Friday 22nd October, 1999 G No. 9885جريدة الجزيرة الجمعة 13 ,رجب 1420 العدد 9885


عندما تتساقط النجوم

النجوم مصابيح وزينة للسماء، ورجوم للشياطين وأدلة للسارين في ظلمة الليل قال تعالى: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وقال عزوجل: إنا زينا السماء الدنيا بزينةٍ الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد وقال سبحانه: وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر وقال تعالى: وبالنجم هم يهتدون .
فلو فقدت السماء نجومها فأظلمت لفقدت زينتها وتاه الساري الذي يستدل بالنجوم، فسار على غير هدى.
وقد قيل: العلماء في الارض كالنجوم في السماء، والعلماء أعلام الاسلام، والعلم كالسراج، ومن مر به اقتبس منه ولولا العلم كان الناس كالبهائم .
وقال مطر الورّاق: العلماء مثل النجوم فاذا اظلمت تكسّع الناس .
وقال عبيدالله بن ابي جعفر: العلماء منار البلاد منهم يقتبس النور الذي يهتدى به .
فاذا كانت السماء تفقد زينتها وتظلم امام الرائي ويتيه مسافر الليل لو غابت النجوم او حجبت، فان الدنيا تظلم بفقد العلماء ويتيه السائر في الطريق الآخرة لفقد دليله.
اذ بعلم العلماء يستنير الناس وبتوجيههم وارشادهم يهتدون وبتذكيرهم يتذكر الغافلون وبجهدهم وجهادهم تندفع عن الأمة الشرور.
العلماء هم قادة سفينة الحياة الحاذقون للقيادة، الخبراء بالطرق والمسافات العارفون بمواطن النجاة ووسائلها اذا اضطربت السفينة, فما عسى ان يقال في سفينة فقد ربانها الحاذق الخريت؟ لاسيما مع اضطراب الامواج وإحداق الخطر بالسفينة وركابها؟ انه ان خلفه مثله سعى في نجاة السفينة بمن فيها من هذا الخطر بتوفيق الله ثم بحذقه وحكمته، ولكن الخطر كل الخطر اذا فقد البديل او تتابع هلاك الرواد والقادة ثم لم ينبر احد ويستعد لتعلم هذه المهنة والقيام بهذه المهمة فمن يتولى قيادة السفينة الا جاهل بأصول القيادة لا يحسن التصرف في حال الازمات؟!
وهذا شأن العلم والعلماء اذا تتابع موت العلماء ولم يتعلم الجاهلون فمن يخلف العلماء؟ ومن يتحمل المسؤولية ويقوم بأعباء قيادة المجتمع؟
وقد روى البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يُبق عالما او لم يُبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا .
وقال ابو الدرداء رضي الله عنه : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره الى السماء ثم قال: هذا اوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء فقال زياد بن لبيد الانصاري: كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرأنه، ولنقرئنه نساءنا وابناءنا فقال: ثكلتك امك يا زياد، ان كنت لأعدّك من فقهاء اهل المدينة، هذه التوراة والانجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟,, الحديث رواه الترمذي والحاكم وصححه، ورواه احمد وابن حبان والحاكم وغيرهم من حديث عوف بن مالك.
والملحوظ في هذه الفترة القريبة تتابع موت علمائنا، ففي هذا العام فقط او قبله بشهر او شهرين فقدنا عددا من روادنا ربما بمعدل واحد كل شهر وعلى رأسهم سماحة الامام عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
وآخر النجوم المتساقطة خلال هذه الفترة، فضيلة الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني الذي كان من رواد الدعوة الى اتباع السنة والتحذير من البدع وكانت له اليد الطولى في علم الحديث فبذل الجهد والوقت في الجمع والتمحيص، وألف فأثرى المكتبة بالمختصر والمطوّل وخدم بذلك طلاب العلم لاسيما المشتغلين بالحديث فنسأل الله الكريم باسمائه وصفاته ان يحزيه عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء وان يجعل ما قدمه وصنفه في ميزان حسناته مضاعفا، وان يغفر له ويجبر مصاب المسلمين به وبمن تقدمه من علمائنا - رحمهم الله رحمة واسعة وجزاهم عن الامة خير الجزاء.
وهذه دعوة للشباب وطلاب العلم لمضاعفة الجهد في طلب العلم ليسدوا الفراغ الذي تركه هؤلاء القادة وحتى لا يخيّم على الامة الجهل، فقد اخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ان من أشراط الساعة ان يرفع العلم ويظهر الجهل.
بل دعوة لعلمائنا - حفظهم الله وبارك فيهم - لبذل المزيد فان مسؤوليتهم تتضاعف كلما ذهب عالم من علماء الامة لان مسؤوليته ودوره ينتقل لمن بعده.
اسأل الله بمنّه وكرمه ان يجبر مصابنا بمن فقدنا من علمائنا ويغفر لهم ويجزيهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وان يبارك فيمن بقي وينفع بهم الاسلام والمسلمين ويعينهم على حمل الرسالة المنوطة بأعناقهم، ويدفع بهم كل سوء عن الامة انه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم علىنبينا محمد وآله وصحبه اجمعين.
د, عبدالرحمن بن صالح الزميع
كلية الشريعة واصول الدين في القصيم

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
الرياضية
أطفال
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved