Saturday 23rd October, 1999 G No. 9886جريدة الجزيرة السبت 14 ,رجب 1420 العدد 9886


في أمسية جمعية الثقافة والفنون
القرشي يشير إلى تجليات الموت,, والسبيل يشير إلى الرمز الكامن

* تغطية : عبدالحفيظ الشمري
في خيمة الثقافة بجمعية الثقافة والفنون بالرياض توهجت القصة القصيرة مدعومة بدأب ونشاط ناديها القصصي الذي برع في تقديم أمسية ثقافية متميزة كان جوهرها المجموعة القصصية الجديدة للقاص السعودي خالد الخضري والتي جاءت تحت عنوان امرأة من ثلج لتتفاعل في سياق القراءات حولها إلى الذروة لتشهد جملة من المداخلات مسبوقة بقراءة نصوصية ونقدية في القصص.
قدم سكرتير نادي القصة السعودي خالد اليوسف فارس الأمسية القاص خالد الخضري الذي قرأ نصوصاً ثلاثة هي: امرأة من ثلج، بوابة الموت، نجمة لليل المنطفىء.
وبعد فراغ القاص الخضري من قراءته لنصوصه قدم الناقد صالح الحسن ورقة نقدية حول النصوص في المجموعة محاولاً في هذا السياق أن يبين الرؤية الجدلية التي تحكم هذه المجموعة إذ يقول على هذا النحو:
تقوم قصة مواء القط وليل الرعب على حركة متوازنة بين الداخل والخارج، فيكشف سرد الراوي الذي يستعمل ضمير الغائب الحدث في العالم الخارجي، وفي المقابل نجد تيار الوعي يشكل العالم الداخلي للشخصية، وعن طريقه نستشف ما يعتورها من معاناة وآلام.
شخصية القصة كانت تأنس بمواء القطط وهي تتحاور وتتشاجر قرب منزلها، حينما كانت تنتظر مجيئه,, لكن بعد تحوله عنها واشتعال نار الغيرة في نفسها، نرى هذه القطط وقد كشرت عن انيابها، ويصبح المواء نباحا يتحول إلى رعب وليل مخيف وعندما فقدته نهائيا تفقد قدرتها على المقاومة، على الحب والعطاء تعيش في جزيرة منسية , وتحاول ان تناجيه لتحيي الأمل في داخلها، لكن كل شيء قد انتهى والى الابد, وحين كانت القطط في القصة رمزا للحركة والحياة بشجارها، فإنها ايضا بتركها للمنزل تصبح رمزاً للخواء، ونهاية الحياة، وذلك عندما تفقد الأمل نهائيا في عودته إليها، المواء يتوقف تماما، والقطط تهجر الحي وترحل .
ويؤكد الحسن على ان الحلم في القصص لم يأت غفلاً ساذجاً وانما يرى انه أتى بانياً لبعض سباقاتها فيما يستطرد في وصف إحدى قصص المجموعة هكذا:
قصص المجموعة، تدور في طرحها الفكري حول العلاقة الجدلية بين الإنسان وقضايا الحياة، فهي تعالج العلاقة بين الرجل والمرأة، والإنسان والموت، واضطراب العلاقة بين الإنسان وواقعه، واخيرا، محاولة الإنسان الجادة في العمل على تحقيق ذاته.
وقد استطاع الكاتب ان يوظف كثيرا من التقنيات القصصية لتجلية طروحاته الفكرية، حيث نجده يتخطى الواقع الحسي بقيوده الزمانية والمكانية عن طريق الحلم، كما استطاع ان يوظف الرمز ليتجاوز قيود الحياة، وصرامة الواقع المعاصر الذي يحسب الأنفاس قبل الأنفس! وكان لتيار الوعي نصيب كبير في المجموعة، حيث كانت وسيلة موفقة، لسبر أغوار النفس البشرية من خلال استبطان شخصياته القصصية.
كما يشير الحسن في ثنايا استرساله إلى ان قصة شبحها يسكن الظل تتجاوز القضايا الاجتماعية المحددة كما يرى انها رؤية اجتماعية متكاملة يصوغها من خلال الحلم او هذيانات المنام, لتتحول هذه الرؤية الى مضمون فكري تتجلى به ابعاد الكاتب النفسية والاجتماعية,, ليرصد لنا الناقد الحسن صوراً عديدة لارتباط الرجل بالمرأة منذ الأزل مستعيناً ببعض تفاصيل سرد القاص وايحاءاته، ودلالاته.
ويشير معد الورقة الى ان صورة المرأة تتجسد في جل قصص المجموعة في تلازم دلالي يفضي الى فهم هذه العلاقة:
(وتبقى المرأة ظله الذي يحاول ان يمزقه، لكنه لايتمكن من العيش بدونه او الفكاك منه، فكانت دليله للعودة الى عالم الحياة مرة اخرى، وذلك بالعودة الى التلاحم مع الظل/المرأة، حيث نراه يقول اهوي في أخمص اعماق الصورة داخل الظل ).
ويلخص الحسن إشكالية الموت في قصص المجموعة على هذا النحو:
والكاتب في بوابة الموت يحاول ان يبحث عن حل، وقد اتخذ الحلم مطية له ينفث فيها رؤاه، ويحاول تحقيق ما لايستطيع تحقيقه في عالم الواقع، ورغم ان القصة حلم إلا انه كما يقول الراوي يتحول الى واقع ويتساءل هل كان الحلم نافذة تضيء لحقيقة تفزع، ترعب ؟!, ويكون له مواد معه في المستشفى حيث كان الموت سجانا لابد ان اراه لكنه كان يود الرحيل الى عالم بعيد لا يوجد به جثة ، وكان يصرخ لا، لا اريد ان أراها .
وكان الحلم بإمكانياته غير المحدودة وسيلة تظهر قسوة مواجهة الموت، حيث تقابل الشخصية في المستشفى الجد المتوفى آت من زمن مضى، كأنه خرج للتو من مقبرة عمرها ألف عام، افزعني بنظراته، رأيت الموت يرتسم في هيكل آدمي ويمسك الجد بيده فيصرخ لا، لا اريد ان اراه ويتشبث بالحياة لم أحصن نفسي بعد، لا أريد، أريد البقاء هنا في زهوة الفرح وأحلام الحياة , لكن لا فائدة، يده الاسطورية، الميتة منذ قرون جذبتني نحو الموت ,, اصرخ بكل ما أوتيت من قوة، أبكي، انتحب .
ويشير الناقد في ثنايا عرضه للمجموعة وفي المحور الثالث من الورقة الى قضية البحث عن الذات:
في المحور الثالث نرى الإنسان في صراعه للبحث عن ذاته, ويعالجه الكاتب في قصتين، الأولى هي قصة (للرجولة معنى) وفيها تجد الشخصية نفسها عاجزة، غير قادرة على اتخاذ القرار، وتصور القصة هذا من خلال تيار الوعي الذي يرسم معاناة الشخصية وفشلها في الحياة, وان تخلل ذلك بعض الجمل الحوارية، والسرد القليل, ويبقى هاجس الرجولة ينغص عليه عيشه, كيف يحقق هذه الرجولة التي هي مطلبه ومطلب زوجته التي هجرته، ومطلب المجتمع باسره لذلك نجده في احد المواقف البسيطة المتمثل في دفع سيارة قد توقفت في الوحل، يلزم نفسه بعدم الانسحاب، حيث يرى ان من الضروري القيام بعمل ما، واثناء مشاركته بدفعه السيارة المعطلة يحس انه يدفع ذاته وأشعر من داخلي انني اكثر قوة .
اما القصة الثانية، فتحاول فيه الشخصية تحقيق ذاتها من خلال محاولة الخلاص من الظلم والإهانة التي لحقت بها فكبلتها في قيود العبودية، وقد جسد الكاتب هذه المشاعر والأحاسيس من خلال الرمز الكلي للقصة.
ويختم حديثه حول إشكالية البحث عن الذات في تأكيده على ان للقاص رؤية متزنة حول دور الرمز ودلالته في الخطاب القصصي الذي يحمل الشفافية التعبيرية التي توازن بين الرمز والمرموز له.
ويلمح صاحب الورقة الى قضية أخيرة استدركها على القاص الخضري قائلا:
واخيرا، قبل ترك الحديث لغيري، أود ان اعاتب الكاتب على تلك الجمل الحوارية القليلة التي صيغت باللهجة العامية، حيث اراها لم ترفع من مستوى القصص، بل كانت قذى يفسد تلك اللغة المعبرة، وذلك الإحساس العميق للفكرة والحدث، وكنت أود من الكاتب ان يخلص مجموعته منها، فحالها اصلح بدونه مهما زعم الزاعمون.
وبعد ان أتم الحسن قراءة ورقته النقدية التي اتسمت بالموضوعية، طلب مدير الأمسية اليوسف من الحضور المشاركة بالتعليق ليستهل المداخلات القاص حسين علي حسين معلقاً على ظاهرة الحضور القوي للثلج في القصص والغلاف محاولاً في هذا السياق ان يربط صورة البيئة الغربية وما يتحدث عن القاص الخضري.
فيما تحدث القاص احمد الدويحي حول هذه المجموعة الجديدة مشيرا الى ان الخضري قد وفق كثيراً في هذه المشاركة الأدبية المتميزة.
القاص ابراهيم الناصر الحميدان وهو رائد من رواد العمل السردي في المملكة كانت له كلمات معدودة حول هذا العمل تتمثل في اختيار القاص لغلاف المجموعة والذي اتسم بالتباين بين فعاليات القصص وملامح اللوحة بشكل خاص.
ودار حديث الناقد الدكتور عبد العزيز السبيل على اربعة محاور تتحدث عن وضوح العلاقة بين الرجل والمرأة في تفاصيل السر لينتهي الحدث بلحظة تنوير سلبي يتمثل اما في الموت أو الفراق.
وتأتي النقطة الثانية من السبيل موضحة ان بعض قصص المجموعة تتمتع بابعاد رمزية تدور حول الهم العربي في كل مكان,, فيما تتلخص النقطة الثالثة في المداخلة في كشفه عن دلالة اخرى تكمن في ظاهرة الصراع بين الماضي والحاضر الذي تجسده الأحداث.
ويختم الدكتور السبيل مداخلته على الأمسية الى ان المجموعة القصصية تمتعت بشيء من الرومانسية التي تقترب الى حدود ان نصف بعض القصص بانها خواطر.
وجاءت مداخلة الدكتور عائض الزهراني متمثلة في وضوح ما رآه من ميل الى وصف عالم المرأة، والموت في تلازم واضح.
فيما علق الناقد الدكتور عالي القرشي مشيراً إلى انه يرى ان قصص الخضري تحكمها تجليات منوعة تتفق حول اسرار الحياة، والفراق واللحظة المتأملة للموت والدهشة من عالم الغياب,, ليظل البطل معلقاً في فضاء هذه الهالات لينطفىء على ذته في حركة احادية ليكون مجرد بطل يخاف الموت ولم يكن ذلك البطل الذي يقتحم عالم الحدث.
واستدرك الناقد القرشي في آخر مداخلته على مؤلف هذه القصص ميله الشديد الى التكرار، وانغماسه الواضح في وصف الذات.
تحدث القاص حسين المناصرة عن سمة الموت التي تجسدت في قصة بوابة الموت وعلاقة الانسان بذاته وبمن حوله,, فيما جاءت مداخلة الفنان فهد الربيق موضحة صورة الغلاف والتي علق عليها كثيرا محاولا ان يصل بالحضور الى ضرورة ان تكون اللوحة متوجة لابعاد النص لتتعاضد في هذا الاطار سبل النجاح للعمل الابداعي شعراً او قصة وكذلك الفن التشكيلي.
وجاءت مداخلة القاص عبد العزيز الصقعبي على الأمسية متمثلة في سرده لجملة من الشواهد حول صورة الفن التشكيلي الذي يتوج العمل الابداعي ليؤكد على ضرورة التجلي الابداعي في العمل الفني ليصبح العمل, المشترك معبراً بالفعل فيما جاءت مداخلة سليمان المنصور واصفة العمل بأنه انجاز واقعي يصور الموت، والعلاقات الاجتماعية بمنظار واقعي مثالي.
وفي نهاية الأمسية علق القاص الخضري والناقد الحسن على بعض المداخلات التي توالت من الحضور والذي جاء الى هذه الأمسية محملاً بالعديد من الرؤى والتفاؤل بان القصة القصيرة تسعى الى مكانة افضل بين الفنون الابداعية الأخرى.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
ملحق المدينة
منوعــات
ندوة الجزيرة
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved