Tuesday 26th October, 1999 G No. 9889جريدة الجزيرة الثلاثاء 17 ,رجب 1420 العدد 9889


الشجاعة والعزيمة وأثرهما في مسيرة الملك عبدالعزيز يرحمه الله
د . سليمان بن عبد الله ابا الخيل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وبعد:
فلاشك ان الشجاعة المنضبطة والمتوازنة اذا اقترنت بالعزيمة الصادقة المخلصة، وخالطتها العزة الايمانية يكون لها من الاثر والتأثير على مسيرة الانسان الشيء الكثير، فمن خلالها يكوّن شخصيته التي يقف لها الناس تقديراً واحتراماً، ويشق طريقه بكل طمأنينة وثبات ويحقق اهدافه وغاياته السامية بصورة يتعجب منها الناس، ويكون محط الانظار ومضرب المثل، حتى ان البشر لايتدافعون في الوقوف مع من كان هذا شأنه, وينتصرون له،ويعملون على اعانته.
ولقد كانت هاتان الخصلتان المحمودتان (العزيمة والشجاعة) من السمات البارزة للموحّد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله-بل انهما امتزجتا بحياته وتلبست بهما نفسه، حتى صارتا عادة من عاداته، وسجية من سجاياه وطبعاً من طباعه، لاتتأثر بالمؤثرات، ولاتثني عن السمو في الغايات، والنبل في الاهداف، وتحقيق المصالح، ودرء المفاسد، تهون الشدائد امامها، وتصغر المصائب تجاهها، وتتلاشى الخطوب في مواجهتها وتنجلي المدلهمات بأثرها وتأثيرها، لاتعرف الخوف، ولاينتابها التردد، لذا قيل عن الملك عبدالعزيز: انه يمثل في مسيرته، عدل عمر، وذهب الرشيد، وسيف المعز.
كان يدير المعارك، ويقود الجيوش بنفسه، ويكفيه شجاعة فتحه لمدينة الرياض، وطيه لارض شبه الجزيرة تلك القارة الشاسعة الواسعة المترامية الاطراف بمدنها وقراها وسهولها ووديانها وشعابها وتلالها وجبالها، سهلها وصعبها، حاضرتها وباديتها، وتوحيدها تحت راية واحدة رغم ماكانت تعيشه من التناحر والتنافر، والاختلاف والافتراق، والتباين في العادات والتقاليد والاعراف، والسلب والنهب والخوف والجوع، والعصبية البغيضة ، واكل القوي للضعيف، وانتشار الجهل والبدع، وبفضل من الله ثم بما قام به هذا البطل الهمام صارت دولة واحدة اهلها متحابون متكاتفون متعاونون على كل خير كأنهم ابناء بيت واحد.
ومضى من اجل تحقيق هدفه السامي لايخشى إلا الله، لم ثنه عن ذلك ماتعرض له من الموت والجراح، وبشكل متكرر، بل كان جلداً صبوراً، قد يقاتل طوال النهار وقسطاً من الليل، ويغير سيوفه عدة مرات في المعركة، ومضت عليه عشرون عاماً لم يذق فيها طعم الراحة، فهو إما محارباً، واما مستعدا لحرب.
يقول حافظ وهبة: (كان عبدالعزيز يدير معاركه بنفسه،وكان رائده في معاركه خالد بن الوليد، واشهد ان جلالته بالرغم من الاخطار التي كانت تحيط به، ماكان يتزحزح من مكانه، لقد سقطت قنبلة أمام خيمته على بضعة امتار، كما سقط غيرها على المخيم في الرغامة خلف التلال ، والقائل لهذا شاهد حال وعيان، حيث كان احد رجال الملك عبدالعزيز، حضر معه أكثر من معركة، وكان ممن رابط معه في الرغامة اثناء محاصرته لمدينة جدة.
وليس هذا فحسب، بل كان قدوة حسنة لرجاله وأتباعه في السلم والحرب، ولا ادل على ذلك من ترجله ومشيه حافياً بعد خلعه لنعليه ليكون مثل اكثر الجنود الذين كانوا يمشون حفاة الاقدام وذلك في احدى حروبه حتى قال :انا واحد منكم ومثلكم، انتم ماشون وأنا ماشي، انتم حفاة وانا والله لا انتعل، وهذا نعلي، وهذا ذلولي ، فمشى امامهم حافياً،ومشوا وراءه متحمسين فتحقق لهم النصر).
يؤيد ذلك ويشهد له ويفعله ماقاله الملك فيصل -رحمه الله- عن شجاعة الملك عبدالعزيز وعزيمته واصراره على الوصول الى هدفه وغايته:(قوة إرادته وشجاعته التي تبرز في احرج المواقف، وادق الظروف، واذكر على سبيل المثال انه كان في موقعة دارت الدائرة اثناء القتال على جيشه وهمّ الجنود بالفرار، فبرز في مقدمة الصفوف ممتطياً جواده، ومتقلداً سيفه ونادى: ايها الاخوان من كان يحب عبدالعزيز فليتقدم، ومن كان يؤثر الراحة والعافية فليذهب الى اهله، فوالله لن ابرح هذا المكان حتى أبلغ النصر،او أموت فسرت الحماسة والحمية في نفوس الجند، وعادوا فشدوا على اعدائهم وكان لهم الفوز).
ومع ذلك فقد كان يتحمل الآلام، وتذوب الاوجاع امام قوته وشدة تحمله وبأسه، فقد شكا رحمه الله من الم في بطنه لازمه قرابة ستة اشهر، وعندما كشف عليه طبيبه الخاص،وجد ان هناك رصاصتين مستقرتين تحت الجلد، لابد من استخراجهما، فحضر المخدّر لاجراء عملية استخراجهما، فانفجر رحمه الله ضاحكاً وطلب ابعاد المخدّر، وامسك المشرط بيده فشق الجلد الذي فوق الرصاصتين، وامر الطبيب ان يبدأ مهمته.
يقول المستشرق المسلم عبد الكريم جرمانوس الذي تعرف على الملك عبدالعزيز من خلال ادائها الحج عدة مرات: (ابن سعود بطل بما تسعه هذه الكلمة من معان، فقد جرح اربع عشرة مرة في حياته التي قضاها دون خشية من احد إلا من الله العلي القدير،وهذه الجروح تؤكد لنا حقيقة البطولة في قلبه، الذي قدّ في الشدائد من صخر، وهو بعيد عن تلك، لين هين سهل، تحمل دخائله ما تحمله القلوب التي تدري كل شيء في الحياة).
وبهذا يتبين لنا ان الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كان شخصية نادرة ورجلا فذا يمتلىء عزماً وتصميماً وشجاعة وصبراً، الأمر الذي معه لايعرف اليأس، ولايقبل الهزيمة، لأنه يستمد قوته من صدقه مع ربه، وتمسكه بدينه، واخلاصه لأمته، ووفائه لوطنه وأبنائه.
نسأل الله العلي القدير ان يغفر للملك عبدالعزيز وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجعل الخير في عقبه وذريته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
*وكيل جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
محاضرة
منوعــات
لقاء
القوى العاملة
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved