* مصطلح جديد سنه وعمل به مؤسس هذه الامة وبانيها في وقت اوصدت كل الابواب والمنافذ بين بعض الحكام وشعوبهم فانهارت كل الشعارات وانكشف زيفها البراق, استهل الملك عبدالعزيز حكمه حيث كان يستقبل ابناء شعبه على اختلاف فئاتهم ومستوياتهم حالّاً لمشاكلهم، ومستأنساً بآرائهم حيث قال يرحمه الله: (اما السير على غير المشورة فهو مجلبة للنقص والهوى، هوى النفس، ونحن نريد من المشورة ان تجمع بين السنة وبين ما امرنا الله به في قوله تعالى: واعدوا لهم ما استطعتم من قوة واعظم القوى التناصح والبقية الصالحة لان كل شيء اساسه الاخلاص والنصح) (1) , فلقد حرص جلالته يرحمه الله على مجالسة العامة التي يحضرها كل قادم اليها دون استثناء وتنقسم هذه المجالس الى:
المجالس العامة:
غالبا ماتكون قبل الظهر وبعد العصر, وهذه يدخلها كل قادم على الملك كبيراً كان ام صغيراً، اميراً ام مواطناً ام زائراً وله ان يتكلم موجهاً خطابه للملك, والمبدأ العام هو حرية القول لمن شاء الكلام عندما يصغي الملك او يصمت (2) .
مجلس يومي آخر بين الخاص والعام:
وهذا يبدأ بعد صلاة العشاء يحضره في الغالب كبار الموظفين وبعض الاعيان والضيوف غير الاجانب, ويتلى في المجلس بعض الفصول من تفسير القرآن وانواع مختلفة من كتب الادب والتراث والتاريخ, وكان الملك يخرج الجلوس عن صمتهم بخبر يسمعه فيترك لهم مجال التعليق بل ويناقشهم ويناقشونه في ذلك.
المجلس الخاص:
وهذا يقتصر على ولي عهده وبعض مستشاريه ورئيس الديوان والشعبة السياسية ومساعد رئيس الشعبة, ويتم في هذا المجلس استعراض البرقيات والرد عليها ثم يأتي دور مساعد رئيس الشعبة السياسية فيتلو خلاصات الرسائل والعرائض الوارده فيجيب عليها الملك بإيجاز, ثم يستعرض جلالته ماياتي من سفاراته في البلاد الاجنبية كالتقارير السياسية حيث يقرأها بنفسه ويتولى الاجابة على بعضها, وكان يهتم باي ملحوظة يبديها احد الجلوس لديه في الموضوع (3) .
نجد ان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه نهج نهجاً لم يسبقه إليه احد وهو يرى في هذه المجالس الآتي:
*يتم فيها مناقشة القضايا العامة للدولة والخلافات الداخلية.
*تعميق الصلة بين الحاكم والمحكوم.
*القضاء على النفعيين والبطانة السيئة, وفي هذا قال جلالته يرحمه الله: (ان التباعد بين الراعي والرعية، يدع مجالاً للنفعيين فيجعلون الحق باطلا ويصورون الباطل حقا) (4) .
وقال ايضاً: (اختلاط الرعية بالحكام يقضي على اولئك (النفعيين) من جهة ويسهل الامور ويحل المشكلات من جهة ثانية) (5) .
*يرى جلالته في هذه المجالس والتي تحقق الاتصال المباشر منعأ للظلم عن الرعية.
*منع تشويه المفسدين لصورة الحاكم, فكان يرحمه الله ينصح دائماً بفتح الباب للناس حيث لايبقى الا مخلص وفي.
وهكذا نجد عبدالعزيز اول حاكم عربي يلجأ إلى اسلوب المؤتمرات العامة لمناقشة القضايا العامة للدولة, ويطلب من المشاركين ان يواجهوه باعتراضاتهم وطروحاتهم بحرية تامة وهو بهذا يقول: يدعي البعض ان الحرية من اوضاع الاوروبيين، والحقيقة ان القرآن الكريم قد جاء بالحرية التامة الكافلة لحقوق الناس جميعا وجاء بالاخاء والمساواة المطلقة التي لم تحلم بها امة من الامم (6) , فدآب يرحمه الله على تأصيل هذه المجالس التي يطلع فيها على مطالب شعبه ورغباتهم, وان يفهم هذا الشعب اعمال ونوايا عبدالعزيز ويتضح ذلك عندما خاطب جلالته قياداته قائلاً: (اننا في اشد الحاجة الى الاجتماع والاتصال بكم لتكونوا على علم تام بما عندنا ونكون على علم تام بما عندكم، واود ان يكون هذا الاتصال مباشرة وفي مجلسي لتحملوا الينا مطالب شعبنا ورغباته وتحملوا الى شعبنا اعمالنا ونوايانا, اني اود ان يكون الاتصال بالشعب وثيقا دائما لان هذا ادعى لتنفيذ رغبات الشعب, لذلك سيكون مجلسي مفتوحاً لحضور من يريد الحضور، وانا اود ان اجتمع بكم دائما لاكون على اتصال تام بمطالب شعبنا وهذه تأتيني من وراء الاتصال) (7) , وكان يرحمه الله يستحث في مجالسه الناس ان من له شكوى او حق او انتقاد في امر دين او دنيا فليبينه وكان يقول ايضا: (ان كل من اراد الكلام عهدا لله وميثاقه وامانة، انه حر في كل نقد يبينه ولامسئولية عليه) (8) , وفي هذا اكد العلماء واعلنوا انهم مانصحوه (اي الملك عبدالعزيز) الا انتصح وانهم مارأوا منه الا الحرص على اقامة شعائر الدين واتباع ما امر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واهتماما بالغا بحقوق ومطالب شعبه.
هذا وقد استقطبت المجالس المفتوحة للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، العدو والصديق، المحب والمبغض، العالم والجاهل، الرفيع والوضيع، فاصبحوا جميعا بنعمة الله اخوانا متحابين بعد الفرقة,, والبغضاء والتنافر, فلقد حدث ذات مرة ان الملك عبدالعزيز رحمه الله اخذ يتلفت في مجلسه ضاحكا وكان في ضيافته شيخ قبائل الرولة ففسر عبدالعزيز ضحكته للشيخ قائلا: (هل ترى هؤلاء الجالسين حولك مامنهم الا من حاربته) (9) , نعم لقد كانت له قدرة ساحرة في احتواء الآخرين واخضاعهم, فقد اخضع البدو بشهامته وسخائه وسيطر على الحضر بكرمه ونبله وشجاعته, وهو الذي قال فيه شيخ قبيلة كان يحضر مجلسه (انت سحّار ياعبدالعزيز صدقوا والله فقد سحرتني), لقد استطاع عبدالعزيز ان يحتوي تركيبة اجتماعية متنافرة ومعقدة في جزيرة العرب ويجعل منها امة عصرية ذات مكانة رفيعة وهو يتلو قوله تعالى (إن هذه امتكم امة واحدة,, الآية (92) سورة الانبياء.
لم يقتصر اهتمام جلالته على التواصل مع شعبه في عاصمته وما حولها فقط ممن يستطيعون ان يتشرفوا بالسلام عليه ويشاركوه مجلسه, بل شمل جميع شعبه في ارجاء المملكة العربية السعودية فهاهو يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته يصدر امراً ملكياً يعلن فيه:
(ان صاحب الجلالة الملك يعلن للناس كافة ان من كانت له مظلمة على كائن من كان موظفا او غيره، كبيراً او صغيراً، ثم يخفي ظلامته، فإنما إثمه على نفسه، وان من كانت له شكاية فقد وضع على باب الحكومة صندوق للشكايات مفتاحه لدى جلالة الملك، فليضع صاحب الشكاية شكايته في ذلك الصندوق وليثق الجميع انه لايمكن ان يلحق المشتكي اي اذى بسبب شكايته المحقة من اي موظف كان) (10) , كما اصدر امراً ملكياً في عام 1372ه جاء فيه (من عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن سعود الى شعب الجزيرة العربية على كل فرد من رعيتنا يحس ان ظلماً وقع عليه ان يتقدم الينا بالشكوى وعلى كل من يتقدم بالشكوى ان يبعث بهاطريق البرق او البريد المجاني على نفقتنا وعلى كل موظف بالبريد او البرق ان يتقبل الشكوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد اولادي او احفادي او اهل بيتي, وليعلم كل موظف يحاول ان يثني احد افراد الرعية عن تقديم شكواه مهما تكن قيمتها, او حاول التأثير عليه للتخفيف من لهجتها اننا سنوقع عليه العقاب الشديد، لا اريد في حياتي ان اسمع عن مظلوم، ولا اريد ان يحملني الله وزر ظلم احد، او عدم نجدة مظلوم او استخلاص حق مهضوم,, ألا قد بلغت,, اللهم فاشهد) الملك عبدالعزيز (11) ,هذه سياسة الباب المفتوح التي صاغتها عبقرية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه فمارسها وأمر ابناءه من بعده بالعمل بها وعدم التفريط فيها.
فلقد عمل بها ومارسها كل من الملك سعود والملك فيصل والملك خالد رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته انه سميع مجيب, وان مانشاهده اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين أمد الله في عمره هو استمرار لتلك السياسة الحكيمة، وان مايقوم به ولي عهده الامين صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز من استقبال للمواطنين والمقيمين بشكل يومي واسبوعي وسماع مطالبهم وموجهاً لحل مشاكلهم انما هو تتبع لتلك السيرة العطرة التي بدأها عبدالعزيز ومن بعده ابناؤه البررة فأصبحت هذه السياسة سمة للحكومة السعودية بأسرها, يشعر معها المواطن بكل ارتياح وسعادة, وحتى ندلل على مانكتبه في هذا السياق فاننا نذكر ما يستقبله صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام من مواطنين يوميا مسخراً امكانات وزارة الدفاع والطيران من مستشفيات واخلاء طبي وخلافه لخدمتهم سواء داخل المملكة او خارجها, واني لأذكر في احدى المناسبات ان مواطناً مصابا بمرض نفسي صاح مستنجداً بصاحب السمو الملكي الامير عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع، حيث قام سموه باصطحابه معه في طائرته الى الرياض لعلاجه واهتم به اهتماما بالغاً, انها سياسة الباب المفتوح.
وان ما يتقدم لصاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز من مواطنين ومقيمين يومياً بعد صلاة الظهر في وزارة الداخلية (يدعو الى الاعجاب والتأمل), وكذلك صاحب السمو الملكي الامير احمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية انما هو اهتمام وتكريس لهذه السياسة التي اتصف بها الحكم السعودي الزاهر.
كما اتبع هذه السنة الحسنة التي سنّها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه اصحاب المعالي الوزراء الذين حدد كل منهم وقتاً خاصا ليستقبل فيه المواطنين والمقيمين بل اعتبروا ان هذا الوقت من اولوياتهم عند استلام مناصبهم, هذا ماتحدث به صاحب المعالي الدكتور محمد الجارالله وزير الشئون البلدية والقروية قائلاً: (لعلكم تذكرون انني منذ تشرفت بمسئوليات هذه الوزارة قررت انتهاج سياسة الباب المفتوح.
وخصصت الوقت المتاح بعد صلاة الظهر من كل يوم من ايام الاسبوع (باستثناء ايام الاثنين) لمقابلة المراجعين والاستماع الى شكاويهم واقتراحاتهم وطلباتهم ومعالجتها مباشرة), (12)
كما اشار معالي وزير الصحة الدكتور/ اسامه عبدالمجيد شبكشي الى ان الوزارة قد خصصت يومي الاحد والثلاثاء للمواطنين ولعموم المراجعين, اما معالي وزير المعارف الدكتور محمد الاحمد الرشيد فقد اكد على اتباع سياسة الباب المفتوح وأهاب بجميع زملائه في الوزارة لاتباع هذه السياسة (13), ولهذا فجميع المسئولين على اختلاف مستوياتهم ووظائفهم يجمعون على اهمية الاتصال المباشر بين المواطن وبين المسئول لكونه اولا سنة حميدة سنّها وانتهجها الملك عبدالعزيز رحمه الله ثم لما لها من فائدة عظيمة تساهم في الآتي:
*تعتبر اسلوبا اداريا ناجحاً.
*كسر الروتين واختصاراً للزمن.
*تتيح الفرصة للمسئول لمناقشة المواطن مباشرة في طلبه.
*يشعر معها المواطن بالثقة والاطمئنان عندما يشرح قضيته مباشرة للمسئول.
ان كل مواطن سعودي سنحت له الفرصه وخرج خارج المملكة وتعامل مع معطيات تلك المجتمعات فانه سوف يجد ان وصوله للقمر اسهل وأقرب اليه من ان يتصل بمسئول, ثم انه لايوجد هناك اسلوب من هذا النوع بل عليه ان يبحث عن المحامين الذين سوف يأكلون الاخضر واليابس دون ان يصل الى نتيجة, وهذا ما حدث فعلا لأحد المواطنين في دولة تدعي الديمقراطية, فلولا تدخل صاحب السمو الملكي الامير فيصل بن فهد رحمه الله وأنقذ ذلك المواطن من تلك المشكلة بعدما تم الاتصال به من قبل ذلك المواطن وهذا مانشرته احدى الصحف المحلية, لكنها تبقى سياسة الباب المفتوح.
واننا نتضرع الى الله العلي القدير ان يرحم الملك عبدالعزيز وابناءه البررة من بعده وان يمد في عمر خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده والنائب الثاني وحكومتهم الرشيده الذين لايزالون يتمسكون بهذه السنّة الحميدة ونحن نذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة,, الحديث).
رحم الله السلف وحفظ الخلف، والله أسال ان يديم علينا الامن في الاوطان والصحة في الابدان وان يحفظ لنا قادتنا وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
1-جلال كشك السعوديون والحل الاسلامي ص37.
2-خير الدين الزركلي شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز ص 518.
3-المرجع السابق ص520.
4-عبدالعزيز محمد الاحيدب من حياة الملك عبدالعزيز ص80.
5-جلال كشك السعوديون والحل الاسلامي ص39.
6-مرجع سابق ص37.
7-مرجع سابق ص40.
8-عبدالعزيز محمد الاحيدب من حياة الملك عبدالعزيز ص64.
9-خير الدين الزركلي السعوديون والحل الاسلامي ص43.
10-عبدالعزيز محمد الاحيدب من حياة الملك عبدالعزيز ص 258.
11-مرجع سابق ص 257.
12-اليمامة العدد 1523.
13-المرجع السابق.
|