؟ يجيب على هذا التساؤل حكمة تقول: (ان الصخرة التي تعترض طريق الضعيف تصده وتقعد به بعيداً عن غاياته ابد الدهر، هي نفسها الصخرة التي يلاقيها القوي فيكسرها ويلقي بفتاتها في حفر الطريق ووهداته لكي يجعله ممهداً سويا), وهنا يكمن سر قوة المؤمن.
أسماء بنت إبراهيم آل جوير
الرياض

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
الرياضية
أطفال
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved