Saturday 23rd October, 1999 G No. 9886جريدة الجزيرة السبت 14 ,رجب 1420 العدد 9886


كنت في الباحة

طبيعي ان يشتاق المرء الى اي جزء من بلاده، وبخاصة اذا كان قد زاره فأعجبه، أو لم يزره وسمع من وصفه وأهله ما يزيد في اشتياقه.
وكنت قد سمعت عن منطقة الباحة اشياء، وقرأت عنها اشياء كذلك اكثر، فلما دعاني نادي منطقة الباحة الأدبي في مطلع هذا العام الى زيارته وإلقاء محاضرة فيه سرتني الدعوة فلبيتها وحددت اليوم الثالث عشر من الشهر الخامس من هذا العام 1420ه، موعداً لذلك، فلما حان الوقت صادف وفاة الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - فأجلنا الموعد الى يوم الثلاثاء 11/6/1420ه من العام نفسه.
وفي مساء الاثنين 10/6 وصلنا الى مطار الباحة في العقيق ذلك السهل شبه المنبسط وفيه ربوة يقع المطار في أعلاها.
وفي المنطقة تتناثر المرتفعات وتنتصب الجبال والهضبات، فسرنا الى الباحة تتلوى بنا السيارة - كما يتلوى الثعبان - عبر الجبال المنتصبة والمناظر الطبيعية، كما كان يصفها ابني عبد العزيز، ومحمد، مندوب النادي.
وكان الجو رائقاً منعشاً ما هو بالبارد ولا الحار.
وبعد أكثر من نصف ساعة وصلنا الباحة فصعدت بنا السيارة ربوة كان النزل الفندق على رأسها، ووجدنا الشيخ سعد بن عبد الله احمد المليص، رئيس النادي الأدبي، والشيخ عبد الرحمن أحمد الدهري في انتظارنا، فدارت أحاديث فكان جلها ترحيباً وإبداء ائتناس، وليس ذلك بالغريب في أخلاق الرجلين، بل واخلاق القوم بعامة، بل لقد وجدنا بعد ذلك ما هو اكثر من هذا بكثير.
وبعد صلاة العشاء أخذني ابني عبد العزيز في جولة حول الفندق على الاقدام، وهي جولة لم تطل لأن الليل كما يقولون: ضيق العيون لا يتيح للناظر تبين كل ما من حوله، وبعد ليلة هادئة خرجنا في الصباح في نزهة على الاقدام، فكنا ننحدر من مرتفع لنصعد مرتفعا آخر حتى ادركنا الظهر ونحن نسير لا نحس تعباً ولا حرارة شمس، ولولا موعدنا مع النادي بعد الظهر لاتصل سيرنا حتى العصر, وبعد عودتنا الى المنزل وبعد الصلاة والتريث قليلاً للراحة انحدرت بنا السيارة من ربوة المنزل لتصعد بنا بعد قليل ربوة النادي حيث التقينا على الغداء بثلة من العلماء والمثقفين، فدارت أحاديث كان اطولها عن تفسير الكتاب العزيز، والمشاهد الكونية التي جاء خبرها فيه فهي من شواهد الاعجاز.
وبعد العصر كنا على موعد مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود، امير منطقة الباحة، فذهبنا اليه في قصره يصحبنا الشيخ سعد المليص رئيس النادي، وليس غريباً أن نجد من سمو الامير كل ترحيب، وأن يفتح لنا صدره في الحديث، فتلك سنة قادة هذه البلاد.
واكثر ما كانت تلك الاحاديث عن التطور في هذه البلاد، وكان لتوسعة الحرمين الشريفين منها أكبر نصيب وكان يلتفت الى رئيس النادي بين الحين والحين سائلاً عن مبلغ عنايتهم بنا، وما كانوا في حاجة الى من يحثهم على ذلك.
وودعنا سمو الأمير متجهين الى المنزل بعد الانحدار من تلك الربوة العالية التي يقوم عليها قصر الأمير,
وبعد المغرب اتجهنا الى النادي حيث ألقيت محاضرة هناك اعقبتها تعليقات ومداخلات واسئلة كلها كانت ذات جدية ودلالة على وعي جيد بموضوع المحاضرة وهو الأدب الاسلامي بدايته ومسيرته .
واكثر ما لفت الانتباه كثرة الجمهور المثقف الذي حضر هذه المحاضرة كما وصف الأخوان هناك، وكان فيهم ثلة من العلماء مثل فضيلة الشيخ الدكتور مزهر محمد القرني، رئيس المحاكم الشرعية في منطقة الباحة وكان رجلاً فاضلاً، والفضلاء هناك كثر.
وفي صباح اليوم الثالث من رحلتنا هذه خرجنا، ولكن لا على الاقدام، بل في سيارة جالت بنا في المناطق القريبة فعرفنا ما هو اكثر مما عرفنا بالأمس.
وفي منطقة الباحة واحات رائعة الجمال ذات اشجار مثمرة وغير مثمرة.
وفيها مناطق خصبة عامرة بالحياة الفطرية، ففيها الغزلان والفهود والنمور صغيرة الأجسام خلاف النمور العادية.
وفيها غير ذلك من الحيوانات البرية التي يحسبها كثيرون قد انقطعت.
وأهل الباحة حراص كل الحرص على الحفاظ على الارض، لا يفرطون فيها ببيعها وإن اغراهم الثمن، وهذه مزية طيبة الا أن لها سلبياتها بالطبع.
وعدت مودعاً من اخواننا هناك بأكثر مما استقبلت به.
عدت وأنا أردد بعضاً من أبيات هذه القصيدة التي ألقيت في النادي قبل بدء المحاضرة، وها هي أوردها لك بنصها:
السكون دائماً يؤدي الى الخمول حتى في عالم الجمال.
لذا نجد القافية الساكنة الروي كثيراً ما تشعر السامع في الوهلة الأولى بشيء من وهن قد ينتهي وقد يستصحبه الى النهاية.
فلماذا يصير الشاعر الى هذه القافية؟ القافية الموهنة.
ان الشاعر في الغالب لا يتخير القافية قبل ان يبدأ في النظم بل ينقاد لما ينتهي اليه اول بيت يجري على لسانه فيتبعه بقية الأبيات.
فان كانت الصور والأفكار واهنة زادت القافية وهناً.
أما اذا كانت الصور والأفكار ذات حيوية ونشاط فإنها تنهض القافية وتنفض ما فيها من وهن جلبه السكون.
فما نصيب هذه الابيات من هذا وذاك؟.
احسبها الى الاخير اقرب وان كان الحكم في ذلك لغيري.
لاحت لنا من طباق السحب وانتصبت
ثم انتهينا اليها فاستوت وعطت
باحت لنا بالهوى العذري باحتة
حتى اذا ثملت ارواحنا صدفت
خوفاً علينا وخوفاً من تولهنا
ان الهوى ان كوى ارواحنا ثملت
باحت لنا الواحة الخضراء ان بها
روضاً اذا نورت ازهاره نفحت
ربيعها في فصول العام متصل
ايامها أفصحت عنه وما كتمت
يضاحك النور فيها كل شارقة
مزهوة قد رواها الطل فانتبهت
لو اقسمت نفس مشتاق بأن لها
في ذمة النور ميثاقاً لما حنثت
صانت هواها زماناً ثم ارهقها
حتى اذا ما بكت من دمعها شربت
طلاً هو الدمع من وجد يلج بها
في ليلها يرتجيها وهي ما علمت
لو انها سمحت بالوصل ما تعبت
أرواح أحبابها لكنها صرمت
حتى اذا ما دعا نادي الكرام مشت
أقدامنا بعدما ارواحنا سبحت
في افقه وهي تستهدي مدارجها
مدارج النور كم في مثلهن مشت
لمنبر فيه أعلام به طمحوا
نحو العلا وبه أفكارهم لمعت
هم معشر في سبيل الله سعيهمو
انعم بهم صفوة في الله ما صنعت
ناد ينادي لأهداف ممجدة
يعلون منها بأعمال لهم رشدت
لباحة المجد والآمال تحفزنا
وفي هواها - بنا - الأشواق كم شطحت
جئنا فجادت ببوح كم نسر به
وأحمد العود ما يأتي وقد سمحت
بين الضلوع أغاريد مموجة
اصداء ما انبتت فيها وما نفحت
اصداء ما رجعت فيها مجنحة
ترنو الى سيد من أجله صدحت
جدت بها فرحة لما تقلدها
امارة بالأمير الشهم قد شرفت
محمد بن سعود والسعود به
اقباله منة من ربكم هتنت
وفيصل عنده فصل الخطاب اذا
ما أحوجت لسديد الرأي اذ شكمت
يرمي بفكر كفكر الفذ والده
سلالة في دجى الديجور كم صدعت
يا باحة من بني عمي قبائلها
أنعم بما أينعت فيهم وما غرست
أزدية مجدها من دون ذروته
زخارف المجد ما املت وما نسجت
حلّى خلائقهم مدح النبي لهم
أنعم بها مدحة لله ما رفعت
من مجد قوم علت أمجادهم سلفاً
فزادها رفعة ما منه قد سمعت
محمد خير خلق الله كلهمو
كل الرسالات بالمختار قد ختمت
صلى عليه اله العرش ما طلعت
شمس وما نسمت ريح وما خفقت
أ,د, محمد بن سعد بن محمد آل حسين

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
ملحق المدينة
منوعــات
ندوة الجزيرة
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved