الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة).
والصدقة المرادة هاهنا على نوعين:
النوع الاول: صدقة مالية، قال الله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى,,) وقال تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم) وقال تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار اثيم) وقال تعالى: (ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات)، وقال تعالى: (إن المصدقين والمصدقات واقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم اجر كريم).
وكان بعض الصحابة يظن ان الصدقة قاصرة على هذا النوع كما في صحيح مسلم عن ابي ذر رضي الله عنه ان ناسا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب اهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول اموالهم، قال: (أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وامر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع احدكم صدقة) قالوا: يا رسول الله أيأتي احدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر).
في هذا الحديث بيان من النبي صلى الله عليه وسلم لنوع من نوعي الصدقة، واحدهما الصدقة غير المالية.
ف(كل ما فيه تعدية الإحسان الى الخلق فإنه يكون من الصدقة عليهم، وربما كان افضل من الصدقة بالمال، ومثل له النبي صلى الله عليه وسلم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله اي الاعمال افضل؟ قال: (الايمان والجهاد في سبيل الله) قلت فأي الرقاب افضل؟ قال: (أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: (تعين صانعا، وتصنع لاخرى) قلت: يا رسول الله أرأيت ان ضعفت عن بعضها العمل؟ قال: (تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة).
وعند الترمذي: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وامرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وارشادك الرجل في ارض الضلال لك صدقة، واماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وافراغك عن دلوك في دلو اخيك لك صدقة) وفي الصحيحين عن ابي مسعود الانصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفقة الرجل على أهله صدقة) وفي حديث سعيد بن ابي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت عليها، وحتى اللقمة ترفعها الى في امرأتك) وفي رواية لمسلم:(ان نفقتك على عيالك صدقة) وفي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها الى الصلاة صدقة - وتميط الاذى عن الطريق صدقة).
ومن خلال الاحاديث الماضية وغيرها علم ان الصدقة غير المالية يمكن ان تكون متعدية كما مضى ذلك ويمكن ان تكون قاصرة على فاعلها وذلك كأنواع الذكر من التكبير والتسبيح والتهليل والتحميد والاستغفار، وكذلك المشي الى المساجد، فالصدقة تطلق على جميع انواع المعروف والاحسان دون الفرائض والواجبات التي يستوي فيها من عنده مال ومن ليس عنده حتى ان فضل الله الواصل منه الى عباده صدقة منه عليهم، كما في صحيح مسلم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصر الصلاة في السفر (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته).
وهذا من محاسن الاسلام، فالصدقة ليست حكرا على من يملك المال بل هي عامة لجميع الامة، فالحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
والله الموفق.