Friday 22nd October, 1999 G No. 9885جريدة الجزيرة الجمعة 13 ,رجب 1420 العدد 9885


ضمن سلسلة فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أصحاب الفضيلة يجيبون على هذا السؤال
لماذا غابت هذه الشعيرة في المجتمعات الإسلامية؟!

تحقيق: بكر بن علي البكر
غزالي- رحمه الله- في ثنايا كتابه إحياء علوم الدين إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو القطب الأعظم في الدين، وهم المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وضربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد .
غير أن هذه الشعيرة تلقى اليوم عنتاً في كثير من البلدان الإسلامية وغياباً مشهوداً في حياة هذه المجتمعات في عامة مناحي الحياة,, كما يواجه القيام بهذه الشعيرة التحديات الكثيرة في ظل العولمة وسيطرة الثقافات الغربية على حياة كثير من المسلمين,.
لكن هناك سبل ووسائل نستطيع من خلالها إعادة هذه الولاية إلى حياة الشعوب الإسلامية,, وفي هذا التحقيق نتطرق للمعوقات والسبل الكفيلة بتفعيل هذه الشعيرة بين الناس مرة أخرى.
أسباب غياب هذه الشعيرة عن المجتمعات الإسلامية
في البداية يتحدث فضيلة وكيل الرئيس العام الشيخ إبراهيم بن عبدالله الغيث عن أسباب غياب شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حياة المجتمعات الإسلامية فيقول: لاشك أن هذه الشعيرة غائبة اليوم من حياة أكثر مجتمعات المسلمين في عامة مناحي الحياة، وتبقى هذه البلاد- ولله الحمد والمنة- قائمة رسمياً بهذه الشعيرة العظيمة.
,, ولكن لغيابها عن كثير من المجتمعات أسباب يجملها الشيخ الغيث في النقاط التالية:
أولاً: الجهل بأحكام الشريعة: فعدم معرفة الحلال والحرام، والجهل بألمأمورات والمنهيات، وخلو الذهن من أدلة الأحكام من الكتاب والسنة، إذ كيف ينكر من لا علم له، بل هذا ينصح بألا ينكر مالا يعلم حتى لا يفسد أكثر مما يصلح، يقول الإمام النووي- رحمه الله- إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهي عنه ولذلك حث الله سبحانه وتعالى على التفقه في الدين أولاً فقال: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون التوبة 122 وقال تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني,,, يوسف 108.
ثانياً: عدم استشعار أهمية الاحتساب: فربما لا يعرف مكانة الاحتساب من خلال قول الله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله,, وقد لا يدرك بأنه بالاحتساب يحمي جناب الدين، وتقام أوامر الشريعة وتستقيم مصالح الناس، لذا أمر الله سبحانه وتعالى به فقال:ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر,,,, وحذر من تركه فقال:واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ,, وقال عليه الصلاة والسلام:مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن اخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً رواه البخاري.
ثالثاً: الانشغال بالدنيا والمعاش: فبعض الناس شغل عن هذه الشعيرة العظيمة بزخرف الدنيا والمنافسة فيها، وكأنه لم يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم رواه أحمد وأبو داود والبيهقي, وربما انشغل بتدبير المعاش له ولأهله، وهذا حال كثير من المسلمين اليوم- والله المستعان,.
رابعاً: افتراض ردة فعل سلبية أو نتائج غير صحيحة: للتهرب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متأثراً بسوء فهمه لبعض الأمور الشرعية، مثل الخوف من الفتن، وعدم تعريض النفس للتهلكة والابتلاء وربما تذرع بدرء المفاسد ونحوها، وقد قال تعالى عن المنافقين:ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا الآية التوبة 49، وهذا لم يفهم أن حقيقة الفتنة هي في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذا قال تعالى:وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله الله,, الأنفال 39.
خامساً: كثرة المنكرات: فقد يتعلل البعض بكثرة المنكرات، وتفشي المخالفات، فيقول اتسع الخرق على الراقع، وليس للطوفان سد، وما علم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون في مثل هذا الواقع آكد في الوجوب، لذا أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة شعيرة الاحتساب فقال/والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليو شكن الله أن يبعث عليكم عذاباً منه، فتدعونه فلا يستجيب لكم رواه الترمذي.
سادساً: قلة المنكرين: وهذا سبب بالغ الأثر في تناقص القائمين بهذه الشعيرة، غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح القائمين بها عند قلة المعين، وندرة المنكرين فقال عليه الصلاة والسلام:بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء
رواه مسلم وزاد الآجري في روايته:قيل ومن هم يارسول الله؟ فقال: الذين يصلحون إذا فسد الناس ,, ثم إن الكثرة لا تعني الفلاح بل ربما الضلال قال تعالى:وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله,,, الآية
سابعاً: كثرة مخالطة الناس وخاصة أهل المنكر: فإنها تجعل النفس تستمرئ الواقع المخالف وكأنه لا يوجد مسوغ للإنكار، فلا ينكر منكراً، أو ينكر ويخالط أهل المنكر تساهلاً ومداهنة فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: ياهذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، وهو على حاله لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض , ثم قال تعالى:لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان دواد وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه,,, الآية.
إلا أن تكون المخالطة للإنكار، وبيان الحق، فقد قال عليه الصلاة والسلامالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم , رواه الأمام أحمد وابن ماجة.
ثامناً: استعجال النتائج: فهو يريد أن يقول فيسمع له، ويأمر فينفذ له، وينهي فيمتثل نهيه، فقد جرب مرة واحدة فلم يستجب له، فامتنع عن القيام بهذه الشعيرة، وما علم أن الله طالبه بالعمل دون النتيجة ، قال تعالى:وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون,,,, .
تاسعاً: وجود المثبطين: الذين يختلقون الأعذار، ويفترضون العقبات، ويشمتون بالمنكرين، كالذين ذكرهم الله تعالى في قوله: وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً، قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون، فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانو يفسقون الأعراف 164- 165.
عاشراً: وجود بعض المفاهيم القاصرة: التي انشرت بين المسلمين بتأثير البيئة الاجتماعية، أو تشويش بعض وسائل الإعلام، فيظن أن من وقع في منكر لا يصح له أن ينكر، وربما اعتقد أنه لا ينبغي الإنكار إلا من عالم ومن شابهه، أو من كلفه المسؤولون بذلك، وربما ادعى بعدم التدخل في شؤون الآخرين، وقد يقنع نفسه بأنه سيأتي من هو أجدر منه في الإنكار، وهلم جراء,, ولو تأمل مثل هذا لوجد أنه لا يعذر أحد بترك الإنكار إذا كان قادراً على الإنكار، قال صلى الله عليه وسلم:من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان
رواه مسلم,, فينكر بيده إذا كان له سلطة كالأب على أولاده وأسرته والسيد على خدمه ونحوهم ومن له كذلك سلطة من قبل الدولة كرجال الحسبة الرسميين.
التحديات التي تواجه القيام بالشعيرة
ولكن ماذا عن التحديات التي تواجه القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ظل العولمة وسيطرة الثقافات الجاهلية على حياة كثير من المسلمين؟,, في هذا الشأن يحدثنا الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله السدحان المحاضر بالكلية التقنية بالرياض فيقول: إن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الإسلام لكثرة النصوص الحاثة على العناية بها, بل بلغ من عظيم قدرها أن عزة الأمة مرهونة بإقامة هذه الشعيرة والمحافظة عليها, ومما يؤكد ذلك ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم حيث بين أن خيرية هذه الأمة بسبب محافظتها على هذه الشعيرة:كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر,,,, .
وفي المقابل بيّن الله تعالى أن من أسباب العقوبات والإذلال لبعض الأمم تضييعهم لهذه الشعيرة, قال تعالى: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان دواد وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون, كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون وإذا كان ذلك كذلك، فلابد من نصرة هذه الشعيرة والذب عن حياضها، ويتأكد هذا المبدأ عند كثرة السهام الموجهة إليها، كما هو الحال في هذا العصر، حيث تكاثرت وسائل الشر وتكاتف أهله في محاربة الفضيلة واجلبوا بخيلهم ورجلهم وركبهم وركابهم، فالغزو الفكري قد بلغ أوجه في ظل تقدم وسائل الإعلام المختلفة، وهذه الشهوات والشبهات قد رفعت وشمرت عن ساعديها لغزو المسلمين في عقر دارهم وعليه فليستشعر المسلم دوره في هذه المواجهة وليجعل نفسه على ثغر يدافع شر أولئك، وليعلم أن الإصلاح يبدأ من ذات نفسه ثم من يعول وهكذا تتسع دائرة الإصلاح لتشمل جيرانه ومعارفه وغيرهم، ويكون ذلك بالتزام أحكام السنة وآدابها والحذر والتحذير من المواجهات الفكرية المشبوهة والتصدي للرد على ما يستطيع من مروجي الشبهات والشهوات.
إعادة الولاية العامة
من جهته أبان الشيخ جابر بن محمد الحكمي مدير عام فرع الرئاسة بمنطقة مكة المكرمة السبل والوسائل الكفيلة لإعادة هذه الولاية العامة إلى حياة الشعوب متحدثاً في البداية عن أهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائلاً: لاشك ولا ريب أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر ركيزة عظيمة وقاعدة مهمة من قواعد الإسلام، وبه يتميز المسلم ويسمو ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون 104 آل عمران، مشيرا فضيلته إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومه الشامل إذا أطلق يدخل فيه كل ما أمر الله ورسوله به على سبيل الوجوب وجميع مانهى عنه على سبيل التحريم ولذلك فجميع أوامر الإسلام ونواهيه سواء في باب العبادات أو المعاملات تعتبر داخلة في مسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك فإن كثيراً مما تقوم به الشرطة وأجهزة مكافحة المخدرات وأجهزة الأمن المختلفة تعتبر إما نهيا عن منكر كالقتل والسرقة وقطع الطريق وترويج واستعمال المخدرات وإشاعة الخوف بين الآمنين وإما أمرا بالمعروف كالأمر بالتزام الأدب العام والمحافظة على السلوك الحسن.
وأوضح فضيلته أن جميع بلدان المسلمين بل بلدان العالم تسعى لمنع الجريمة وقمع المجريمين وتبذل الجهود من أجل التزام الناس بالأدب العام على اختلاف في النظرة لما هو منكر أو معروف, ولكن في بلادنا ولله الحمد والمنة يوجد جهاز مستقل متخصص في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويحظى بدعم متواصل من قادة هذه البلاد يحفظهم الله,, ويؤدي هذا الجهاز رسالته على أكمل وجه وله جهود طيبة مثمرة إلى جانب الاجهزة الأخرى التي تسعى لمنع الجريمة واستتباب الأمن وإن اختلفت المسميات فالهدف واحد.
إعادة مبدأ الأمر بالمعروف
أما عن كيفية إعادة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة الشعوب فيقول الشيخ الحكمي: يكون ذلك بنشر دين الله عز وجل والدعوة إليه فإذا عرف الناس دينهم وعرفوا ما أمر الله به وما نهى عنه عندها سيوجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما إذا جهل الناس أوامر الله ونواهيه ففي حينها سوف لا يكون هناك أمر ولا نهي إذ كيف يأمر الناس بما هم جاهلون به.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
الرياضية
أطفال
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved