Tuesday 26th October, 1999 G No. 9889جريدة الجزيرة الثلاثاء 17 ,رجب 1420 العدد 9889


الفصحى والعامية,, وخطأ اعتقاد الصراع
ومثلث برمودا الشرق لم يُفهَم بعد

مدخل:
لا يجوز أن تتلقى الفصحى الطعنة الأولى من أبنائها .
د, مرزوق بن تنباك
لا صراع بقاء بين الفصحى والعامية، ولا منافسة بينهما,, فالفصحى لغة الدوام والثبات والاستمرار,, لغة القرآن الكريم,, وحاملة معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم الخالدة,, المعجزة التي تخاطب العقول إلى يوم القيامة لبيان دين الحق بحملها لشواهد صدقه، إضافة إلى أنها لغة عالمية لوجوب معرفتها على من يدخل في هذا الدين الحنيف من الأعراق والشعوب المختلفة,, وبمقابل ذلك كله فالعامية ماهي إلا لهجة واحدة من ضمن اللهجات المختلفة التي تفرعت من اللغة الأم (الفصحى) وما هي أيضا - في الحقيقة - إلا غصن في شجرة، يجب أن تبقى كذلك، ويجب ألا تكون أكثر من ذلك، ويجب أيضا أن يكون التعامل معها على هذا الأساس,, ولا أعتقد أن هناك عاقل والحالة تلك يقول بالصراع أو المنافسة بين الفصحى والعامية,, بل هما موجودتان مترادفتان لا يضيق الزمان عنهما أو بهما، ولا تضيق أفهام الناس وإدراكاتهم بعد تربيتها على تذوق الجمال الحقيقي باستيعابهما ولو أضيف إليهما الكثير من اللغات واللهجات الأخرى.
لنتجاوز منطقة (النفخ بالرماد) إلى منطذقة (النفخ بجمر الغضى),, فأنا حقيقة لا أخفي عتبي على الأخ مشعل الفوازي باعتباره الرجل الواعي كما يتضح من أسلوبه وطرحه، وعمق مناقشته للأفكار، وأدبيته في الحوار,, وذلك لأنه لم يتفاد الدخول في إطار بيت المتنبي الذي يقول:
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام
لقد قيد - وهو الرجل القادر على التمام، المؤهل له - نظرته في الهوامش والفروع، ولم يوسع إدراكه ويأخذ الأمر من أصوله وثوابته (أو كما يقولون لم يأخذ اللقطة كاملة!) ولذا حدث المحذور، واختلطت الأمور,, فيجب على أخي العزيز ان يدرك أن الهوى والرغبة شيء، ووضع لبنة في جدار الزمن,, شيء آخر,, وأن الاهتمامات الشخصية شيء، والثوابت شيء آخر تماماً,, ومن هذا المنطلق أرى بأنه لم يوفق عندما أقحم تهمة التناقض خلال أسلوبه وطرحه الأدبي الجميل,, ولإيضاح ذلك اللبس في الفهم أقول - مجبراً على إيضاح الواضحات - ان مواقفي وثوابتي وجل اهتماماتي لم تكن إلا للفصحى وفيها، وان ميولي منه ما هو في الاستغراق في النظر إلى ألوان الفصحى نظر المأخوذ في التفاصيل بدون استثناء حتى في المعتم منها,, ومنه كذلك السفر بين أشكالها حتى تلك التي تحمل الملامح الزنجية منها,, أما اهتماماتي (أو بالأصح الجزء اليسير منها) فهي أحياناً تكون عامية (شعبية)، وأحيانا إنجليزية، وأحياناً أخرى فارسية ولا ضير في ذلك التنوع البتة.
واعتقد جازماً أنه ليس هناك ما يحجر عليّ الاهتمام بما أريد ما دام مباحاً، ومن هذا الباب يجب أن ينظر إلى نتاجي الشعبي,, فهل يحق لك - يا اخي العزيز - أن تحجر علي حقي باهتمامي فيما أريد؟ و(العهدة) على استفهاماتك الكثيرة التي أشعرتني بذلك,, وفي المقابل فإنه يحق لك ولغيرك - كما هو لي طبعاً - الأخذ بيد من حاد عن الثوابت والمواقف الحقيقية العامة التي لا تقبل التشكل (والتي هي غير الاهتمامات الثانوية بلا جدال!!),, فيجب أن تدرك وتعلم يا أخي الكريم أن الطريق أحياناً ينحرف ويعوج عن مدى الاستقامة,, ثم هو خلال رحلة انحرافه واعوجاجه يستقيم,, أي يستقيم في عرف وقوانين هذا الوجود أو الكون المعوج,, فهذا المستقيم - من وجهة نظري - يحتاج إلى استقامة,, ويحتاج إلى من يقيم انحرافه واعوجاجه بخلع أركانه وليس بتغيير محتوياته ومقوماته، وإذابة الشمس في عيون قططه.
يا أخي العزيز إنني اتساءل: كيف أحسست بأن هناك حصانة مزعومة يحاط بها الدكتور الهويمل,, ولم تشعر بأن أحد أساليب الهجوم المتعددة على أي أمر هو الهجوم على رجاله ورموزه؟ وما دامت القضية تصل إلى (الفصحى) بطرف,, ألا تعلم بان النيل منها - ولو من طرف بعيد وخفي - يكون أحياناً عن طريق النيل من رموزها وخاصتها,, وأنا لا أقول ذلك تخويفاً لك من الخوض في المعركة ضد الفصحى، بل لاشعارك فقط بنوعية المعركة وخصوصيتها، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيي من حيّ على بينة.
أما مثلث برمودا الشرق الدكتور الهويمل، فأعتقد بأنه من الواجب إعادة القول مرارا وتكراراً بأن هذا الركن الشديد لم يفهم بعد,, ونحن لا نضع سياجا من الحصانة حوله,, فلا هو ولا نحن نرضى ذلك,, بل ندعو للتحاور معه وفهمه، وندعو الله أن تكون لدى الكثيرين الجرأة في مواجهته خلال حوار أدبي وعلمي مباشر,, فالرجل لا حواجز ولا عوائق تحول بين من يريد محاورته للإفهام أو الاستفهام,, والحقيقة التي يجب أن تسمع هي أن الدكتور الهويمل لا يحارب الشعبي على الاطلاق,, بل يحارب محاولة تدريسه في الجامعات، ووضع الكراسي الذهبية والعلمين له في الكيات، وتخصيص مجلات مدعومة تعنى به وتسوقه,, وهو ضد بذل الجهود الجبارة (كما هو واقع اليوم) في منهجته وتأطيره، ويتمنى لو كانت هذه الجهود في خانة الفصحى,, فمجمل نظرته في هذا الشأن هي أن يبقى الشعر الشعبي شفوياً كما كان وما نشأ، وأن لا توضع له القواعد والمناهج.
فالجيل القادم أبرياء,, يجب ألا نجبرهم (بانتهاج سياسة أرض الواقع) على استساغة وتذوق وسيلة تؤدي إلى وسيلة أخرى، كما هو حال الشعبي,, وألا نفرض عليهم عدم تذوق وسيلة تؤدي إلى غاية كما هو حال الفصحى,, وهذا الإجبار يكون عندما نصنع الواقع الذي نريد لهم ونشكله، لا الواقع الذي تريد لهم عقيدتهم وعقولهم النقية,, ونحن عندما نفعل ذلك نكون كمن قام بوأد ذائقتهم في مهدها بسلاح إغراق أسماعهم وأبصارهم عندما تصافح دنيا الواقع بالمد الشعبي.
نيف الذكرى

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
محاضرة
منوعــات
لقاء
القوى العاملة
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved