Friday 22nd October, 1999 G No. 9885جريدة الجزيرة الجمعة 13 ,رجب 1420 العدد 9885


من المكتبة
حوار مع جابرييل غارسيا ماركيز4

* عودة الى تلك التأثيرات العميقة او بالاحرى التأثيرات الخفية هل هي الشعر,؟ هل من المحتمل ان تكون قد رغبت في ان تصبح شاعرا عندما كنت شابا، رغم انك لن تعترف بذلك مطلقا؟,, حتى اذا اعترفت بأن الشعر كان العنصر الاساسي في المقام الاول لتربيتك الادبية,؟
لقد نما اهتمامي بالادب من خلال الشعر,, الشعر الرديء الشعر الشعبي، حتى ذلك الشعر المطبوع على نتائج الحائط، لقد اكتشفت انني كنت احب الشعر بقدر ما كنت امقت القواعد في النصوص الاسبانية التي درستها للحصول على الشهادة الثانوية, لقد احببت الرومانسيات الاسبانية مثل (نونيز دي آرك) و(اسبرونسيدا).
* أين قرأتها؟
في زبياكبرا,, انها تلك البلدة الكئيبة التي تبعد مائة ميل عن البحر، حيث ذهب اويليانو سيجوند وليبحث عن فرناندا دل كاريبو, إن تعليمي الادبي بدأ في مدرسة ثانوية هناك، حيث كنت طالبا بمدرسة داخلية, من جهة، كنت أقرأ الشعر الرديء ومن جهة اخرى كنت اقرأ نصوصا ماركسية كان استاذ التاريخ يعيرني إياها خفية, كنت اقضي ايام الآحاد في مكتبة المدرسة كي ادرأ عني السأم, وبالتالي، فقد بدأت بالشعر الرديء قبل ان اكتشف الجيد, رامبو، فاليري,.
* نيرودا,.
- ونيرودا بالطبع, انني اعتبره اعظم شاعر في القرن العشرين، بأي لغة من لغات العالم, وحتى عندما تعرض لمواقف صعبة، ونظم الشعر السياسي وقصائد الحرب، فإن الشعر في ذاته كان دائما من الدرجة الاولى, لقد قلتها قبل ذلك، كان نيرودا على شاكلة الملك ميداس، كل شيء يلمسه يتحول الى شعر.
* متى بدأت تهتم بالرواية؟
- بعد سنوات كثيرة، عندما كنت طالبا في السنة الاولى بكلية الحقوق (اعتقد ان عمري وقتها كان تسعة عشر عاما تقريبا) وقرأت رواية (المسخ)، لقد تحدثنا بالفعل عن ذلك الالهام, اتذكر الجملة الاولى: عندما استيقظ جريجوري سامسا ذات صباح، وكان يحلم احلاما مزعجة، وجد نفسه وقد تحول في سريره الى حشرة عملاقة قلت احادث نفسي: اللعنة، ان جدتي اعتادت ان تتحدث على هذا المنوال , تلك هي للحظة الاولى التي بدأت أهتم فيها بالرواية,, عندما قررت قراءة كل الروايات الهامة التي كتبت حتى ذلك الوقت.
* كلها,؟
نعم ,, كلها، أهملت كل شيء، بما في ذلك الشهادة الجامعية في القانون، وكرست نفسي بالكامل لقراءة الروايات,, قراءة الروايات والكتابة.
* أي من كتبك تظهر فيه دلائل واضحة على الخفية الشعرية لديك,؟
(خريف البطريرك) على ما اعتقد.
* هذه الرواية وصفتها بانها شعر منثور.
- لقد كتبتها على انها قصيدة منثورة,, هل ادركت انها تحتوي على أبيات كاملة من شعر روبين داريو؟ ان خريف البطريرك مليئة بغمزات وايماءات في اتجاه المتحمسين لشعر داريو كما انه شخصية في الكتاب، وواحد من أبياته أُلقي بلا مبالاة تامة - تلك القصيدة المنثورة التي تقول ثمة علامة على منديلك الابيض، علامة حمراء لاسم، لم يكن لك ، يا سيدي .
* ماذا قرأت ايضا بخلاف الروايات والشعر؟
- العديد من الكتب التي تعرف بقيمتها الوثائقية وليس بقيمتها الادبية,, مذكرات لاشخاص مشهورين، على سبيل المثال، حتى على الرغم من انها قد تكون مذكرات تتسم بالكذب وسير ذاتية ومقالات,.
* دعنا نقوم بإعداد قائمة اخرى، اتذكر انك احببت كثيرا سأكللك بالحداد سيرة القرطبي لدومينيك لابيير ولاري كولينز,, ويوم ابن آوى وكذلك بابل.
انه كتاب شيق للغاية ليست له قيمة أدبية على الاطلاق,, يتعين ان يعيد صياغته كاتب قدير تكون لديه الرغبة في إعطاء الانطباع الذي اراده الكاتب المبتدىء,.
* دعنا نستكمل الحديث عن بقية التأثيرات غير الادبية المؤثرات الاخرى التي كانت حاسمة في عملك, جدتك، على سبيل المثال.
- لقد ذكرت بالفعل انها كانت امرأة تؤمن بالخرافات وتتمتع بمخيلة مفعمة بالحيوية، استطاعت ان تثير رعبي ليلة بعد اخرى بقصصها التي تتحدث عما وراء المقابر.
* ما هو كتابك الوحيد؟
- كتاب العزلة , اذا كنت تتذكر، فإن الشخصية الاساسية في عاصفة الاوراق تعيش وتموت في عزلة تامة، كما ان العزلة تلازم الشخصية المحورية في العقيد لا يجد من يكاتبه - العقيد ينتظر، جمعة بعد اخرى، مع زوجته والديك الذي يربيه، راتبه التقاعدي كعسكري سابق الذي لا يأتي ابدا, اما العمدة الذي يفشل في كسب ثقة البلدة في في ساعة نحس فهو شخصية تعاني ايضا من العزلة,, فبطريقته الخاصة، يعرف العقيد عزلة السلطة، وكذلك الحال بالنسبة لاوريليانو بوينديا والبطريرك ، حيث تكون العزلة هي الموضوع الرئيسي في خريف البطريرك وفي مائة عام من العزلة بطبيعة الحال.
* إذا كانت العزلة هي الموضوع الرئيسي في كتبك، فأين نجد جذور هذه العاطفة المهيمنة؟ هل نجدها في طفولتك؟
- اعتقد انها مشكلة يعاني منها الجميع، كل شخص له طريقته ووسائله الخاصة للتعبير عنها, إن هذا الاحساس يطغى على أعمال الكثير من الكتاب، بالرغم من ان البعض قد يعبر عنه دون وعي, وانا واحد فقط منهم.
* أول كتبك عاصفة الاوراق يحوي بين دفتيه بذور مائة عام من العزلة ، ما هو احساسك الآن تجاه ذلك الشاب الذي دبج الكتاب؟
- اشعر بالكثير من الشفقة عليه لأنه ألف ذلك الكتاب في عجلة، كان يعتقد انه لن يكتب مرة اخرى ابدا، وانه ليس امامه سوى هذه الفرصة، وبالتالي فقد حاول وضع كل معارفه وخبراته المتراكمة داخل الكتاب، وبصفة خاصة الفنون والحيل الأدبية التي استعارها من الروائيين الانجليز والأمريكيين الذين كان يقرأ لهم في ذلك الوقت امثال فيرجينيا وولف، جويس، وفوكنر.
* ما هو شعورك تجاه اعمالك عندما تتأملها الآن؟ كتبك الأولى على سبيل المثال.
- أشعر بحنان أبوي، اشرت اليه من قبل، يماثل الشعور إزاء أبناء شبوا عن الطوق وتركوا البيت، أرى الكتب وكأنها شيء من الماضي البعيد لا تجد من يدافع عنها واتذكر كل ما سببته من صداع للشاب الذي ألفها.
* كانت مشكلات تستطيع الآن حلها بغاية السهولة.
- نعم مشكلات، لم تعد ذلك الآن على الاطلاق.
* هل هناك خيط يمتد بين اوائل كتبك وبين تلك الكتب التي جعلتك واحدا من أشهر الكتاب على مستوى العالم,؟
- نعم, هناك خيط وأشعر انني بحاجة لأعرف ان الخيط موجود بالداخل، وما يزال بحاجة للحماية.
* ما هو أهم كتاب الفته؟
- يعد (خريف البطريرك) أهم الكتب من وجهة النظر الأدبية، وهو الذي يمكن ان يقيني من النسيان.
* قلت ايضا انه أكثر كتاب استمتعت بتأليفه, لماذا؟
- لأنه الكتاب الذي كنت اريد دائما تأليفه,, وهو الذي مضيت فيه لأبعد مدى في اعترافاتي الشخصية.
* مموهة على نحو جيد بالطبع.
- بالطبع,.
* انه ايضا الكتاب الذي استغرق تأليف أطول وقت.
- سبعة عشر عاما كاملة,, واسقطت معالجتين قبل ان اعمل في المعالجة الصحيحة.
* إذن فهو افضل كتبك,؟
- ألفت قبله قصة موت معلن ,, لقد اعتدت القول ان أفضل رواياتي هي (العقيد لا يجد من يكاتبه ، قمت باعادة كتابتها تسع مرات ويبدو انها اقل اعمالي عرضة للانتقاد.
* لكنك تعتقد أن قصة موت معلن أفضل منها.
- نعم.
* بأي معنى؟
- بمعنى انني قمت بعمل ما اريده تماما, وهذا لم يحدث من قبل على الاطلاق، في كتبي الاخرى، كانت للقصة الغلبة، الشخصيات تتولى زمام الامور وتمضي قدما في حياتها تفعل ما تشاء.
* ذلك احد الاشياء الاكثر غرابة في عملية الخلق الادبي,.
- لكنني شعرت بأنني بحاجة لتأليف كتاب استطيع فيه ممارسة اسلوب التحكم التام في العمل، واعتقد انني فعلت ذلك في قصة موت معلن, كان الموضوع يتطلب بناء محكما لرواية بوليسية.
* الأمر الغريب للغاية انك لم تذكر مطلقا مائة عام من العزلة ضمن أفضل كتبك، في حين ان الكثير من النقاد يرون انه لا يفوقها عمل آخر, هل تشعر تجاهها بكل هذه المرارة؟
- نعم,, لقد دمرت حياتي تقريبا,, لم يبق شيء على حاله، بعد ان تم نشرها.
* لماذا؟
- لأن الشهرة تؤدي الى اضطراب احساسك بالواقع، مثلما تفعل السلطة تقريبا وتواصل تهديدها لحياتك الخاصة, ولسوء الحظ، لا احد يصدق هذا الى ان يضطر لمواجهة الموقف.
* هل تشعر بأن النجاح الذي حققته رواية مائة عام من العزلة غير عادل بالقياس لبقية أعمالك؟
- نعم ، انه غير عادل, خريف البطريرك تعد إنجازا أدبيا أكثر اهمية منها بكثير, ولكن في حين انها تتحدث عن عزلة السلطة، نجد ان مائة عام من العزلة تتحدث عن عزلة الحياة اليومية, كما انها كتبت بطريقة بسيطة، متدفقة ومستقيمة، وقد أقول (كما قلت من قبل) بطريقة سطحية.
* يبدو أنك تحتقرها,؟
- كلا، ولكن بما اني اعرف انها كتبت بكل الحيل والخدع الموجودة تحت الشمس فقد عرفت انه بإمكاني أن ادبج ما هو أفضل منها، حتى قبل أن اكتبها,.
* بمعنى انه بإمكانك ان تكتب ما يبزها.
- نعم بإمكاني ان اكتب ما يبزها.
(*) عن كتاب رائحة الجوافة

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
الرياضية
أطفال
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved