والكأس الذي هو بين أيدينا نترعه ماءً بارداً في الصيف وماءً معتدلاً في الشتاء ونرتشف من حافاته أعز مطلوب وأرخص موجود - وهو الماء - هو أخ الكأس الذي بين يدي أهل الفسق والفجور يترعونه خمراً يذهب بعقولهم ويهدم اخلاقهم ويحبط أعمالهم ويهبط بمداركهم الى عالم الحيوان.
وإذا ما نظرنا الى أصل هذا الكأس فإن البحث يدلنا على انه مستخلص من التراب الذي هو خليط من عدة مركبات جزئية لا تخلو من وجود ذرات من رفات الانسان.
والكؤوس الزجاجية اذا تحطمت فإنه يعاد صنعها وفقاً لما تحتاجه السوق المستهلكة فقد يكون الاقبال على شراء المحابر فتصنع منه المحابر التي ربما وصفت بأنها عيون العلم لكونها تمد الأقلام بالحبر, فيحصل التدوين والتأليف.
ولقد صور الشيخ محمد الخضر شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة 1377ه والمولود عام 1293ه جانباً من هذه الفلسفة المنطقية في مقطوعة شعرية جاء فيها قوله:
إن هذا الزجاج يصنع كأساً ليبيت الحليم منا سفيها ويصوغ الدواة من بعد كأس ليصير الجهول حبراً نبيها فهو كالفيلسوف ينفث غياً ثم يأتي بما يروق الفقيها |
وهذه الابيات موجودة في ديوان الشيخ محمد الخضر حسين بن علي بن عمر خواطر الحياة , الذي حققه وعلق عليه الاستاذ علي الرضا التونسي,
والديوان مليء بالقصائد الوطنية والاجتماعية كما انه لا يخلو من الحكمة والفلسفة وهو كثيراً ما يخاطب قومه ويحثهم على مناهضة الأعداء وفعل الخيرات, والتوجه الى الله,, وما الى ذلك من الاساليب التي ينتهجها الدعاة,.
ومن قصيدة له يذكر فيها مفاخر الأجداد ويستحث الأحفاد على ترسم خطاهم ترسماً عملياً تبرز فيه الافعال دون الاكتفاء بذكر مآثرهم يقول في مثل ذلك:
أمة يُذكي التقى غيرتها مثلما يذكي الندي نار قراها او يجدي مجد اسلاف اذا غرقت اجفان خلف في كراها أمة تلهو بذكرى تالد عن طريف لم ترم عهد صباها فابعثوها همماً تسمو كما سمت الجوزاء تزهو في سناها ما الفخار الحق الا نهضة أحكم الايمان والعلم عراها |